رغم العقبات البيروقراطية.. أطباء مصريون يختارون العمل في ألمانيا
"عليك أن تكافح بشدة للوصول لنقطة معينة، لكن المشكلة هي إن عند وصولك لتلك النقطة سيكون لديك الكثير من المشاعر السلبية نحو النظام والمجتمع الذي يضع أمامك الكثير من العقبات"، هكذا يصف الطبيب المصري إسلام عطا، في حوار مع مهاجر نيوز، تجربته بعد مرور حوالي تسع سنوات على انتقاله للحياة في ألمانيا والعمل فيها.
إسلام هو واحد من آلاف الأطباء الأجانب الذين وصلوا لألمانيا خلال السنوات الأخيرة، ليبلغ عددهم بنهاية العام الماضي إلى أكثر من 63 ألف طبيب، لتعويض النقص الكبير في أعداد الأطباء.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
"وضع صعب"
خلال السنوات الأخيرة، يمكن للكثيرين في ألمانيا ملاحظة كيف بات العثور على طبيب أمر في غاية الصعوبة قد يحتاج إلى الانتظار لشهور في بعض الأحيان. عن هذا يقول رئيس المؤسسة الألمانية لحماية المرضى يوجين بريش، في حوار سابق مع موقع DW، إن الكثيرين حاليًا سيجدون "أنه من المستحيل تقريبًا العثور على طبيب جديد".
كما حذر وزير الصحة كارل لوترباخ بدوره في تصريح للقناة الأولى في التلفزيون الألماني ARD، مؤخرًا من "وضع صعب"، إذ قال إن "إجمالي العجز (في عدد الأطباء) سيصل إلى حوالي 50 ألف طبيب على مدار السنوات العشر المقبلة".
وقرر إسلام، الطبيب المصري المتخصص في زراعة وتجميل الأسنان، القدوم إلى ألمانيا لأنه "لن يكون مضطرًا هنا لإعادة سنوات دراسية كاملة وسيتمكن من الالتحاق مباشر ببرنامج لتحضير الماجستير والدكتوراه، فضًلا عن كون الأمر أوفر ماديًا مقارنة بالولايات المتحدة"، على حد قوله.
ويرى إسلام الذي يعمل حاليًا بمدينة كولونيا، أن ألمانيا تتمتع بتكنولوجيا متقدمة جدًا في مجال الطب ولكن الأطباء العرب على الجانب الأخر يتمتعون بمميزات يمكن أن تعمل لصالحهم حيث يقول: "نحن كأطباء مصريين أو عرب نحاول جاهدين إثبات أنفسنا هنا".
ويضيف إسلام: "واجهنا صعوبات وبذلنا مجهود كبير للتعلم والتخرج في الجامعات الحكومية ببلادنا، بما يجعلنا في النهاية أصحاب كفاءة وخبرة جيدة. إلى جانب الفرصة الكبيرة في مصر للتعامل مع عدد ضخم من مرضى المستشفيات الحكومية، خاصة خلال السنة الأخيرة من الدراسة بكليات الطب".
فرصة للتطور المهني ولكن..
أما الطبيبة سارة رامي (اسم مستعار)، المتخصصة في طب وجراحة العيون في مدينة بون، فقد اختارت هي الأخرى السفر إلى ألمانيا بحثًا عن فرصة للتطور المهني. وتقول سارة، في حوار مع مهاجر نيوز: "كنت أعمل بالفعل كطبيبة في مصر، وكنت أبحث عن جامعة للحصول على درجة الدكتوراة. وقررت السفر إلى ألمانيا لأنها متقدمة في مجال تخصصي ويمكن أن تساعدني في بحثي".
وبعد حصولها على درجة الدكتوراة، قررت سارة خوض تجربة العمل في ألمانيا. وبدأت الطبيبة المصرية في تقسيم وقتها ما بين العمل في مصر لادخار المال اللازم لتمويل نفقاتها وخوض الاختبارات واستكمال المعاملات الورقية اللازمة للحصول على تصريح العمل، لتبدأ حينها في مواجهة نوع آخر من الصعوبات.
في مواجهة البيروقراطية
تصف الطبيبة المصرية الوقت الذي بذلت فيه محاولات لدخول سوق العمل في ألمانيا بأنه "أصعب سنة مرت عليها هنا"، حيث توضح قائلة: "بدأت مشاكل التعامل مع البيروقراطية الألمانية لأن على المتقدم أن يتعامل حينها بشكل كامل مع موظفين يبحثون فقط عن الأختام والترجمات والأوراق. وطوال فترة انتظارك، كان علي أن أعيش في ألمانيا على نفقتي الخاصة بدون القدرة على العمل لأنه غير مرخص لك خلال انتظار رد الموظفين بالإيجاب أو السلب".
ويمر الطبيب الأجنبي في ألمانيا بعدة مراحل حتى الحصول أخيرًا على التصريح بالعمل وممارسة المهنة. ويخضع الأطباء الوافدين عادة إلى ثلاثة اختبارات خاصة بترخيص مؤقت وترخيص دائم وترخيص أخصائي، وذلك بحسب السيرة المهنية للطبيب، فضلًا عن اشتراط اجتياز اختبارات اللغة.
تضيف سارة بالقول: "تحولت إلى طالبة مرة ثانية، وهذا يعتبر كفاءة مهدرة عندما يقضي طبيب أو طبيبة قادمين إلى ألمانيا كأخصائيين أو استشاريين بخبرة في الجراحة أو خبرة في التعامل مع المرضى في بلادهم فترة تصل لبضع سنوات لحين النجاح في استكمال الأوراق، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن عمل".
صعوبة التأقلم
بدوره يرى الدكتور المصري أحمد مصطفى (اسم مستعار)، أخصائي أمراض القلب بمدينة كوبلنز، أن مع انطلاق رحلة البحث عن فرصة للعمل كطبيب في ألمانيا تتمثل الصعوبة الكبرى في التأقلم مع الوضع الجديد.
ويقول أحمد، في حوار مع مهاجر نيوز: "الكثير من الأطباء يتركون العمل في المستشفى بعد بضعة شهور فقط، على الرغم من كفاءتهم وإجادتهم للغة الألمانية. وذلك بسبب صعوبة تأقلم بعض الأطباء العرب أو المصريين مع طبيعة العمل داخل المستشفى الألماني، مما يؤدي في النهاية إلى إمكانية حدوث خلافات مع طاقم الممرضين أو طاقم الأطباء أو طاقم الاستشاريين".
كما يشير أحمد إلى مشكلة أخرى في سوق العمل تتعلق بعدم وجود إمكانية فتح عيادات خاصة، حيث يقول: "الدولة هنا تطبق نظام معين لا يسمح بفتح عيادات جديدة بسهولة، وليس أمامك سوى انتظار أن يترك أحد الأطباء عيادته حتى تحصل عليها. وهنا يظهر عائق البيروقراطية، وهو ما يدفع أطباء للتوجه إلى دول أخرى مجاورة مثل سويسرا أو هولندا".
من يخلف الأطباء المتقاعدين؟
لعل تجربة الطبيب السوري براء الدرا، المتخصص في زراعة الأسنان وعلاج اللثة، مختلفة عن أقرانه من المصريين حيث يشعر بأنه جاء إلى ألمانيا "مضطرًا بسبب الحرب". وبعد مجهود سنوات للاستقرار وتعلم اللغة ومعادلة الشهادات الجامعية والحصول على الماجستير، تمكن براء مؤخرًا من الاتفاق على شراكة ستسمح له بإدارة عيادة خاصة خلال سنوات.
ويحكي براء، في حوار مع مهاجر نيوز: "اتفقت مع طبيب ألماني متقدم في العمر سيصل قريبًا إلى سن التقاعد. العثور على عيادة أمر في غاية الصعوبة في بعض المدن. أستمر بحثي حتى وجدت طبيباً ألمانياً يبحث عن طبيب أصغر سنًا للعمل معه بعيادته حتى تقاعده، وحينها تنتقل العيادة لي".
ويعرب العديد من الأطباء عن قلقهم من صعوبة العثور على من يخلفهم في عياداتهم، خاصة وأن عمر نحو 80 ألف طبيب في ألمانيا يتجاوز 60 عامًا، وفقًا لموقع يورو نيوز. ومن المتوقع إغلاق ما يتراوح بين 5 و8 آلاف عيادة خلال السنوات الثلاث المقبلة بسبب وصول الأطباء المسؤولين عنها إلى سن التقاعد.
وبعد نجاح براء في التوصل لاتفاق إدارة عيادة خاصة، قرر الطبيب السوري الاستقرار بشكل نهائي والتوقف عن البحث على فرص في أماكن أخرى. إلا أن فكرة الرحيل عن ألمانيا تراود الأطباء المصريين.
يقول الدكتور أحمد، الأخصائي المصري في أمراض القلب بمدينة كوبلنز: "هل أفكر في الذهاب لدولة أخرى؟ نعم أفكر. أي شخص في أي مكان يفكر كيف يطور نفسه. وإن لم يكن هناك أي جديد وأي فرصة للتعلم، سيحاول الرحيل".
دينا البسنلي