خباب بن الأرت.. الصحابي الذي عاش مجاهدًا وطائعًا
يزخر التاريخ الإسلامي بأشخاص عظماء كان لهم دور هام في نشر الإسلام، ولعل الصحابي الجليل خباب بن الأرت أحد هؤلاء العظماء، فهو من أوائل من أعلنوا إسلامهم مع أبي بكر، وصهيب، وبلال، وعمار، وسمية أم عمار، فما قصة إسلامه؟ وما إسهاماته الجليلة في خدمة الإسلام؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
حياة خباب بن الأرت ونشأته
هو خباب بن الأرَت بن جندلة التميمي، من قبيلة تميم، ولد في سنة 36 قبل الهجرة في نجد، وهو صحابي جليل من السابقين في الإسلام ومن المستضعفين الذين عذبوا حتى يتركوا الإسلام.
سُبي خباب وهو صغير وبيع في مكة فاشترته أم أنمار الخزاعي، لذا كان يُقال له الخزاعي أبو عبد الله، دفعته أم أنمار لتعلم صناعة السيوف، فأسرع في إتقان الصنعة، وتمكن منها، ولما كبر واشتد عوده فتحت له دكانًا واشترت له عدة حتى يستثمر موهبته في صناعة السيوف.
أصبح بعدها خباب من أشهر صُناع السيوف في مكة، وكان الناس يقبلون عليه لشراء سيوفه، حيث كان يتحلى بالأمانة والنزاهة والإتقان في العمل.
تميز خباب على الرغم من حداثة سنه بالعقل والحكمة، والرزانة التي يتميز بها الشيوخ، وكان يأمل أن يتحسن حال المجتمع الجاهلي الذي غرق في الفساد.
ولما ترامى إليه أن محمدًا يدعوا إلى الإسلام كان من أول من شهد شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكان سادس ستة أسلموا على الأرض، حيث أسلم قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم.
قصة إسلامه
كان خباب بن الأرت من أوائل من أسلموا فيُقال إنه سادس ستة أسلموا، كما قيل إنه كان من العشرين في ترتيب من أسلموا.
تميز خباب بالجرأة، فلم يكتم إسلامه عن أحد، ولما علمت مولاته أم أنمار عن إسلامه استشاطت غضبًا ولاقى منها أشد التعذيب، حيث صحبت أخاها سباع بن عبد العزى ولحق بهما جماعة من رجال خزاعة ومضر.
ودخلوا عليه وكان منهمكًا في العمل، فأقبل عليه سباع وقال لما سمعنا أنك صبأت أي جننت وتبعت غلام ابن هاشم أي اتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم.
فرد عليهم خباب في هدوء، ما صبأت وإنما آمنت بالله وحده لا شريك له وشهدت أن محمدًا عبد الله ورسوله، ولما سمعوا هذا الكلام منه انهالوا عليه بالضرب، وقذفوا عليه المطارق والحديد حتى هوى على الأرض فاقدًا للوعي.
ومن أشكال العذاب الذي ذاقه أن مولاته أم أنمار كانت تأخذ الحديدة المحماة وتضعها على رأسه، وشكى خباب لسيدنا محمد ذلك، فقال سيدنا محمد "اللهم انصر خبابًا" وبعدها اشتكت مولاته رأسها فكانت تعوي مثل الكلاب، فقيل لها اكتوي فكان يأخذ خباب الحديدة المحماة ويكوي بها رأسها.
وكان خباب أول من أظهر إسلامه ومعه أبو بكر، وصهيب، وبلال، وعمار، وسمية أم عمار، وقد لاقوا أشد العذاب، عدا أبا بكر الذي منعه قومه، وكان الآخرون يلبسونهم أدراع الحديد ويتركونهم تحت الشمس الحارة، فبلغ منهم الحر الشديد والشمس.
وروى أن خباب لما كان عبدًا في مكة صنع سيفًا للعاص بن وائل السهمي وذهب لكي يأخذ ثمنه، قال له العاص أكفر بمحمد حتى أعطيك ثمنه، فرد عليه "لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث" فرد عليه العاص: "إذا بعثت كان لي مال فسوف أقضيك".
ولما حكى خباب ما حدث له لسيدنا محمد نزل قوله تعالى: "أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا، وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا". سورة مريم.
هاجر خباب مع المقداد بن عمرو إلى يثرب أو المدينة المنورة ونزلا على كلثوم بن الهدم، ولما جاء النبي إلى المدينة آخى بينه وين جبر بن عتيك، وشهد مع الرسول المشاهد والغزوات كلها.
وبعد وفاة النبي كان من ضمن حركة الفتوح الإسلامية التي كانت في عهد الخلفاء الراشدين، وانتقل في نهاية حياته إلى الكوفة وعاش بها حتى مات سنة 37 هـ.
بعض مواقفه مع الرسول والصحابة
كان خباب بن الأرت يراقب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وكان معه حتى كان مع الفجر فلما سلم رسول الله من صلاته قال له خباب:
"يا رسولَ اللهِ بأبي أنت وأمي لقد صليتَ الليلةَ صلاةً ما رأيتُك صليتَ نحوَها. فقال: أجل إنها صلاةُ رغَبٍ ورهَبٍ، وإني سألتُ ربيَ عزَّ وجلَّ ثلاثَ خصالٍ فأعطاني اثنتان ومنعني واحدةً: سألتُ ربيَ أنْ لا يهلكَنا بما أهلك به الأممَ قبلَنا. وفي لفظٍ أنْ لا يهلكَ أمتي بسنَةٍ فأعطانيها، وسألتُ ربيَ عزَّ وجلَّ أنْ لا يُظهرَ علينا عدوًّا من غيرِنا فأعطانيها، وسألتُ ربيَ أنْ لا يلبِسَنا شيَعًا فمنعَنيها.
كما كان له أثر في إسلام سيدنا عمر بن الخطاب، حيث كان خباب يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد يقرئها القرآن الكريم، وكانت فاطمة قد أسلمت دون علم أخيها عمر بن الخطاب.
وكان عمر بن الخطاب متوشحًا سيفه يريد قتل رسول الله، فلقيه نعيم بن عبد الله فأخبره أن فاطمة بنت الخطاب وزوجها أسلما، فرجع عمر إلى بيت أخته وزوجها وكان عندهما خباب ومعه صحيفة فيها سورة "طه" يقرئهما إياها.
فلما سمعوا صوت عمر تغيب خباب، ودخل عليهما عمر وأخبرهما بما سمع وضرب زوج أخته سعيد، فقامت أخته لتكفه عن زوجها فضربها وشجها، فلما فعل ذلك قالت له إنها هي وزوجها أسلما وآمنا بالله ورسوله.
فلما رأى ما صنع عمر في أخته ورأى الدم في وجهها فندم على ما صنع، وطلب من أخته الصحيفة ليقرأها، فأمرته أن يتوضأ أولًا قبل أن تعطيه الصحيفة، فاغتسل وقرأ الصحيفة، ولما قرأها قال: "ما أحسن هذا الكلام وأكرمه".
ولما سمع خباب ذلك خرج إليه وقال: والله يا عمر، إني أرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللهم أيد الإسلام بأحد العمرين".
ولما سمع عمر بن الخطاب ذلك قال دلني عليهم، واتجه إلى الصفا، ومعه نفر من أصحابه، وذهب عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم.