رواد الأعمال الاجتماعيون: قادة التغيير نحو مستقبل مستدام
في خضم التحديات العالمية المتزايدة والسباق مع الزمن لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، يبرز دور رواد الأعمال الاجتماعيين كشعاع أمل وسط الظلام.
فهل يمكن لهذه الفئة المبتكرة من رجال الأعمال أن تكون المفتاح الذهبي الذي يعيد العالم إلى المسار الصحيح نحو مستقبل أكثر استدامة وعدالة؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ظاهرة المؤسسات الاجتماعية: نمو متسارع وتأثير عميق
تشهد المؤسسات الاجتماعية، وهي شركات تضع الأهداف الإنسانية والبيئية في صدارة أولوياتها قبل الربح المادي، نمواً متسارعاً على مستوى العالم لم يسبق له مثيل.
وفقاً لأحدث الإحصائيات، يصل عدد هذه المؤسسات اليوم إلى ما يقارب 10 ملايين مؤسسة حول العالم، محققةً إيرادات سنوية تُقدر بنحو 2 تريليون دولار أمريكي.
لوضع هذه الأرقام في منظورها الصحيح، فإن حجم قطاع المؤسسات الاجتماعية يتجاوز اليوم حجم صناعة الأزياء العالمية البالغة 1.57 تريليون دولار، كما أنه يفوق ضعف حجم صناعة الإعلان العالمية التي تقدر بـ 875 مليار دولار.
لكن الأهم من الأرقام والإحصائيات هو الأثر الإيجابي العميق الذي تحدثه هذه المؤسسات على المجتمعات والبيئة، فهي توفر ما يقرب من 200 مليون فرصة عمل حول العالم، مساهمةً بذلك في الحد من البطالة وتحسين مستويات المعيشة لملايين الأشخاص.
ومن الجدير بالذكر أن نصف هذه المؤسسات تقريباً تقودها نساء، وهو ما يمثل تحولاً جذرياً في مشهد ريادة الأعمال التقليدي الذي يهيمن عليه الرجال.
فبينما تشكل النساء 20% فقط من قيادات الشركات التقليدية، نجد أن نسبتهن تصل إلى 50% في قيادة المؤسسات الاجتماعية، مما يعكس توجهاً واعداً نحو المساواة بين الجنسين في عالم الأعمال.
نموذج أعمال ثوري: الانسجام مع الإنسان والكوكب
في الوقت الذي تتعرض فيه الشركات التقليدية لانتقادات متزايدة؛ بسبب مساهمتها في تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتسريع وتيرة التغير المناخي، تقدم المؤسسات الاجتماعية نموذجاً بديلاً ثورياً يعمل في انسجام تام مع احتياجات الإنسان ومتطلبات حماية كوكب الأرض.
ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن هذه المؤسسات لا تزال بحاجة إلى دعم مالي كبير لتحقيق إمكاناتها الكاملة، فوفقاً للتقديرات، تحتاج المؤسسات الاجتماعية إلى تمويل يصل إلى 1.1 تريليون دولار لتوسيع نطاق عملها وإحداث التغيير المنشود على المستوى العالمي.
إعادة توازن القوى: تمكين المجتمعات المهمشة
يرى المحللون أن الاستثمار في رواد الأعمال الاجتماعيين هو أحد أهم السبل لخلق مجتمع أكثر عدلاً وإنصافاً، فهؤلاء الرواد يتميزون بقدرتهم على العمل عن قرب مع المجتمعات المهمشة والفئات الأكثر تضرراً من الأزمات العالمية.
وما يميز رواد الأعمال الاجتماعيين هو إيمانهم العميق بأن الحلول الأكثر فعالية تأتي من داخل المجتمعات نفسها، فهم لا يفرضون حلولاً من الخارج، بل يعملون جنباً إلى جنب مع أفراد المجتمع لتطوير حلول مستدامة تلبي احتياجاتهم الحقيقية.
ولكن طموحات رواد الأعمال الاجتماعيين لا تقف عند حدود المجتمعات المحلية، فهم لا يترددون في دفع عجلة التغيير الجذري على نطاق أوسع، متصدين للتحديات الهيكلية والنظامية التي تعيق التنمية المستدامة.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك عمل مؤسسة "SAS Brasil" غير الربحية، التي تستخدم قوة التكنولوجيا لمعالجة مشكلة التحيز في البيانات الصحية.
يقول مؤسس المنظمة، كارلوس سانتوس: "لقد أدركنا أن التحيز في البيانات الصحية يؤدي إلى عدم المساواة في الرعاية الصحية، لذلك، نعمل على تطوير حلول تكنولوجية تضمن تمثيلاً عادلاً لجميع فئات المجتمع في البيانات الصحية، مما يساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية للجميع".
تعاون الشركات الكبرى مع رواد الأعمال الاجتماعيين
في السنوات الأخيرة، شهد العالم تزايداً ملحوظاً في الشراكات بين الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ورواد الأعمال الاجتماعيين، فقد أدركت الشركات التقليدية القيمة الهائلة للحلول المبتكرة التي يقدمها هؤلاء الرواد لمعالجة القضايا الملحة في عالم الأعمال والمجتمع على حد سواء.
وتتنوع أشكال هذه الشراكات بين:
1. المشاركة في ابتكار منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات السوق، وتحقق أهداف التنمية المستدامة في آن واحد.
2. العمل مع المؤسسات الاجتماعية من خلال المشتريات الاجتماعية، حيث تلتزم الشركات الكبرى بشراء منتجات وخدمات من هذه المؤسسات.
3. الاستثمار المباشر في المؤسسات الاجتماعية ودعمها بالتوجيه وبناء القدرات.
ومن الأمثلة على هذه الشراكات، تعاون شركة "يونيليفر" العالمية مع مؤسسة "وستر" الاجتماعية في الهند لتطوير حلول مبتكرة لمشكلة ندرة المياه، نتج عن هذا التعاون تطوير تقنيات جديدة لتوفير المياه في عمليات التصنيع وإعادة استخدامها، مما ساهم في خفض استهلاك المياه بنسبة 54% في مصانع الشركة.
الطريق إلى المستقبل: دور ريادة الأعمال الاجتماعية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
يؤكد الخبراء أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي حددتها الأمم المتحدة بحلول عام 2030 يتطلب تغييراً جذرياً في النهج الحالي، ويرون أن إطلاق العنان لقوة ريادة الأعمال الاجتماعية هو فرصة واعدة تمكن الجميع من الازدهار.
ويؤكد أحد الخبراء أن ما يميز رواد الأعمال الاجتماعيين هو قدرتهم على رؤية الفرص وسط التحديات، فهم يحولون المشاكل الاجتماعية والبيئية إلى فرص للابتكار وخلق القيمة هذا النهج هو بالضبط ما نحتاجه لتسريع وتيرة التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.
ولتحقيق الإمكانات الكاملة لريادة الأعمال الاجتماعية، نحتاج إلى بيئة داعمة، هذا يتطلب سياسات حكومية محفزة، واستثمارات من القطاع الخاص، ودعماً من المجتمع المدني.
وفي هذا السياق، يدعو الخبراء إلى فتح حوار وتعاون أوسع بين قادة الأعمال التقليديين ورواد الأعمال الاجتماعيين، فهم يرون أن هذا التعاون هو خطوة حيوية لضمان مستقبل أفضل وأكثر عدالة للجميع.