سفينة سلطانة.. كارثة بحرية فاقت «تايتانيك» وأهملها التاريخ
في أبريل من العام 1865، كانت الحرب الأهلية الأمريكية قد انتهت، آنذاك كان الشغل الشاغل للاتحاديين والانفصاليين ‑طرفي الحرب- هو محاولة علاج الخراب الذي نجم عن الحرب الطاحنة، بما في ذلك عملية إطلاق سراح للمساجين الذين قضوا فترة ليست بالقصيرة من أعمارهم داخل معتقلات الجنوب. ربما من هنا بدأت قصة الكارثة المائية الأعظم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
ماذا حدث؟
في الثانية من صباح الـ27 من أبريل، وطبقًا لما ذكره «جيري بوتر» في كتابه «كارثة سلطانة»، ما حدث هو أن أحد مراجل السفينة الضخمة قد انفجر، بعدما توجهت بأوامر من قائدها من «فيكسبورغ» صوب «سانت لويس» شمالا، محملة بعدد ضخم من جنود الاتحاديين الذين قد خرجوا لتوهم من معتقلات الانفصاليين.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
لم تكن سلطانة معدّة من الأساس لمهمة كتلك، فقد كانت طاقتها الاستيعابية لا تتعدى حمل 376 شخصًا في حين تم حشر ما يقارب 2500 جندي بداخلها. السؤال البديهي، الذي يجب أن يطرح الآن هو: لماذا سُمح لهذا العدد بأن يصعد على متن السفينة من الأساس؟
يخبرنا بوتر، بأنه لا يوجد أي تبرير منطقي لذلك سوى أن قائد السفينة «جايمس كاس ماسون» قد قدم رشوة لأحد الضبّاط، من أجل أن يصعد برفقته أكبر عدد من الجنود لتوصيلهم إلى سانت لويس، وقبل أن تسأل ثانيةً لماذا قد يفعل ذلك؟ يجب علينا أن نخبرك بأن الحكومة وقتئذ قد عرضت 5 دولارات كمقابل لنقل المساجين من الجنوب إلى الشمال، و10 دولارات مقابل نقل كل جندي محارب، لذا كان من المنطقي أن يسعى ماسون إلى ضمان أكبر قدر من المكاسب المادية التي يمكن تحقيقها.
لكن ماسون الذي ربما تمكّن الجشع منه، كان قد أغفل أن سفينته غير المهيئة لاستيعاب هذا العدد من الأساس، يعاني محركها من عطل حسبما رأى المهندس المختص بطاقمه، ولكنه خشي أن ينتقل المساجين إلى مركب آخر، فقرر الانطلاق طواعيةً حتى وإن كان ذلك عكس المنطق كليا، وحتى إذا كان نهر المسيسيبي نفسه شهد في ذلك اليوم تحديدًا ارتفاعا ملحوظا في منسوب المياه نظرًا للطقس السيئ، الذي ‑وفقًا لشهود العيان- جعل النهر يمتلئ بالأشجار المقتلعة بفعل حركة الهواء الشديدة.
لأننا بشر
بدأت سلطانة في الغرق بالقرب من مدينة «ماريون» التي كانت تابعةً للانفصاليين، وبما أن السفينة كانت تقل غالبية عظمى من الاتحاديين، كان من المتوقع أن يترك سكان ماريون المحليين السفينة تغرق دون أي مساعدة، لأن هؤلاء كانوا أعداءً لهم قبل أيام معدودة، لكن هذا ما لم يحدث.
فحسب تقارير صحفية وردت حول تفاصيل هذه الحادثة، كان أول من هَب لمساعدة ركاب السفينة هم سكان ماريون، بقيادة رجل يدعى «جون فوغلمان»، الذي حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر إعداد عوّامات خشبية من جذوع الأشجار، ليضعوا الضحايا عليها من ثم يذهبوا إلى السفينة المنهارة ويخرجوا المزيد. لكن هذا لم يمنع السفينة من أن تختفي تمامًا بين ثنايا النهر بعد ساعات وتنتهي معها حياة مئات من الأبرياء الذين كانوا يحلمون فقط باليوم الذي تنتهي به الحرب ليعودوا إلى الديار.
أين سفينة سلطانة من التاريخ؟
عندما يتم السؤال عن الكوارث البحرية الأضخم في تاريخ العالم، ربما تأتي الإجابة الأولى بأن أسوأ الحوادث على الإطلاق هي غرق تايتانيك، على الرغم من أن عدد ضحايا تايتانيك حتى وإن كان كبيرا (1500) يظل أقل من عدد ضحايا سلطانة المقدّر بحوالي (1800)، فلماذا تم إهمالها؟
بالعودة مرّة أخيرة لجيري بوتر، فهنالك عدد من الأسباب التي تفسّر إهمال الأعلام لهذه الحادثة الشنيعة. أولًا، لأن الحادثة تزامنت مع حادثتين بدتا أكثر أهمية للرأي العام، وهما انتهاء الحرب الأهلية بأمريكا، واغتيال الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن. أما عن السبب الثاني ‑في رأيه- والذي ربما يحمل وقعا سيئًا على آذان أي متلقٍ، هو أن ركاب السفينة هؤلاء، لم يكونوا ذوي أهمية داخل المجتمع الأمريكي، لم يغيّر أحد منهم أي شيء بتاريخ البلاد، على عكس أثرياء تايتانيك مثلًا، الذين تهافت الجميع على تعقُّب مصائرهم. لكن بوتر قرر عوضًا عن كل ذلك أن يفترض حسن النية بأن قال..«ربما السبب في تجاهل حادثة سلطانة كان لأن الأمة الأمريكية قد أنهكت طوال الفترة التي سبقت الحادثة من أخبار الحرب والدماء، فكان لا بد من هدنة مؤقتة».