جوليان أسانج، وموقع ويكيليكس

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الثلاثاء، 07 سبتمبر 2021
مقالات ذات صلة
آبل تسجل أول ردود الأفعال على تسريبات ويكيليكس الأخيرة
جوجل أيضاً ترد على تسريبات ويكيليكس واختراقات CIA
يقدم 70 خدمة للمواطنين: جولة في موقع خدمات مصر الرقمية

غالباً ما يختلف موقف المتابعين للأحداث أثناء حدوثها، عن موقفهم منها بعد مرور الزمن، يعود ذلك بشكل أساسي إلى المعلومات السرية التي لا تكون متوفرة للعموم أثناء وقوع الحدث، والتي قد تظهر بعد سنوات، كما أنها قد لا تظهر أبداً، وفي كل حرب أو أزمة، كما في كل حادثة، تحتفظ أجهزة المخابرات والسفارات، إضافة إلى الوزارات حول العالم بملايين الوثائق السرية، التي تبين واقعاً مختلفاً بالكلية عما نراه عبر الشاشات وفي التصريحات المعلنة، لكن؛ ماذا لو أتى من يفضح تلك الوثائق السرية أثناء وقوع الحدث؟، أو على الأقل قبل تحوله إلى ماضي قديم!.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

تنقل بين أكثر من ثلاثين مدرسة في طفولته

في الثالث من تموز/يوليو عام1971، ولد جوليان أسانج (Julian Assange) في مدينة تاونسفيل (Townsville) في ولاية كوينزلاند (Queensland) الأسترالية، كان والده جون شيبتون (John Shipton) ناشطاً ضد الحرب، كما انفصل عن والدته كرستين هوكينز (Christine Ann Hawkins) قبل ولادة جوليان، حيث تزوجت من ريتشارد أسانج (Richard Brett Assange)، بعد سنة من ولادة طفلها، فحمل جوليان اسم زوج أمه، التي كانت تعمل في تقديم العروض المسرحية الترفيهية في الفرقة التي يديرها زوجها ريتشارد.

كانت طفولة أسانج غير مستقرة، حيث تنقل مع والدته وزوجها في رحلاتهم، دون أن يتمكن من الاستقرار في مدينة أو دولة بعينها، كما تنقل بين أكثر من ثلاثين مدرسة، من جهة أخرى انفصلت والدته عن زوجها ثانيةً عام 1979، لتدخل في علاقة مع ليف ماينيل (Leif Meynell)، فأنجبت منه طفلاً قبل أن تنفصل عنه عام 1982.

تلقى أسانج تعليمه الحقيقي في المنزل، حيث لم يتمكن من الاستقرار في المدرسة بسبب تنقلات عائلته الكثيرة، فقامت الوالدة على إتمام تعليمه المنزلي مع أخيه غير الشقيق بعد أن استقرت العائلة في مدينة ميلبورن (Melbourne) الأسترالية، ثم درس الرياضيات في جامعة كوينز لاند (Queensland University)، ثم جامعة ميلبورن (University of Melbourne)، حتى عام 2006، حيث غادر الجامعة قبل إتمام دراسته.

خضع للمحاكمة بتهمة القرصنة الإلكترونية 1994

اهتم أسانج منذ كان مراهقاً بتقنيات الحاسوب والإنترنت، وتلقى أول حاسوب له كهدية من والدته في السادسة عشرة من عمره، كما اهتم بتقنيات القرصنة الإلكترونية (Hacking)، وبدأ مع أحد أصدقائه عام1987 بتطوير مهارتهم بالقرصنة، فاستخدم اسم ميندكس (Mendax)، وقام باختراق البنتاغون الأمريكي (Pentagon)، ووكالة ناسا الأمريكية لعلوم الفضاء (NASA)، إضافة إلى العديد من المؤسسات الحكومية والعسكرية الأمريكية، فضلاً عن المؤسسات الأسترالية، إلى أن تم القبض عليهما من قبل الشرطة الأسترالية عام 1991، بتهمة ارتكاب مخالفات إلكترونية ناتجة عن أعمال القرصنة، كما خضع لمحاكمة استمرت حتى عام 1994، ثم صدر الحكم عليه بدفع غرامة مالية بقيمة 2100$، بعد اعترافه بخمسة وعشرين تهمة من أصل إحدى وثلاثين تهمة موجهة إليه، إضافة إلى التعهد بعدم استخدام خبرته في القرصنة بما يخالف القانون.

شارك أسانج في إعداد كتاب (العالم السفلي) الذي يبحث في مخاطر الإنترنت

قدم أسانج العديد من الاستشارات للحكومة الأسترالية، بما يتعلق بإنشاء مزودات خدمة الإنترنت عام 1993، إضافة إلى مشاركته بأبحاث تتعلق بالتشفير الإلكتروني، كما شارك مع الباحثة الأسترالية سويليت دريفوس (Suelette Dreyfus)، بتألف كتابها (العالم السفلي Underground) عام 1997، حيث تناول الكتاب أبحاثاً تتعلق بالأمان على شبكة الإنترنت ومكافحة المتسللين.

أسس أسانج أول موقع له leaks.org)) عام 1999، لكنه لم يقدم شيء مميزاً من خلاله، كما بقيت معظم صفحاته فارغة، واستمر بعمله كمستشار بأمن المعلومات والتشفير، إلى أن قام بإنشاء موقع ويكيليكس (Wikileaks)، وبدأت رحلته مع الكشف عن مئات الآلاف الوثائق السرية، كما أن الحصة الأكبر كانت للوثائق الدبلوماسية الأمريكية.

الهدف من إنشاء الموقع مشاركة المعلومات السرية مع جميع الناس حول العالم

تم تأسيس موقع ويكيليكس عام 2006، كما تم إطلاقه رسمياً من السويد عام 2007، بهدف إتاحة المجال لمشاركة المعلومات على نطاق دولي، خاصة تلك المعلومات التي تحمل الطابع السري، فتعاون الموقع مع عشرات المصادر من المؤمنين بفكرته، حيث زودوه بملايين الوثائق السرية من مختلف دول العالم، لكن النصيب الأكبر من تلك التسريبات كان للولايات المتحدة الأمريكية، فقدمت ويكيليكس عام2007 معلومات تفصيلية عن معتقل غوانتانامو الأمريكي في كوبا، مما شكل فضيحة عالمية للأساليب الوحشية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في الاعتقال والتعذيب، كما نشر الموقع منذ إطلاقه الكثير من الوثائق السرية لمراسلات دبلوماسية بين أميركا ودول العالم، جعلت من أسانج نجماً في أيام، فأصبحت أخباره تتصدر الصحف العالمية.

تم تأسيس الموقع من قبل خمسة أشخاص أساسيين، لكن أسانج يُعد الأب الروحي والمؤسس الحقيقي للفكرة، كما اعتمد الموقع في تمويله على التبرعات، فهو موقع غير ربحي لا يهدف لبيع الوثائق، كما أنه نادراً ما يدفع ثمن الوثائق التي يحصل عليها، بل يعتمد على المؤمنين بفكرته، ممن يستطيعون الوصول إلى تلك الوثائق، وتسريبها بشكل آمن لإدارة الموقع، كما اعتمدت بعض مصادر الموقع على قرصنة أجهزة الحواسيب في بعض الدوائر الرسمية، على غرار ما حصل في حادثة تسريب وثائق من وزارة الداخلية ووزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية.

أهم تسريبات ويكيليكس

أنشأ أسانج مجموعة من الشركاء حول العالم، قاموا برفد الموقع بمعلومات في غاية السرية، مدعمة بالوثائق، كما أبرم اتفاقاً مع كبريات الصحف العالمية للانفراد بنشر الوثائق المسربة، قبل نشرها على موقعه بثلاثين يوماً، على غرار صحيفة نيويورك تايمز (New York Times)، حيث خضع لضغوطات هائلة نتيجة نشاطه هذا:

  • سربت ويكيليكس العديد من الوثائق الدبلوماسية والعسكرية السرية، المتعلقة بحربي أفغانستان والعراق، التي شنتها أميركا في عهد الرئيس بوش الابن (George W. Bush )، حيث سلطت الضوء على الممارسات غير الإنسانية للجيش الأمريكي أثناء الحرب، ربما من أبرز الوثائق المسربة عام2010، كانت مقطع فيديو لطائرة أمريكية استهدفت صحفيين ومدنيين في العراق عام2007، إضافة إلى سلسلة من الوثائق عن يوميات الحرب في أفغانستان.
  • كما نشر الموقع قائمة بعناوين لمواقع محجوبة على شبكة الإنترنت في الدانمارك وأستراليا، إضافة إلى تايلند، على اعتبار أن هذه المواقع إباحية أو تتعلق بالإرهاب، لكن التسريبات أكدت أن هذه المواقع لا علاقة لها بالإرهاب أو الإباحية، من جهة أخرى رفع الموقع السرية عن حساب سارة بالين (Sarah Palin) على ياهو (Yahoo) عام 2008، حيث كانت نائبة السناتور المرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية آن ذاك جون ماكين (John McCain).
  • عربياً؛ من أبرز الملفات التي تداولها موقع ويكيليكس عام2010، كانت الوثائق المسربة من الخارجية الأمريكية، التي تتضمن موافقة الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح على قيام المقاتلات الأمريكية باستهداف مواقع ضمن اليمن دون الإفصاح عن معرفته بذلك، إضافة إلى التسريبات المتعلقة بالمفاوضات بين حكومة فتح في فلسطين المحتلة، وبين حكومة الاحتلال الإسرائيلي، حيث بينت الوثائق أن "كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قدم تنازلات كبيرة لصالح حكومة الاحتلال"، علماً أن هذه التسريبات أدت إلى ضغط شعبي كبير، نتج عنه استقالة صائب عريقات من منصبه، أما عام 2015 نشر الموقع وثائق سرية للغاية مسربة من الخارجية السعودية، أبرزها ما يتعلق بحرب اليمن، حيث تفيد الوثائق بمعلومات وردت إلى سفارة السعودية في اليمن بخصوص "دفع دولة قطر ربع مليار دولار أمريكي لإفشال الانتخابات اليمنية عام2013"، كما وردت معلومات عن "تخطيط الحوثيين لعملية تفجير السفارة السعودية في اليمن"، إضافة إلى العديد من مراسلات سفارات المملكة العربية السعودية حول العالم، كما تم تسريب وثيقة من وزارة الداخلية، مرفوعة من ضابط في المتابعة إلى اللواء سعود الثنيان، تتحدث عن "إعفاء مئات الموقوفين من جنسيات مختلفة في السجون السعودي بتهم جنائية من تطبيق الحد الشرعي عليهم، مقابل تأهيلهم للجهاد في سوريا"، ولم يتأكد صحة هذه المعلومات من أي مصدر رسمي.
  • بدأ الموقع عام 2016 أيضاً نشر وثائق سرية تتعلق بالحرب في سوريا، حيث تتعلق معظمها بزيارات مسؤولين في الحكومة السورية إلى بريطانيا وأميركا، كما تتعلق بتمويل الجماعات الإسلامية المقاتلة في سوريا، وتوريد الأسلحة إليهم، حيث وعد الموقع "بالكشف عن المزيد من الوثائق في المرحلة المقبلة".

تم إسقاط تهمة التحرش الجنسي بالتقادم والاحتفاظ بتهمة الاغتصاب

تم اعتقال مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج في بريطانيا في كانون الأول/ديسمبر عام2010، بناء على مذكرة اعتقال دولية أصدرها القضاء السويدي بحقه، بتهمة التحرش، وتهمة الاغتصاب، ثم تم إطلاق سراحه بعد ثمانية أيام، ليتم البت في تسليمه إلى السويد، وبقي تحت الإقامة الجبرية في بيت في الريف الإنجليزي، إلى أن حكمت المحكمة البريطانية بتسليمه للسويد عام 2012، وأقرت الحكم بعد الطعن فيه، فقام أسانج بطلب اللجوء من سفارة الإكوادور في لندن، حيث دخل إلى السفارة في التاسع عشر من حزيران/يونيو عام 2012، وبقي فيها حتى الموافقة على طلب اللجوء السياسي إلى الإكوادور في آب/أغسطس من العام نفسه.

لكن بريطانيا أكدت أنها لن تسمح لأسانج بمغادرة بريطانيا، أو حتى مغادرة مبنى سفارة الإكوادور، بل هددت السلطات البريطانية باقتحام السفارة لاعتقاله، إلا أن الإكوادور اعتبرت ذلك "تعدياً سافراً على سيادتها"، فتجنبت بريطانيا الخوض في أزمة دبلوماسية مع الإكوادور، حيث لا يزال أسانج محتجزاً في السفارة حتى الأن، كما تم إسقاط تهمة التحرش الجنسي لانقضاء المهلة القانونية لاستجوابه وفق القانون السويدي، إلا أن الاتهام بالاغتصاب لن يسقط قبل العام 2022.

أخيراً.. اتبع موقع ويكيليكس سياسة دقيقة في النشر، حيث يقوم فريق العمل على التأكد من صحة الوثائق وأهميتها في الوقت عينه، خوفاً من تسريبات تستهدف الإساءة للموقع، فجميع ما نشر على الموقع حقيقي وفقا للقائمين على الموقع، كما لم يتمكن أحد من المعنين بتلك الوثائق من إنكارها، لكن كثيراً من المشككين، ربطوا بين التوقيت الذي بدأ فيه الموقع عمله، وبين المرحلة السياسية والعسكرية التي يعيشها العالم، حيث اعتبروا أن ويكيليكس جزءاً من الفوضى التي تشهدها العديد من دول العالم، من بينها الدول العربية، لكن الإجابة عن سؤال هل ويكيليكس مؤامرة أم حقيقة؟ تبقى غير ممكنة بشكل قاطع.