جنون العظمة.. المنزهون عن المرض والطريق إلى الهاوية
جنون الارتياب، الوسواس القهري، الفصام، جنون العظمة وغيرها، أمراض نفسية تفترق في أعراض وتتقاطع في أخرى، إلا أنها تجتمع على ضرورة الاعتراف بالمرض والمبادرة بالعلاج واللجوء إلى طلب المساعدة، وإلا فأنت في طريقك حتما إلى الهاوية.
جنون العظمة
هو مصطلح مشتق من الكلمة الإغريقية «ميغالومانيا» والتي تعني وهم ووسواس العظمة حيث يعتقد مرضى جنون العظمة أنهم دائما أكثر قدرة من الآخرين في المجالات والأنشطة التي يشاركون بها، مما يجعلهم يسعون بحماس ليكونوا أكثر مهارة وقوة إذ توجد لديهم قناعات ثابتة بأنهم الأعلى والأفضل من غيرهم، وبالتالي يسيطر عليهم هذا الشعور أيضا في الأمور الحياتية التي تعتمد على العقل، العلم، العدالة، الأخلاق، وما إلى ذلك.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وتظهر أفكارهم هذه غالبا عند خوضهم في أي نقاش أمام مجموعة كبيرة من الأشخاص حيث يشعرون بالإثارة الذاتية ويمنحون أنفسهم الحق الكامل في فرض أفكارهم ومهاجمة الآخرين والحصول على الكلمة الأولى والأخيرة في كل ما يناقشونه، وغالبا لا يلجؤون إلى هذا السلوك سوى مع الأشخاص الذين يختلفون معهم في أفكارهم ومعتقداتهم.
كذلك شعورهم بالتفوق والتميز يكون بديهيا، فيتولد وينمو ذاتيا، أي أنه لا ينشأ من المقارنات بأشخاص آخرين أو نتيجة دراسات معترف بها من المنظمات العلمية، بل هي نظرة شخصية بحتة قد تصل بالشخص حد الجنون والهذيان حتى إنه قد يظن في قرارة نفسه أنه ملك أو وزير أو مدير ويتصرف على هذا الأساس مع المحيطين به.
الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة
يُعتقد أن الأشخاص الذين يعانون من النرجسية هم الأكثر عرضة للإصابة بهذا المرض حيث يميل مرضى جنون العظمة إلى الدخول في منافسات مع القادة أو أصحاب المناصب العالية والأشخاص الذين يمتلكون السلطة بشكل عام، وتكون لديهم رغبة عارمة في إبادتهم نفسيا وإظهار ضعفهم والتفوق عليهم أمام الحاضرين.
كما يسعون أيضا لمهاجمة زملائهم في العمل، خاصة إذا كان طاقم عمل متكاملا «مثل فئة الأطباء أو السياسيين أو الممثلين» فيهاجمونهم بطريقة مباشرة ويقومون بإرباكهم نفسيا بألفاظ تهمش من أفكارهم وطريقة عملهم محاولين إثبات أنهم فقط هم الحكماء وأنهم دوما على حق، ويكون هذا لغرض خفي بداخلهم ألا وهو حفظ هيبتهم ومكانتهم كأشخاص مسيطرين لهم الرأي الصائب فوق الجميع.
أسباب المرض
قد تكون هناك عوامل وراثية في الأسرة كالاضطراب العقلي، أو عوامل مكتسبة نتيجة تسلط الأبوين واضطراب الجو الأسري والتوتر الزائد بين أفرادها.
كما يمكن أن تكون الأسباب نفسية نتيجة صدمة تعرض لها الشخص وتسببت في زعزعة قيمه ومبادئه وأصابته بالإحباط والفشل، أو أسبابا عضوية نتيجة إعاقة بدنية لدى الشخص كالصمم أو شلل الأطفال والتي تتسبب في إثارة أعراض مرض جنون العظمة بداخله، وكذلك تناول بعض العقاقير التي تؤدي إلى الهلوسة والهذيان مع مرور الوقت.
التعالي على المرض
الاعتراف بالمرض هو نصف العلاج أما مرضى الميغالومانيا فيرون أنهم منزهون عن المرض ويتمتعون بصحة جيدة جدا، وأنهم قادرون على العيش في المجتمع دون اللجوء إلى الأطباء في أي فترة من فترات حياتهم، وحتى عند الشعور بالإعياء يرفضون العلاج أو تناول أي نوع من أنواع الدواء.
هذا قد يمنحك فكرة بالطبع عن نظرتهم إلى الأطباء النفسيين، فمن النادر جدا أن يعترف أحدهم بفكرة العلاج النفسي من الأساس، وحتى إن تم إجباره فسيمتنع عن أخذ الدواء مما يجعل مهمة الطبيب النفسي أصعب بكثير من التعامل مع الأشخاص العاديين، ومع تقدمهم في العمر أو وصولهم إلى مرحلة الشيخوخة يتزعزع استقرارهم تماما بعد سلسلة طويلة من الإخفاقات وتدهور علاقاتهم الاجتماعية، فيصبحون أكثر عرضة للأمراض النفسية والقلق والتوتر، وينتهي بهم المطاف إلى انعدام ثقتهم بالآخرين والميل إلى العزلة والشعور بالتهديد والاضطهاد، وهذا ما يجعلهم فيما بعد فريسة سهلة للاكتئاب المزمن والمرض الذهاني الحاد.
الجوانب الأخلاقية
يفتقر أصحاب جنون العظمة إلى الجانب الأخلاقي ويطغى عليهم الشعور بتعظيم الذات، حيث تكون وظيفتهم وطموحاتهم ومصالحهم الشخصية في المقام الأول قبل كل شيء حتى وإن كان هذا على حساب علاقاتهم الشخصية أو التلاعب وتزييف الحقائق، كما يتولد لديهم لا شعوريا النفور التام من المنافسين لهم وهذا ما يدفعهم إلى محاولات القضاء عليهم نفسيا أو حتى جسديا إن استدعى الأمر، بسبب غرورهم الذي يدفعهم إلى استمرارية انتهاك القواعد والقوانين.
وقد شبه بعض الباحثين سلوكهم بالحيوانات المفترسة التي تقوم بتحديد مواطن احتياجاتها وتهيمن عليها وفق ما يتناسب مع غرائزها الفسيولوجية واحتياجاتها للبقاء على قيد الحياة دون أي اعتبارات أخرى.
عزلة وفشل
يعيش أصحاب هذا المرض بمفردهم طوال حياتهم نتيجة عدم قدرتهم على تكوين علاقات اجتماعية سليمة وفشلهم في إدارة أعمالهم وأموالهم نظرا لاضطراباتهم النفسية، وأحيانا أخرى يستغلون سذاجة وجهل واحتياجات من حولهم ليصبحوا أصحاب النفوذ والقوة واليد العليا، بل ويبالغون في العطاء حتى يظنون أنفسهم من المحسنين القديسين وقد يصل بهم الحال في بعض الأحيان إلى ادعاء النبوة، وفي نهاية الأمر غالبا ما يودعون الحياة بطريقة مأساوية.