جائزة نوبل.. وصية عالم ندم على «المحاولة البريئة»
في العاشر من ديسمبر من كل عام، يتم تقديم جائزة نوبل التي تعتبر أرقى الجوائز التي قد يحصل عليها أي إنسان لمساعدته على الارتقاء بالبشرية نحو عالم أكثر سلاما.
يحصل على الجائزة المرموقة كل مشارك بمجالات الـ(فيزياء- كيمياء- طب- أدب- فسيولوجي- سلام)، بشرط أن يكون اختراعه يهدف إلى تقليل تأثير آثار الدمار التي تخلفها الحروب بين الدول.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
سلاح ذو حدين
بالعام 1846، حاول الكيميائي الإيطالي «أسكانيو سوبريرو» اختراع ما يسمى بالـ«متفجر الآمن»، عبر تسخين حذر لنترات الجليسرين داخل أنبوب اختبار زجاجي. للأسف باءت محاولته بالفشل، فلم يستطع الغلاف الزجاجي تحمل شدة الانفجار الناتج عن ذلك التفاعل، ليتهشم الأنبوب، وتتناثر أجزاؤه لتصيب وجه سوبريرو.
أدرك السويدي وقتئذ أن تجربته فشلت تماما، فقام بإخفاء كل ما دونه عنها في محاولة منه لحفظ ذلك السر، لكن للأسف لم ينجح أيضا في ذلك، ففي العام 1866 وأثناء نقل صناديق من نترات الجليسرين لشركة بناء تقع في سان فرانسيسكو الأمريكية، حدث انفجار ضخم على إثر انفجار الصناديق بفعل الحرارة، نتج عنه 15 حالة وفاة، ليتم بعد ذلك تجريم شحن المُركب شديد الانفجار بين الولايات الأمريكية.
ألفريد نوبل ومحاولة بريئة
ألفريد نوبل هو كيميائي سويدي آخر، حاول أن يطوّر من منهج التعامل مع المُركب شديد الانفجار، فقد قام بمنح الاستقرار لنترات الجلسرين، عبر وضعها بداخل شكل أسطواني آمن، مع توفيره لغطاء له فتيل يكون المسؤول عن تسخين المسحوق داخل الأسطوانة فور اشتعاله. من ثم أطلق عليه اسم «الديناميت»، قبل أن يحصل على براءة اختراع من الهيئات المختصة بإنجلترا والسويد عام 1867.
حقيقة؛ اختراع ألفريد كان ثوريا، وربما أحد أهم الاكتشافات التي آلت بنهاية المطاف للثورة الصناعية، لأنه في ذلك الوقت، كان عمال المناجم لا يمتلكون أية أدوات تذكر لتعينهم على تفتيت الصخور لاستخراج المواد التي تستخدم في الإنشاءات والصناعات الموجودة آنذاك، فكان الديناميت حلا بسيطا ساعدهم بشدة على التغلب على تلك المشكلة، كما أنه ساعدهم أيضا على توفير المزيد من الوقت والمجهود.
تطور منطقي
«ألفريد نوبل أخبرني بأنه يريد أن يخترع شيئًا يعين البشرية على إنهاء الحرب نفسها وليس العكس»
-بيرثا فون سوتنر، الناشطة بمجال السلام.
يعتقد بأن نوبل لم يكن يريد أن يتحول اختراعه لآلة تدميرية تقتل البشر، إلا أنه أجبر على ذلك، بعد تعاونه مع بعض المؤسسات العسكرية، التي أرادت بشتى الطرق الاستفادة من ذلك الاختراع لغايات أخرى لا إنسانية.
برر نوبل سذاجة ذلك التعاون بينه وبين المؤسسات العسكرية بافتراضه أنه إذا حدث وتوصل التسليح بين الشعوب للقوة التي قد تعينهم على إبادة البشرية بثانية واحدة، فمن البديهي أن يتراجع الجميع عن تلك الفكرة الشريرة، ودون شك سيتم تفكيك الجيوش، إلا أن ذلك لم يحدث فسباق التسليح لم يتوقف إلى وقتنا الحالي، ربما كان ألفريد ساذجًا زيادة عن اللزوم.
جائزة نوبل
ندم ألفريد على اختراعه دون شك، حتى وإن كانت غايته بريئة من الدماء التي خلفها الديناميت، لكنه لم يكن يمتلك سوى أن يترك وصية تم اكتشافها عند وفاته عام 1896، بأن يتم تقديم جائزة سنوية لكل من يقدم اختراعا يفيد البشرية فعلا، بعد تركه مبلغا من المال جمعه من ذلك الاختراع المشؤوم، لتمنح أول جائزة حملت اسمه بالعام 1901 للعالمين «جيان هنري دونانت» و«فريدريك باسي» على إثر جهودهما في العمل الإنساني لمعالجة الجنود المصابين بالحروب.
نال أيضًا عدد من الأسماء العربية شرف الحصول على هذه الجائزة الشرفية بمجالات مختلفة، فقد حصل الرئيسان السابقان لجمهورية مصر العربية وفلسطين، محمد أنور السادات وياسر عرفات، على الجائزة تكريمًا لجهودهما لتحقيق السلام العالمي عامي 1978 و1994. بالإضافة إلى السياسي المصري محمد البرادعي الذي حصل على الجائزة في عام 2005 تقديرا لجهوده في احتواء انتشار الأسلحة النووية. كما حصل كل من الصحفية توكل كرمان (اليمن) والعراقية نادية مراد على نفس الجائزة.
بينما حصل الأديب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب عام 1988 باعتبار أدب نجيب محفوظ تجسيدا للواقعية، فيما حصد الدكتور أحمد زويل جائزة نوبل في الكيمياء تقديرا لمجهوداته البحثية في الكيمياء وتحديدا في مجال الفيمتو.
لم تخل هذه الجائزة أيضا من انتقادات عدم الاستحقاق، فقد حدث وانتقدت أصوات عديدة حصول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على الجائزة عن جهوده بمجال السلام عام 2009، كما انتقد بشدة منحها بنفس المجال للناتو عام 2012 نظرا للاعتقاد السائد وقتها بأن الحلف لم يتعامل بشكل مناسب مع كارثة اليونان الاقتصادية.