شركة SpaceX تحت المجهر بين الماضي والحاضر
لعلك قد سمعت عزيزي القارئ عن شركة SpaceX كثيرًا في الأخبار مؤخرًا، ومنذ فترة ليست بالكبيرة قامت الشركة بإرسال شخصين إلى الفضاء، وقبل أيام قليلة أرسلوا 60 قمرا صناعيًا آخر إلى مدار الأرض، إذن ما هي شركة سبيس إكس؟ وكيف نشأت؟ وما هي طموحاتها وأهدافها؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لتسهيل الأمر عليك عزيزي القارئ قمنا بتقسيم تاريخ SpaceX إلى مجموعة من المراحل الزمنية
ولادة SpaceX بين 2001 وحتى 2006
دعنا نعود إلى السنوات الأولى من إنشاء الشركة، في الفترة التي كان فيها الملياردير الشهير Elon Musk شغوفًا باستعمار الفضاء وكانت فكرة وضع البشر على المريخ وجعل البشر كائنات متعددة الكواكب هدفه الأول.
في هذه الفترة لم يكن لدى ماسك المال الكافي لبدء شركة فضاء خاصة حتى عام 2001، وذلك بعد بيع Paypal إلى Ebay حيث كسب ما يقارب 200 مليون دولار، وهو مبلغ هائل من المال ولكن عندما يتعلق الأمر بإرسال الصواريخ إلى الفضاء تصبح ميزانية صغيرة جدًا.
وفي ذلك الوقت لم يكن هناك الكثير من الاهتمام العام بفكرة الذهاب إلى المريخ ولكن عندما بدأ ماسك مشروعه "واحة المريخ Mars Oasis" والتي سلطت الضوء على فكرة السفر للمريخ وتحويلها إلى حقيقة بدأ الكثير من الناس التفكير في السفر بل وحتى الاستثمار في المشاريع التي تهدف لتمكين رحلة البشر للمريخ ممكنة.
وقد كلف صاروخ المريخ الذي يحتاجه ماسك 65 مليون دولار وهو ما يزيد كثيرًا عن الميزانية ولذلك قرر بناء صاروخ بنفسه، وقد كانت فكرة بناء الصواريخ داخليًا هي التي أدت إلى إنشاء SpaceX في عام 2002.
كان Falcon 1 (الذي سمي على اسم ميلينيوم فالكون Millennium Falcon في حرب النجوم) هو أول صاروخ بنته شركة SpaceX. وبادئ ذي بدء كان هناك ثلاثة موظفين فقط يعملون على إطلاق الصاروخ ولكن هذا تغير عندما حصلوا على رعاية من مختبر الأبحاث البحرية الأمريكية US Naval Research Laboratory مقابل استخدام الصاروخ لنشر قمر صناعي عسكري.
لم يتم إطلاق Falcon 1 بنجاح حتى عام 2008 مما جعله في الوقت نفسه فاشلاً بعض الشيء، لكن ولحسن الحظ ظهر شريك آخر تمثل بـ أكاديمية القوات الجوية الأمريكية U.S. Air Force Academy، حيث يُعتقد أنهم ساهموا بحوالي 7 ملايين دولار لإطلاق Falcon Sat 2 والذي مكنّ طلابهم من اختبار جوانب مختلفة في الفضاء.
وبسبب هذه التكاليف كانت SpaceX في حالة حرجة نوعًا ما، حيث بلغت ديونها حوالي 100 مليون دولار، وعلاوة على ذلك في هذا الوقت تقريبًا من عام 2006 فشل إطلاق Falcon 1 حيث سقط الصاروخ في المحيط.
أول خطوة في طريق النجاح 2006 - 2009
ومع ذلك تم إنقاذ الشركة عندما منحتها ناسا 278 مليون دولار لتطوير Falcon 9 و Dragon Capsule، ولكن قبل الانتقال إلى هذه المشاريع الكبيرة كانوا بحاجة إلى إطلاق Falcon 1 بنجاح لمعرفة أن أساليبهم قابلة للتطوير.
ولقد حاولوا الإطلاق مرة أخرى في عام 2007 وعلى الرغم من فشل الصاروخ في الوصول إلى المدار إلا أنهم رأوا في ذلك نجاحًا لأنهم تمكنوا من جمع كميات هائلة من البيانات أثناء ارتفاعه صعودًا عبر السماء لمدة 4 دقائق ونصف تقريبًا.
وقد جذبت الأخبار عن اقتراب سبيس إكس من المدار مزيدًا من الاهتمام من وكالة ناسا ووزارة الدفاع الأمريكية وشركة Celestis (الأخيرة هي شركة ترسل الرماد إلى الفضاء).
لكن وبعد فشل آخر في إطلاق Falcon 1 كانت SpaceX في مواجهة خطر الإغلاق وذلك إذا لم يتم إطلاق الصاروخ بنجاح في المحاولة التالية.
نظرًا لأن الجانب الوحيد لإطلاق Falcon 1 الذي كان بحاجة إلى تغيير هو التأخير الزمني، فقد تم الإطلاق التالي بعد أسابيع فقط في 28 سبتمبر 2008. ولحسن الحظ كانت المهمة ناجحة.
دعم الحكومة الأمريكية 2009 - 2012
كان التركيز التالي على إطلاق فالكون 9، وقد كان صاروخًا أكبر بكثير من صاروخ فالكون 1 ويمكن أن يحمل حمولة أكبر بكثير، لذلك قد قاموا بنقل عملياتهم إلى قاعدة عسكرية أمريكية لكنهم اضطروا إلى اجتياز الكثير من الفحوصات للتأكد من أن إطلاق فالكون 9 لن يؤدِ إلى نفس المأساة التي حصلت عند إطلاق فالكون 1 الأول.
وفي مايو 2010 أطلقوا بنجاح فالكون 9 في محاولتهم الأولى، وكانت المشكلة الوحيدة هي أنه وبعد دخول المدار لسبب غير معروف دخلت كبسولة التنين Dragon Capsule (التي تم نشرها في المدار بواسطة فالكون 9) في حالة من الدوران، لكن تم تصحيح هذا لاحقًا.
فقصة النجاح الحقيقية هذه أظهرت مدى براعة SpaceX كما أظهرت كم التوفير لإرسال الكبسولات إلى الفضاء، حيث حسبت وكالة ناسا كم سيكلفهم فعل الشيء نفسه، وقد تمكنت شركة SpaceX من القيام بذلك بسعر أرخص بخمس مرات. ومنذ البداية كان هذا حقًا سبب نجاحهم، فقبل SpaceX كانت صناعة الفضاء متاحة فقط للشركات الحكومية الكبرى نظرًا للتكاليف الكبيرة التي تطلبها هذه الصناعة.
كما أثبت Dragon Capsule وظيفته من خلال القيام بالمناورات، ثم في ديسمبر تم إرسال Falcon 9 مرة أخرى لاستعادة Dragon Capsule. وسارت الأمور بشكل مثالي، وبعد هذا النجاح أصدروا إعلانات خلال السنوات القليلة المقبلة حول الخطط التي لديهم. وكانت تشمل
- صاروخ فالكون الثقيل الذي كانوا يأملون في إطلاقه في عام 2013
- وصاروخ Grasshopper
وقد تم تصميم Grasshopper ليكون قادرًا على الهبوط العمودي على الأرض، ليس هذا فقط فقد منحتهم ناسا أيضًا الإذن بإسقاط البضائع في محطة الفضاء الدولية (بشرط اجتيازهم العديد من الفحوصات) ولقد نجحوا في الالتحام بمحطة الفضاء الدولية مما جعلهم أول شركة خاصة تقوم بذلك.
المزيد من الابتكارات الجديدة والتطوير 2012 - 2020
كان Dragon 2 هو المشروع التالي لدى SpaceX. وفي الأساس كانت فكرة Dragon 2 هي أخذ كبسولة Dragon وتعديلها لتتمكن من أخذ سبعة رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
كما كانت Red Dragon إحدى المشاريع الأخرى لهم وذلك لاختبار قدرتهم على الهبوط على المريخ (ليس مع بوجود بشر على متنها - حتى الآن!).
كما قامت SpaceX بإجراء بعض التغييرات الرئيسية على محركات الصواريخ. والآن قد تبدو محركاتهم الصاروخية متواضعة لكنها كانت تقدمًا هائلاً في ذلك الوقت. كما قاموا أيضًا بإنشاء الوقود الخاص بهم والذي شاركوه في النهاية مع بقية العالم على أنه يعتمد على الميثان.
كما لم يتم تصميم Grasshopper (الذي تطرقنا إليه أعلاه) أبدًا للذهاب إلى الفضاء. بل كان من المفترض له فقط القفز على ارتفاعات عالية وتحقيق هبوط عمودي. لكن في السابع من مارس 2013 تمكن من الهبوط بقوة. ثم بعدها بشهر وصل إلى ارتفاع 250 مترًا (في ظل رياح شديدة) وحقق هبوطًا عموديًا. وتم اختباره مرارًا وتكرارًا حيث تمكن في كل مرة ليس فقط من الهبوط العمودي ولكن أيضًا لتحليق جانبيًا في الهواء.
وبعد ذلك قاموا بإنشاء بارجة بحرية تدعى Dragonfly وقاموا بترقيتها حتى تعمل مع هبوط Grasshopper. وفي محاولته الأولى اصطدم الصاروخ بالبارجة ولكن بالنسبة لمثل هذا الهدف الصغير للهبوط اعتُبر نجاحًا.
فشل صاروخان آخران من صواريخ Grasshopper ويرجع السبب إلى مكون صغير مصنوع من مادة خاطئة (مما أدى إلى انفجارها في الهواء).
لكن وفي 23 نوفمبر 2015 نجحت شركة أخرى تدعى Blue Origin في الانتقال إلى الفضاء والعودة باستخدام هبوط عمودي.
وقد كان مشروع SpaceX الرئيسي التالي هو Starship، وأخيرًا بدأت أحلام إيلون ماسك تتحقق، فقد كانت وجهة Starship هي المريخ! حيث تبدو Starship رائعة جدًا فهي مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، ويعد الهبوط على المريخ من أصعب جوانب هذا المشروع حيث تتمثل الخطة في الهبوط مثل باستخدام بالمظلات من أجل إبطاء سرعته.
والتزود بالوقود كان مشكلة أخرى عندما تكون بعيدًا وفي مكان مثل المريخ، حيث كان الحل المتوقع هو إطلاق صاروخين أحدهما سيحمل الوقود للآخر.
لم يقدم Elon Musk إمكانية زيارة المريخ فحسب بل قدم إمكانية زيارة زحل أيضًا، حيث إن الجداول الزمنية ل Elon متفائلة للغاية ولا يمكننا أن نقول على وجه اليقين متى سنرى المركبة الفضائية على المريخ. حيث أصبحت SpaceX فعالة بشكل لا يصدق في إعادة استخدام صواريخها بسرعة لذا فمن الممكن أن نرى ذلك قريبًا.
شركة SpaceX اليوم
تمت إجراء أول رحلة مأهولة عبر كبسولات Dragon إلى محطة الفضاء الدولية في 30 مايو 2020، وتصدر هذا عناوين الصحف الدولية لأنها كانت أول شركة خاصة تطلق رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
كما تم الإعلان عن تحديث لـ Falcon 9 ولـ Falcon Heavy وتم تطوير المركبة الطائرة Super Heavy Starship والتي يمكنها رفع 100000 كجم إلى مدار أرضي منخفض لتكون وسيلة نقل بين الأرض والمريخ والقمر. فالغرض الرئيسي من تطوير هذه الأدوات هو إنشاء قواعد على كل من المريخ والقمر.
كانت هناك خطط لأخذ Maezawa Yusaku، وهو رجل أعمال ياباني بالإضافة إلى بعض الفنانين في عام 2023 إلى الفضاء وحتى أن إيلون ماسك يخطط لإطلاق أشخاص ليسكنوا المريخ حوالي عام 2025. ومؤخراً أطلقت شركة سبيس إكس 60 قمراً صناعياً من starlink إلى الفضاء ويهدف هذا المشروع إلى تزويد العالم بإنترنت موثوق وبأسعار معقولة.
وقد أتت starlink على حساب إفساد منظر سماء الليل لعلماء الفلك، ففي دراسة أجراها arXiv خلص الباحثون إلى أنه واعتمادًا على ارتفاعها وانعكاسها السطحي فإن مساهمتها في زيادة سطوع السماء سوف تقوم بالتأثير على عمليات الرصد الأرضية.
فمع وجود كمية هائلة من الأقمار الصناعية الجديدة للاتصالات السلكية واللاسلكية والتي تبلغ حوالي 50000 قمر صناعي مخطط لإطلاقها في مدار أرضي متوسط ومنخفض، فإن متوسط كثافة الأجسام الاصطناعية سيكون أكثر من واحد لكل لدرجة السماء المربعة، وسيؤدي هذا حتما إلى الإضرار بالصور الفلكية.