طه حسين عميد الأدب العربي فقد البصر لكنه أضاء الطريق للمبصرين

  • تاريخ النشر: الخميس، 23 يوليو 2020 | آخر تحديث: الجمعة، 16 أكتوبر 2020

كيف تحدى عجزه وسفره إلى باريس ومعاركه في الجامعة

مقالات ذات صلة
طه حسين: أهم المحطات في حياة عميد الأدب العربي
الذاكرة البصرية أهميتها وطريقة عملها
يوسف وهبي: عميد المسرح العربي

"طه حسين" عميد الأدب العربي، واحد من أهم أعندة العلم والثقافة في العالم العربي. وبينما لم يكن أقصى طموح منتظر آنذاك من الصغير الكفيف القادم من أسرة فقيرة في صعيد مصر سوى أن يصبح شيخا بالأزهر. لكن طموح طه حسين لم يعرف حدودا، وقد دفعته أسئلته ورغبته في التجديد والتغيير لم تقف عند حد. وهذا ما جعله يترك الدراسة في الأزهر إلى الدراسة في جامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة فيما بعد).  وعلى الرغم من انطفاء نور بصره، فقد استطاع أن يضيء الطريق أمام الكثير من المبصرين.

الطفولة وانطفاء النور:

ولد “طه حسين” في 15 نوفمبر عام 1889 في أسرة فقيرة عاشت في قرية صغيرة تابعة لمدينة “مغاغة” إحدى مدن شمال الصعيد في مصر، وكان سابع أطفال والديه من بين 13 طفلاً وطفلة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

في الثالثة من عمره تغيرت حياته للأبد.ولد طبه جسين مبصرا لكنه تعرض للإصابة بالرمد. وتلقى علاجا خاطئا أدى به إلى فقد بصره وهو في الثالثة من عمره، ليعيش كفيفا مدى الحياة.

ألحقه أبوه بكُتّاب القرية، ليتعلم اللغة العربية وتلاوة القرآن الكريم، أملا في أن يصبح “طه” الصغير قارئ قرآن كعادة المكفوفين في تلك الأيام، بناء على نصيحة صديق والده الذي أكد أن نجله لا يصلح إلاّ أن يكون قارئا للقرآن عند المقابر يتصدق عليه الناس.

كان “طه” طفلاً انطوائياً، وزاد فقدانه للبصر من أمر تلك العزلة فلم يكن يتحدث مع أحد من أقرانه أو يهتم بأن يشاطرهم اللعب واللهو.

طموح بلا حدود:

كان طموح طه يتجاوز هذا القدر البائس الذي رسمه له الآخرون.  وهذا ما دفعه في عام 1902إلى أن يغادر قريته متوجها إلى القاهرة كي يلتحق بالأزهر طلبا للعلم.

لكن الجمود الذي أحاط بطرائق التدريس في الأزهر وقتها دفعه للتحول إلى الدراسة بالجامعة المصرية وتلقى دروسا في الحضارة الإسلامية والحضارة المصرية القديمة الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والفلك والأدب والفلسفة على أيدى أساتذة مصريين وأجانب.

وفى تلك الفترة أعد الرجل رسالة الدكتوراه الأولى في الآداب التى نوقشت في 15 مايو 1914 عن أديبه الأثير أبي العلاء المعري.شبيهه في محبس فقدان البصر.

إلى باريس بلد النور:

في عام 1914 سافر طه حسين  إلى فرنسا، والتحق بجامعة “مونبلييه”، ثم أكمل بعثته في باريس وتلقى دروسا في التاريخ وعلم الاجتماع،  حصل على دكتوراه في الاجتماع عام 1919، عن العلامة العربي الشهير عبدالرحمن بن خلدون، ثم حصل في نفس العام على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية.

سوزان رفيقة الدرب:

في تلك الفترة تعرف إلى السيدة سوزان بريسو التي تطوعت للقراءة له بالفرنسية أثناء الدراسة،مقابل مبلغ مالي زهيد.

جمعهما الحب الذي لم يستطع طه حسين مقاومته. عارضت أسرتها في البداية رغبتها للزواج من شاب عربي كفيف. لكنهما تزوجا في النهاية في التاسع من أغسطس عام 1917.

وبدأت رحلتها معه والتي كانت خلاله خير رفيقة،  قرأت عليه الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تم كتابتها بطريقة الأحرف البارزة “برايل” ليقرأ بنفسه. وقال عنها طه حسين:  “منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم”، وأنجبا طفلين هما “أمينة ومؤنس”.

العودة إلى مصر:

عاد طه حسين إلى مصر في عام 1919 وعُيّن أستاذا للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة، واستمر كذلك حتى تحولت الجامعة في ذلك العام إلى مؤسسة حكومية فأصبح أستاذا لتاريخ الأدب العربى بكلية الآداب.

الجدل الكبير:

وفي عام 1926 ألف طه حسين كتابه المثير للجدل “في الشعر الجاهلي” الذي رأى فيه أن الشعر الجاهلي “منحول”، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين، فتصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة ومنهم مصطفى صادق الرافعي والخضر حسين ومحمد لطفي جمعة والشيخ محمد الخضري وغيرهم.

كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت تعمده الإساءة المتعمدة للإسلام، فعدّل اسم الكتاب إلى “في الأدب الجاهلي” وحذف منه المقاطع الأربعة التي أثارت جدلا.

عواصف متتالية:

استمر طه حسين في إثارة الجدل والعواصف بسبب مؤلفاته المتتابعة ومقالاته المتلاحقة. وكان صلب المراس، لا يخشى أحدا في الحق، رفض الموافقة على منح “الدكتوراه الفخرية” لكبار السياسيين المصريين وقتها، الأمر الذي أدى إلى طرده من الجامعة التي لم يعد إليها إلا بعد ذلك بسنوات.

وزارة المعارف.. وتوفير التعليم للجميع:

عُيِّن كوزير للمعارف عام 1950، فوجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الأثير “التعليم كالماء والهواء.. حق لكل مواطن”.

وعلى الرغم من أنه شغل هذا المنصب ﻷقل من سنتين إلا أنه عمل على توسعة نطاق مجانية التعليم حتى نهاية الدراسة الثانوية، بجملته الأشهر "التعليم كالماء والهواء".

 وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي طه حسين بالمعارضات القوية التي تعرض لها وقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة والصراحة.

ولم تتوقف عبقرية طه حسين عند هذا الحد، بل اقتحم مجال الرواية الذي كان في ذلك الوقت مجالا حديثا.

كما ترجم الكثير من كلاسيكيات الأدب العالمي ونقلها لنا.

تحولات حياته:

وفي أحد حواراته الصحافية قال طه حسين إن أهم التحولات في حياته هي:

 السفر لأوروبا؛ لأنه حوّله

و الزواج؛ لأنه أخرجه من وحدته وأسعده بنعمة الحب.

 وإنجابالأبناء لأنه جعله يشعر بالحنان.

وقال عنه عباس محمود العقاد إنه “رجل جريء العقل كان مفطور منذ بداية مسيرته على المناجزة والتحدي، فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي المستمر بين القديم والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير”.

وأخيرا لقد استطاع طه حسين أن يقهر الظلام بعزيمة لا تقهر، وإرادة بلا مثيل.