حكايات من الحدود: "أوشين فايكنغ"أكثر من "قارب كبير"
"أوشين فايكنغ ، أوشين فايكنغ" يصل صوت النداء عبر الراديو، بينما يتواصل الطاقم على سطح السفينة مع منسقي البحث والإنقاذ في روما ومالطا.
فمع إبحار السفينة من ميناء مرسيليا الأصلي في جنوب فرنسا باتجاه وسط البحر الأبيض المتوسط ، يبدأ الطاقم بالاستعداد للمهمة التي تدرب عليها كثيرًا: إجراء عمليات البحث والإنقاذ، هذه العمليات التي يتوقعون إجراؤها بمجرد وصولهم إلى المياه الدولية قبالة الساحل الليبي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بعد الوصول إلى المنطقة المحددة، تمضي المناظير ساعاتٍ بعمليات المسح وسط البحر الأبيض المتوسط ، للبحث عن قوارب المهاجرين الصغيرة التي تعاني بعرض البحر.
كل فرد من أفراد الطاقم، مثل جوليا، وهي ضابطة الاتصالات، مزودة بأجهزة راديو حتى يكونوا مستعدين خلال لحظات عندما يحين الوقت.
"مستوى عالٍ من الأدرينالين"
تقول جوليا: "يبدأ الأمر بنداء: (كل الفرق تستعد للإنقاذ) وقتها يكون هذا النداء كضرب جرس الإنذار، يبدأ الجميع بالاستعداد ويتوجهون لمحطاتهم الخاصة، وقتها يكون الأدرنالين عند مستوياته العليا"، تقول جوليا بابتسامة.
الأدرينالين كذلك يكون مرتفع للغاية بالنسبة لأولئك الذين سيتم إنقاذهم، فبحسب مهاجران تم إنقاذهما من قبل "أوشين فايكنغ" فهما كانا "سعيدان للغاية" عندما رأيا "القارب الكبير" [أوشين فايكنغ] يأتي لإنقاذهما.
تتذكر إحدى النساء "لأننا علمنا، على الأقل لم نعد في ليبيا، كنا سعداء للغاية، فرحنا لأننا نجحنا بذلك".
على متن المركب، "تم تحسين كل شيء"، كما قالت هانا، وهي قابلة من أستراليا عملت في مهمات على متن "أوشين فايكنغ" جنبًا إلى جنب مع جوليا، تقول هانا إن العديد من الأشخاص الذين تم إنقاذهم "يمكن أن يكونوا في حالة حرجة حقًا، إما بسبب الرحلة من بلدهم الأصلي، أو من معاناتهم للاحتجاز أثناء عبورهم عبر ليبيا".
"ما قبل الأدرنالين"
مايكل، مهاجر من غانا أنقذته "أوشين فايكنغ" يصف رحلته من على متنها: "القارب الذي كان يقلنا غرق تقريبًا، كان قاربنا صغيرًا جدًا، وفي اللحظة التي حاولنا فيها سحب الماء من القارب، بدأنا بالغرق". يقول مايكل والآخرون في القارب إنهم "شكروا الله" عندما رأوا "أوشين فايكنغ".
وعلى متن السفينة أيضًا تتذكر سيدة كيف تم إنقاذها من قارب صغير آخر، وتقول: "اتسخت قدماي بالبنزين وأصبت بحكة وكانتا تخدشان، صلينا وصلينا لكي تجدنا سفينة إنقاذ"، وتتابع السيدة تذكرها لظروف رحلتها السيئة خاصة في ليبيا وتقول: "سجنت بليبيا مثل كثيرين آخرين وتعرضت للابتزاز ودفع والدي المال لإطلاق سراحي".
وتضيف بألم: "لقد اغتصبونا هناك في السجن، ضربونا هناك.. كان الأمر مروعًا.. لذلك عندما رأينا ذلك القارب الكبير، كنا سعداء للغاية، وغنينا وبكى بعضنا، وشكرنا الله وكنا سعداء للغاية".
بينما تشرح ناجية ثانية أنها عندما سُجنت في ليبيا، حاولت والدتها "جمع ما يكفي من المال من مختلف الأشخاص" لإخراجها، لكنها بالنهاية اقترضت من أبناء عمومها للخروج، وتقول: "لو غرقت بالبحر لما تمكنت من رد ديني، لهذا السبب كنا سعداء للغاية عندما رأينا القارب الكبير يأتي نحونا، لأننا علمنا أنه تم إنقاذنا".
"ما بعد الأدرينالين"
بعد عمليات الإنقاذ تختلط على السفينة أصوات الرياح مع صوت الأمواج والراديو والناس، كما تختلط نبراتها وتتنوع بين سعيدة وحزينة ولكنها دائمًا ما تكون عالية، تقول جوليا وتضيف: "بصرف النظر عن الضوضاء، فإن أول ما تشم رائحته أثناء عملية الإنقاذ هو الوقود الموجود في القوارب المنكوبة، لأن حاويات الوقود تنقلب وتنسكب في القوارب".
عدا عن ذكرياتها المؤلمة تسبب رائحة الوقود "الصداع والغثيان"، كما تتسبب للبعض بالارتباك والضياع، ما يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة شعور الخوف لدى المهاجرين على متن القوارب الصغيرة قبل إنقاذهم، لذا عند وصول طاقم "أوشين فايكنغ"، يتم تخصيص شخص واحد فقط للتواصل، للحفاظ على هدوء الموقف، كما تشرح جوليا.
وتضيف: "نحن لا نذهب جميعًا ونلوح ونصرخ لهم، بل عندما نصل لمكان الإنقاذ يقول عضو معين من الطاقم: (نحن منظمة إنقاذ إنسانية ... نحن هنا للمساعدة)، ثم يوضح الشخص للمهاجرين على القارب أن السفينة لن تعيدهم إلى ليبيا، فهذا أحد أكبر مخاوفهم".
الليل والنار
تتذكر جوليا: "أول عملية إنقاذ خرجت بها، كنت على متن قارب إنقاذ سريع، كانت العملية في الواقع عملية إنقاذ ليلية، على بعد حوالي 100 كيلومتر قبالة الشاطئ الليبي في المياه الدولية، لكن في ذلك الموقع هناك منصات نفطية".
وتشرح جوليا: "في كثير من الأحيان.. يتوجه الناس بعد إنطلاقهم بالقوارب إلى المنصات النفطية المشتعلة لأن الأضواء الساطعة هناك، إذ أقنع بعض المهربين المهاجرين أنه يمكنهم رؤية أضواء أوروبا عندما ينطلقون، لذلك ينتهي المطاف بالكثير من قوارب المهاجرين تحت النيران الجهنمية التي تنطلق في السماء من منصات النفط هذه".
تستعيد جوليا ذكرياتها عن تلك الليلة: "لن أنسى أبدًا، كان عليّ معرفة ما يجب فعله بسرعة وسط الظلام
الهاوية
على متن "أوشين فايكنغ" تستمع هانا وجوليا إلى القصص من النساء والرجال وأحيانًا الأطفال، لقد نجا العديد منهم من العنف الجنسي وغيره من أشكال العنف في ليبيا أو أثناء رحلتهم نحو ساحل البحر الأبيض المتوسط.
قامت الأمم المتحدة ومنظمات أخرى بتوثيق العديد من الشهادات عن الاغتصاب الجماعي والانتهاكات والفظائع، بينما أفادت طالبة لجوء إريترية أنها احتُجزت ثلاث مرات في عام 2017 وتعرضت للاغتصاب الجماعي والضرب والتجويع حتى دفعت عائلتها فدية قدرها 1000 دولار لتأمين حريتها.
كررت نساء من الصومال وساحل العاج ونيجيريا رواية تجارب مماثلة في السنوات التالية، وتحدثت سيدة من الصومال عن أنه حيث كانت مسجونة: "يموت شخص كل يوم، يأتي الكثيرون على أمل حياة أفضل، لكنهم بدلاً من ذلك يعانون من الألم، بينما فقدت الكثيرات عذريتهن بسبب الاغتصاب".
برواية سيدة من ساحل العاج فإن الاغتصاب كان عشوائيًا بينما لم يعف الحمل أو الرضاعة بعض النساء من هذا النوع من المعاملة.
من جانبه ذكر تقرير للأمم المتحدة أن بعض النساء، اللواتي أجبرن على ممارسة الدعارة في ما يسمى بالمنازل المتصلة في ليبيا، اضطررن إلى تحمل الاغتصاب من قبل "ما يصل إلى 20 رجلاً في اليوم".
كذلك لم تُمنح النساء أي وسيلة لمنع الحمل، بينما حملت العديدات، ثم أُجبرن على دفع تكاليف عمليات الإجهاض الخطيرة التي أجريت في نفس منازل الدعارة، وتعرضت فتيات لا تقل أعمارهن عن 15 عامًا لهذه المعاملة بانتظام، فيما تعرض أي رجل احتجّ على ذلك للضرب أو القتل.
دموع الفرح
على الرغم من الأهوال التي عانى منها الكثيرون، بمجرد ركوب "أوشين فايكنغ" سُمع الغناء والفرح أيضًا، إذ تعتقد جوليا أن أغاني الاتصال والاستجابة التي غالبًا ما تغنيها النساء هي شكل من أشكال العلاج الجماعي، وتتذكر أن أحد الأغنيات تتطرق لتفاصيل كل الانتهاكات التي تعرض لها المهاجرون، وتكون اللازمة بالرد "هذا انتهى"، بينما هناك أغنية أخرى تشيد بعمليات الإنقاذ التي تقوم بها "أوشين فايكنغ".
كذلك عندما يحين وقت مغادرة السفينة إلى بر الأمان يطلق المهاجرون هتافات وأغاني مؤثرة جدًا، بحسب جوليا، التي تعتبر ذلك "وسيلة قوية للقول إنه رغم ما حدث نحن هنا، نحن على قيد الحياة"، تختم جوليا بابتسامة.
راما جمرقاني/ إيمه واليز مهاجر نيوز 2022