حزن وصدمة في تونس بوفاة "طبيب الفقراء"الشاب المفاجئة

  • بواسطة: DWW تاريخ النشر: الثلاثاء، 02 أبريل 2024
مقالات ذات صلة
الدكتور محمد غنيم.. طبيب الفقراء رحلة 40 عامًا من العطاء
استهزأ بوفاة أسطورة اليونايتد.. محاكمة شاب في مدينة مانشستر
الصدمات تتابع.. ضربة قاسية للمنتخب التونسي قبل مباراته أمام بنما

لم يكن الطبيب الشاب جاد الهنشيري نجما على منصات السوشيال ميديا في تونس ولكن صوته كان مسموعا في نضاله ضد الفساد وتدهور القطاع الصحي. ورحيله المفاجئ في ريعان شبابه عن سن 37 عام، أشاع حالة من الحزن وأحدث ضجة دفعت الجميع إلى نعيه ونعي قطاع الصحة العمومية المتعثر من ورائه، والذي خسر بموته مدافعا شرسا عن خدمات القطاع العام في المجال الصحي.

عرفت ميادين المجتمع المدني والسياسي في تونس خلال فترة الانتقال الديمقراطي والسياسي منذ 2011، بروز عدد كبير من المناضلين المدافعين عن الحريات العامة والتعددية السياسية والدولة المدنية في حراك لا يزال مستمرا حتى اليوم. لكن الشاب جاد الهنشيري الذي ترأس لفترة المنظمة التونسية للأطباء الشبان، عرف بنضاله من أجل استعادة الدور الاجتماعي للدولة وانتقاداته للسياسات الصحية للحكومة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

"طبيب الغلابة" في تونس

ويعد جاد إحدى الشخصيات الشبابية المحبوبة لدى الرأي العام في تونس، ليس فقط بسبب تفوقه الدراسي والمهني ولكن أيضا لحماسته والتزامه في الدفاع عن حق المواطن في خدمات صحية لائقة بالصحة العمومية مستخدما صوته وجرأته. كما يصفه كثيرون "بطبيب الفقراء والمحتاجين" و"طبيب الغلابة" لوقوفه مع الطبقة الفقيرة، أسوة باالطبيب المصري الراحل محمد مشالي في مصر.

وبينما أعلنت السلطات القضائية عن فتح تحقيق في ظروف وملابسات وفاته المفاجئة بشقته وسط مدينة صفاقس، أين وجد ميتا، فإن ردود الفعل لم تتوقف بوسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إزاء الخبر الصادم لوفاته والخسارة الكبيرة التي خلفها رحيله.

فقد نعت وزارة الصحة جاد كما أعلنت المنظمة التونسية للأطباء الشبان في تدوينة أرفقتها بصورة الطبيب الراحل من إحدى وقفاته الاحتجاجية، الحداد لمهنة الطب في تونس.

ونعت نقابة الصحافيين التونسيين جاد، اذ لطالما شارك الشاب الراحل في كثير من وسائل الاعلامية للدفاع عن وضع الأطباء الشباب ووضع المستشفيات المتردي في عدة جهات فقيرة بالبلاد وكشف الفساد المتفشي بأقسامها.

وكتبت النقابة في بيان نعي لها "عرفنا الراحل مناضلا صلبا داخل الاتحاد العام لطلبة تونس من أجل الحق النقابي والحريات الأكاديمية وانفتاح الجامعة على محيطها، كما خبرناه في العمل النقابي مدافعا عن مهنة نبيلة لصالح الفئات الهشة والمفقرة، وخدمة عامة لا تخضع للتمييز أو المقايضة أو التسليع".

لكن جاءت أكثر ردود الفعل تأثرا من عائلته المكلومة وتحديدا من شقيقه حمادي الجزيري، الذي وصف أخيه بـ"الجندي البطل والعنيد الشجاع".

جنازة مشهودة لمناضل استثنائي

ومنذ زمن بعيد لم تشهد مدينة أم العرائس بمنطقة الحوض المنجمي بولاية قفصة في الجنوب، وبشهادة أهلها وأصدقاء الطبيب الراحل، جنازة مهيبة كتلك التي شيعت جثمان جاد.

وقال نجم النشرات الجوية بوسائل الاعلام في تونس محرز الغنوشي، الذي كان حاضرا في وداعه الأخير "كانت جنازة مهيبة ولم يعشها كثير من المسؤولين". وكتب تعليقا في تدوينة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي مستعينا بمقطع شهير من النشيد الوطني "حياة الكرام وموت العظام".

وينظر الى جاد كأحد رموز المنطقة المنتجة لمادة الفوسفات، والتي عرفت بنضالاتها التاريخية ضد الاستعمار الفرنسي وكانت لها وقفات شجاعة ضد الحكم الاستبدادي بعد الاستقلال. وتكريما لنضالاته طالب متصفح يدعى محمد السعيدي على الصفحة الخاصة بمنطقة أم العرائس (أم العرائس تجمعنا) على فيسبوك، بأن يطلق اسم جاد الهنشيري على المستشفى المحلي بعد ان يتم الترفيع في تصنيفه وتجهيزه.

وعكس التيار الذي سار فيه أغلب الأطباء الشبان في تونس، فإن جاد وبشهادة مدونين، لم يسع الى الظفر بعقد عمل في مستشفيات فرنسا أو ألمانيا وإنما ظل ملتزما بالدفاع عن الصحة العمومية وبمكافحة الفساد.

وكان جاد من بين القليلين الذي واجهوا نفوذ الدوائر النقابية في قطاع الصحة وحالات التسيب والفساد والافلات الشائع من العقاب وما وصفها بـ"المافيا" القوية في الجسم الطبي والإداري بالقطاع في حواره لموقع بودكاست.

وضع متردي للصحة العمومية

وبينما كان قطاع الصحة أحد الأعمدة الأساسية التي بنيت فوقها دولة الاستقلال إلى جانب قطاع التعليم منذ خمسينات القرن الماضي، فإن تقادم التجهيزات والبنية التحتية التي يعود بعضها إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، على مدى عقود أثرا بشكل كبير على جودة الخدمات في المؤسسات الصحية العمومية.

ودفع هذا التراجع إلى خسارة مضاعفة لتونس بهجرة الآلاف من أطبائها إلى الخارج، نجو الدول الأوروبية أساسا ودول الخليج العربي من أجل رواتب أفضل.

ومن بين ما يفوق 30 ألف من الكفاءات التونسية المهاجرة سنويا بحسب المرصد التونسي للهجرة، فإن المئات من الأطباء يغادرون تونس كل عام. وتقول عمادة الأطباء إن 80 بالمئة من الأطباء حديثي التخرج من اختصاصات مختلفة يغادرون تونس سنويا بسبب تردي ظروف العمل والإفتقاد الى التجهيزات اللازمة وضعف الأجور.

واليوم يضاف إلى هؤلاء، الطبيب جاد الذي رحل عن عالم الدنيا بلا رجعة. بعد أن ظل لسنوات يكافح لإحداث تغيير حقيقي في المؤسسات الصحية العمومية. جاد شكى مرارا من غياب آلات "سكانار" في عدة مستشفيات، الأمر الذي يضاعف من محنة المرضى الفقراءفي المناطق المهمشة، ومن نقص الأطباء ومن البيروقراطية.

تونس فقدت "حكيمها"

وعلق مولدي القسومي الباحث في علم الإجتماع والناشط بالمجتمع المدني في تدوينة مطولة تضمنت تأبينا للراحل جاد، بأن "تونس المريضة ودعت حكيمها وكانها تعرض عن الحياة".

وتابع القسومي في تدوينته العاطفية "تونس السقيمة لم تنصت إلى طبيبها الفتي، وهي في أوكد الحاجة إلى حكمته، وطاقته، وإبداعه، وشجاعته، وعنفوانه، فغادرها مبكّرا وهو في ريعان الشباب. وإن لم تكن مغادرته يأسا وقنوطا فلا شيء يُنبئ بأنّه غادرها وهو مطمئنّ عليها".

يتناقل مستخدمو مواقع التواصل الإجتماعي، بعد وفاة جاد ما قاله في آخر ظهور له على منصة رسمية في برنامج اعترافات عميقة "أريد أن أرى قطاع الصحة مزدهرا عندها فقط ساكون مرتاحا". لكن جاد رحل ولا يزال قطاع الصحة يتخبط.

وقال الطبيب والناشط المخضرم بقطاع الصحة سمير عبد المومن في تدوينة تعليقا على رحيل جاد ونضالاته "ما قاله المرحوم الدكتور جاد الهنشيري في حديثه الأخير كان يعلمه القاصي والداني من أهل مهنة الصحة ولكن لم تكن لهم الجرأة للبوح به كما فعل المرحوم. فكانت وصيته الأخيرة لتغيير هذا الوضع المزري".

وأردفت الصحفية والناشطة نوال بيزيد التي حاورت جاد في آخر مقابلة له على منصة بوداكاست "نحن الآن أمام أمر واقع.. جاد رحل ولكنه كان بدأ مشوارا لم يكن لينجح فيه بمفرده حتى لو بقي على قيد الحياة. لذلك يتعين على كل فرد أن يتحمل مسؤوليته ويقوم بما يمليه عليه واجبه. أنا متاكدة أن جاد ترك خلفه جيشا ولن تقف القصة عذد هذا الحد".

طارق القيزاني - تونس