سالم باشا سالم الطبيب الخاص للخديوي توفيق
تنعم مصر بالعديد من الأطباء الذي كان لهم بالغ الأثر في نهضة الطب، ولعل منهم الطبيب سالم باشا سالم، الذي له دور كبير في مكافحة وباء الكوليرا وتدريس الطب للطلاب في مدرسة الطب بالقصر العيني.
نشأة الدكتور سالم باشا سالم
في عام 1832 ولد الطبيب سالم سالم الحكيم، في مدينة القاهرة، وهو ابن الشيخ سالم الشرقاوي أحد علماء الأزهر وتعود أصوله إلى منطقة القنايات غرب مدينة الزقازيق بالشرقية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
سافر والده الشيخ سالم إلى الشام واعظًا وذلك عام 1832 م \ 1248 هـ أي سافر في نفس السنة التي ولد فيها ابنه سالم.
بدأ سالم باشا تعلم القرآن أولًا في الأزهر الشريف، وبعدها درس بمدرسة الألسن في الأزبكية حتى عام 1844 م، وفي العام نفسه التحق إلى مدرسة الطب بالقصر العيني، ودرس بجانب كل ذلك الفقه الشافعي بالأزهر الشريف.
توقف سالم باشا الدراسة في الأزهر ومال أكثر إلى دراسة الطب، والسبب هو إعجابه بالدكتور إبراهيم النبراوي، حيث ذكره في مذكراته قائلًا:
"كان عندنا ضيف مريض، فأحضر له والدي الدكتور إبراهيم النبراوي الشهير، وأحرى له عملية الحصوة، فتعالج منها، وحينها رغبت أن أتعلم تلك الصناعة."
أكمل سالم باشا سالم دراسته في مدرسة الطب لمدة 4 سنوات، وبعدها سافر إلى مونخ –عاصمة بافاريا- لدراسة الطب أربع سنوات أخرى، وتتلمذ على أيدي أشهر الأطباء هناك، ومنهم "كليبغ" و"جيتل"، و"فيفر"، و"سيبلد".
وفي أثناء نيله لشهادة الدكتورة خطب الأستاذ "فيفر" خطبة تحدث فيها عن أحوال مونخ، وأحوال القطر المصري في العصور الغابرة، وأفاض في التحدث عن علوم المصريين القدماء، وعلماء العرب.
كما أثنى على سالم باشا سالم –صاحب الترجمة- ثناءً جميلًا لاجتهاده وحبه الشديد لأستاذته وأمل منه أن يعود إلى وطنه لينشر ما اكتسبه في بلاد الألمان من شجرة العلوم التي كان وطنها القديم ديار مصر.
أنهى دراسته في ميونيخ ونال على إثرها شهادة الدكتوراه في الطب والجراحة، والولادة، وحصل أيضًا على شهادة الامتياز، وبعدها انتقل إلى فيينا –عاصمة النمسا- وبقي فيها سنة ودرس فيها مع أشهر الأستاذة.
ثم سافر إلى برلين وبقي فيها مدة وجيزة، وبعدها سافر إلى مصر وعمل هناك جراحًا في فرق المدفعية، وكان رابته آنذاك خمسة جنيهات في الشهر، وحصل على رتبة "يوزباشي".
شاهد أيضًا: طبيب الفقراء أبو القاسم الزهراوي
الوظائف التي حصل عليها سالم باشا سالم
بعد أن عمل سالم باشا سام إلى في فرقة المدفعية كجراح، وفي سنة 1856 عُين مساعدًا لأستاذ الفسيولوجيا في مدرسة القصر العيني، وبعدها مساعدًا لأستاذ علم الرمد.
بعدها عمل سالم باشا مساعدًا لأستاذ علم الباثولوجيا، ووقتها ترقى إلى رتبة "صاغ قولغاسي" ونقل إلى دائرة المرحوم سعيد باشا وسافر معه إلى الحجاز.
بعدها رُقي سالم باشا سالم ليتقلد منصب أستاذًا لعلم الباثولوجيا في المدرسة الطبية بالقصر العيني، وأنعم عليه بالرتبة الثانية.
والسبب في ذلك أنه كان السبب في علاج سعيد باشا من نزيف دموي كاد أن يقضي عليه، وخالف بقية الأطباء، ولكنه لم يتجمل بل قال لسعيد باشا أنه لا زال هناك خطر وذلك كان السبب في إبعاده عن خدمته، ولكن ثبت ما أنذر به.
ظل يترقى سليم باشا في التدرج الوظيفي حتى حصل على رتبة "ميرميران" وأصبح رئيسًا للمدرسة الطبية، كما أصبح الطبيب الخاص للخديوي توفيق.
واشتهر سالم باشا سالم بالعديد من الصفات الجيدة، فكان يتمتع باللطافة والأنس والكرم، كما كان يحب أن يكرم الضيوف كثيرًا.
وفي عام 1880 عُين سالم باشا سالم رئيسًا للجنة المكلفة لتنظيف المصلحة الصحية، وبعدها أصبح رئيسًا لمجلس الصحة العمومية، ومنها عضوًا في مجلس المعارف العمويمة.
وفي سنة 1882 وتحديدًا في الخامس من يونيو كان رئيسًا للجنة الامتحان العام في مدرسة القصر العيني، وحينها اضطر أن يهرب إلى الإسكندرية من رجال الثورة، وظل مع الخديوي توفيق حتى خدمت نار الفتنة، فعاد إلى العاصمة.
شاهد أيضًا: إبراهيم شوقي باشا مؤسس طب الأطفال في مصر
سالم باشا ومؤتمر الكوليرا في الأستانة
انتشر وباء الكوليرا عام 1883 في مصر، وكان الأطباء في المجلس الصحي مختلفين على سببها، فمنهم من قال إنها وافدة من الهند، ومنهم من رجح أنها محلية المنشئ.
في حين أن الإنجليزي كانوا يرون أن منشأتها الحجاز، وضغطوا على الخديوي توفيق باشا ليجبر سليم باشا على إقرار ذلك، ولكن سالم باشا أبى أن يفعل.
وهذا ما جعل الخديوي توفيق يرضخ لرغبة الإنجليز إرضاءً لهم، وانتهى الأمر أن أمر بإلغاء المجلس الصحي في فبراير عام 1884.
وفي الشهر نفسه منحه الخديوي توفيق رتبة "روملي بكلربك" وظل طبيبًا لسمو الخديوي توفيق حتى وفاته في عام 1893.
وفي عام 1866 عُين سالم باشا نائبًا حكوميًا في المؤتمر الطبي الذي عُقد في الأستانة للبحث عن مرض الكوليرا، وكان من الداعين إلى أنه يجب إقامة الحجر الصحي لمنع هذا المرض.
شاهد أيضًا: محمد علي البقلي من أئمة الطب في مصر
مؤلفات سالم باشا سالم
للدكتور سالم باشا سالم كتابًا شهيرة يُسمى "الطب الباطني والعلاج" وهو كتاب نقله عن باثولوجية تيمير الشهيرة، ولكن أضاف إلى كل فصل من فصوله مزيدًا من الفائدة الطبية.
وله كتاب آخر شهير في البالثولوجيا أيضًا نقله عن كتاب كنز، وطبع جزءًا كبيرًا منه في مطبعة المقتطف ولم يتمه.
ولم يكتفِ بالنقل فقط، بل كان يقتصر من الكتب ما تمس إليه الحاجة، ويضيف إليها ما تتم به الفائدة، وله في المقتطف العديد من المقالات التي نقل كثيرًا منها عن الألمانية، والتي تشهد له الكثير بواسع الاطلاع والرغبة في نشر العلوم.
كان سالم باشا سالم طبيبًا ماهرًا حسنًا في صناعته، وذكيًا حاذقًا في تشخيص الأمراض وعلاجها ما رفعه إلى منزلة عالية حتى مشى في جنازته كبير وزراء مصر رياض باشا وجمع من العلماء العظماء.