"جرس إنذار".. رواية توثق انتشار كورونا في ألمانيا بعيون مهاجرة
رواية جديدة صدرت للكاتب والشاعرالسوري الكردي إبراهيم اليوسف، تدور أحداث هذه الرواية في ألمانيا، حيث يرصد الكاتب التغييرات التي حدثت في حياة الألمان واللاجئين منذ انتشار الفيروس وبدء الاغلاقات الصحية والتباعد الاجتماعي، لا سيما في الأشهر الستة الأولى من بدء الجائحة.
وتدور أحداث التي تحمل عنوان" جرس إنذار" داخل بناية في إحدى مدن ألمانيا، يسكنها البطل المهاجر القادم من سوريا، مع عدد من أفراد أسرته الذين يتوزعون على شقق العمارة ذات الطوابق السبعة، حيث لاذ الراوي في بيته، وتوقفت مظاهر حياتية عدة: حركة الأسواق. المطارات. المهرجانات والمؤتمرات الدولية، وحتى بعض الشعائر الدينية: دور العبادة. الحج. وساد الرعب في كل مكان، وبات فيروس كورونا يحصد أرواح الناس على امتداد قارات العالم، وتقسم الرواية الزمن إلى ما قبل كورونا وما بعد كورونا. وثبته في مستهل الرواية، مشيراً بذلك إلى ساعة الصفر في زمن ما بعد كورونا، ويقول الكاتب واصفا حياة العزلة التي عاشتها البشرية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
كفي اليمنى باتت تحكني"
أربعون يوماً ولم أصافح أحداً
ترصد الرواية أول حالة إصابة بالفيروس كوفيد19 في أسرة الراوي عندما تلتقط زوجة أحد أبنائه الفيروس من طبيب أسنان ألماني عجوز، ويدب الهلع في الأسرة، إذ تبتعد المريضة عن أسرتها المكونة من ثلاثة أشخاص: هي وزوجها وابنتهما الصغيرة، وتبدأ أزمة البيت بشكل واضح إذ إن الطفلة الصغيرة ترفض حالة عزلة أمها عنها وأبيها، ويضطر الوالد لخدمة زوجته والعناية بالطفلة التي تشتاق إلى قريباتها من الطفلات الصغيرات، فتتطوع طفلة أكبر منها سناً، وهي ابنة عمها لكسر جدار العزلة، لتبدأ أحداث مختلفة تجبر بطل الرواية على المقارنة بين بلده سوريا ومكان إقامته ألمانيا.
وفي حوار مع مهاجر نيوز يؤكد الكاتب أن أهمية الحدث انتشار الفيروس عالميا كان دافعا له لكتابة هذه الرواية، والتي رغب من خلالها وصف الأحداث المتسارعة التي عاشتها ألمانيا، بعيون مهاجرة، طارحا في الوقت نفسه تساؤلات بين ما تفعله الحكومة الألمانية، وحرصها على سلامة المواطنين، وبين بلده القادم منه، كيفية تعايش الناس هناك مع الجائحة.
ويضيف الكاتب أن الأحداث التي عاشها العالم من رعب وخوف من الموت، ونقص في الامدادات الغذائية، وترقب للمجهول،عاشها الشعب السوري مسبقا، بشكل مصغر، وكأن كل هذه الأحداث التي عاشها اللاجئون الهاربون من الموت والخوف، أعادت نفسها في كل أرجاء العالم. وعن رهبة الموت في زمن كورونا، وانقطاع مجالس العزاء في العالم يقول الكاتب في الرواية:
سمعت سيدة سورية، قبل أن يغدو الحجر الصحي الطوعي أمرًا واقعًا، تقول: "لقد هربنا من الموت، وها هو موت آخرُّ أمامنا، يجعلنا نتحسر على موت بلادنا". ما قالته هذه السيدة استوقفني كثيرًا، وإن رحت أقلب أثره وصداه في ذاتي، من وجهات نظر نقدية ذاتية، متعدِّدة، إذ إنه أعادني إلى التفكير برهبة الموت المضاعفة، بعيد بدء الحرب على السوريين: من الجهات جميعًا، عندما انقطع أمل ذوي أي فقيد يقضي في الغربة، من إيصال جسده- ولا أقول "جثمانه" إلى وطنه، ليوارى فيه الثرى، وهوما كنت أشدِّد عليه، أستحثُّ ذوي أي فقيد للسعي لدفنه في الوطن... الموت دون مشيعين ومجالس عزاء ألف موت للميت ولذويه! وإذا كانت حالة مجرد أسرة هي أحد محاور الرواية إلا إنها تتناول قضايا عديدة، من بينها ارتباط المغترب بمكانه، إذ إن حالة الأهل داخل الوطن تظل مدار تفكير الأبناء والبنات الذين يتألمون لأحوال ذويهم في ظل حالة الحرب والحصار، وعدم توافر سبل الوقاية ومستلزمات علاج المرضى. علماً أن عوالم الرواية أوسع من هذا الملمح الأولي المشار إليه، لأنها تتناول عالماً كاملاً، في ظل الحرب على السوريين، واضطرار الكثيرين والكثيرات للهجرة، في إطار هجرة الأدمغة والعقول، بالإضافة إلى هجرة الناس العاديين، وتوزعهم في بلدان العالم. هنا نجد إحدى الشخصيات تترك كل شيء وراءها لتعود إلى الوطن، وتقف إلى جانب الأهل في هذه الحرب الكبرى، كما نجد أخرى تعمل في أحد مراكز البحوث الدولية وهدفها إيجاد اللقاح المناسب لهذا الوباء، على أمل أن تضطر سلطات البلد الذي هاجرت إليه لتقديمه إلى أبناء بلدها، ويقول الكاتب في مقطع آخر: لقد تساوى الناس جميعًا في التخوف من الفيروس، وكان هو الأكثر هيمنة وقوة على الآخرين الأضعف، لاسيما بعد أن وصل العدو غير المرئي إلى البواخر والسفن والبوارج في المحيطات والبحار، وإلى الطائرات وهي في عنان السماء، بل وإلى مكاتب قادة العالم، وهم في مكاتبهم المحروسة، فما بقي أحد خارج سلطته الرهيبة... وتعتبر هذه الرواية هي العمل الروائي الرابع للشاعر، ضمن سلسلة أعمال إبداعية ونقدية وفكرية صدرت له، استخدم الروائي تقنيات عدة في عمله الجديد: توظيف النص الشعري. توظيف المقال أو الدراسة، ليختلط الحلم بالواقع، بل الخيال بالواقع الذي يتجسد في الاستعانة بأسماء حقيقية، إلى جانب شخصيات ووقائع من صنع الخيال، كما فعل ذلك في أكثر من عمل سابق، وعبر لغة يومية هي لغة المؤلف الصحفية، وبعيداً عن لغة الشاعر التي يحاول الابتعاد عنها في أعماله السردية. ويحاول الكاتب تحذير البشرية في هذه الرواية بأن ما يحصل على أرض الواقع يجب أن يدفعنا إلى إعادة التفكير في حياتنا فيقول: الدروس التي أمليت علينا، كناجين، لا بدَّ من أن نعتبر منها. لا بدَّ من أن نتعظ. هذه الدروس هي عدة حرب المواجهة لظلال فلول الحرب الكونية الكبرى وهي تمرُّ، بل هي ذاتها، وليس سواها، من أدوات مواجهة أية حرب محتملة قادمة لم يخرج أحد من الناجين من الحرب إلا وهو عارف ما عليه أن يقوم به، وما عليه أن يتجنبه، وكأن هذا الميكروب كان في الوقت ذاته أحد عظماء أكاديميي التاريخي، وقد اطَّلع على مختلف العلوم والفلسفات والآداب، بل نهل منها، كي يمحو أثرها. آثار صانعيها، وتلامذتها، وأساتذتها، وما علينا إلا أن نعد، كتاب النجاة- و-كتاب المواجه.
علاء جمعة ـ مهاجر نيوز 2022