توقف عن كونك لطيفاً في العمل وإليك الأسباب
اللطف يولّد الشّك: ستبدو مخادعاً أو مزيّفاً
إعطاء طابع بانعدام الثقة بالنفس
"توقف عن كونك لطيفاً في العمل.." لماذا؟ وفي الأحوال العادية، دائماً ما يُطلَب منّا أن نكون لطيفين! في المنزل، في الشارع، في العمل، وفي أي مكان، حتى أننا يجب أن نكون لطيفين مع أنفسنا! ولكن، كما تقسى الأم على ابنها في التربية حتى يغدو إنساناً قوياً وجيداً في المستقبل، أحياناً، يجب أن نعاير لطافتنا في بعض الأماكن.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يعتمد بعض المدراء في عملية بناء فرقهم على اللطف، فيحرصون على توظيف الناس اللطفاء، ويشجعّون التفاعلات اللطيفة والودّ بين زملاء العمل، المجاملات وتبادل التهذيب، وبينما يبدو هذا الأمر لوهلة جيداً كتصميم خارجي للعمل، ولكن لا يلبث أن يتغير الوضع عندما يبدأ العمل الجدّي، فترى الجدالات والصراعات والتوتر يسود أماكن العمل، يستغرب المدير هنا من السّرعة الذي انقلب فيها هذا الودّ إلى بيئة عمل مدمّرة، والسّبب في ذلك يكون الإدارة الضعيفة المعتمدة في ثقافتها على اللطف السّام، فالعمل لا يحتاج اللطف الزائد، بل سنكتشف أنه يحتاج إلى الطّيبة؛ والتي يمكننا تعريفها أنها الشقيق الأكثر حكمة من اللّطف، يحتاج العمل القليل من الطيبة في جوٍّ من الحزم.
سأدرج هنا لك عزيزي الأسباب التي تدعوك إلى التخلّي عن السياسة اللطيفة في العمل، سواء كنت مديراً، أو حتى موظفاً في الشركة، سنرى لمَ "اللطف" في العمل هو شيء غير مرغوب، وكيف تحلّ "الطيبة" مكانه.
اللطف يولّد الشّك: ستبدو مخادعاً أو مزيّفاً
عندما تزيد اللطافة عن حدودها، وتكون أنت لطيفاً بشكلٍ زائد عن الحدود الطبيعية، ذلك يولّد الشك لدى الآخرين بأنك غالباً عكس ما تُظهر، فعموماً، معروفٌ عن الإنسان اللطيف بشكل زائد أنه مخادع، ويمكن كشفه عند أول موقف صعب أو سيء، سترى أن لطفه قد تلاشى بسرعة البرق، وأضحى إنساناً آخر. في العمل، عندما يبدو أحد أعضاء الفريق لطيفاً، لن يتم الترحيب به، سيشكّ الجميع بكونه إمّا مخادعاً وسيُكشف عاجلاً أم آجلاً، أو سيئاً ويمكن أن يطعن في الظهر، أو يتلاطف من أجل مصلحته الشخصية فقط، ولن يكوّن فيما بعد صداقات حقيقية مع رئيسه أو زملائه.
في بيئات العمل، الحزم واجب كي يلتزم كلٌّ بعمله والطيبة مطلوبة أيضاً، فلا يمكن لجوّ العمل أن يكون جافاً. ولكن ما هو الإنسان الطيّب؟ الأشخاص الطيّبون يتعاملون مع غيرهم بجدّية مخلوطة بالمعاملة الطّيبة، فيعرفون ما لهم وما عليهم، ويتكلمون من داخلهم، لا يخادعون، هم ثابتون في قناعاتهم الداخلية بكونهم محترمين لذا لا يتأثرون بالعوامل الخارجية، لا يفتعلون اللطافة لأنه لا يمكنهم ذلك، لأنهم حقيقيون، وهؤلاء هم من يبعث على الثقة في بيئة العمل، يكتسبون الثقة وبإمكانهم التأثير بمن حولهم بسهولة مهما كان مسمّاهم الوظيفي.
إعطاء طابع بانعدام الثقة بالنفس
اللّطف الزائد في أي بيئة كانت قد ينمّ عن حاجة الشخص لأن يكون محبوباً ممن حوله، يكون دافعه الأول والأهم أن يُظهر الآخرون محبتهم له لأنه "لطيف"! ولكن سرعان ما تتلاشى هالة المحبة المفتعلة تلك، هذا لو أُنشئت حتى. قد يظهر الأشخاص اللطفاء والطيبين نفس السلوكيات تقريباً، ولكن يختلف كونك لطيفاً عن كونك طيوّباً بالدّوافع.
في حين أن دوافع اللطفاء لكونهم لطفاء هو – كما قلنا – كسب محبة الآخرين وإدارة "سمعتهم" بشكل جيد، وذلك ليظهروا بمظهر جيد أمام الجميع وخاصة أمام الأشخاص المهمين، ويبدون في أعلى مراتب اللطافة ليتلقوا المكاسب حتى لو كانت كلامية فقط. يدير الموظفون الطيّبون أعمالهم بسمعة جيدة، ولكن ليس ذلك هو ما يسعون له، بل يكون المسعى الأهم هو إتمام العمل على أكمل وجه، تقديم كامل الإمكانيات حتى لو لم يكن المرود المادي أو المعنوي فوري، تقديم المساعدة والتعاطف مع الآخرين ومراعاة احتياجاتهم وذلك لبناء فريق عمل قوي ومساعدته على الشعور بالأمان، وهذا ما ينمّ عن ثقة قوية بالنفس، لديهم حسن نية حقيقي في العمل دون قيود لطافة.
اللطافة تُبطئ التقدم في العمل
الرغبة القوية لدى اللطفاء بأن يكونوا محبوبين قد تؤثر على سيطرتهم العملية في مكان العمل، فيترددون دائماً في إثارة الخلاف، ويتجنبون الصراعات وإثارة الآراء المخالفة حتى عندما يكون ذلك لازماً وضرورياً، فاجتماعات العمل تحتاج تضارب الآراء والمناقشات حتى تتم الاستفادة بأقصى حدّ من العقول جميعها، ولكن الرئيس اللطيف يتجنّب أحياناً إحراج أحد، أو حتى أن يطلب من أحد أن يدلي برأيه، أو أن يقول رأيه السلبي في اقتراح أحد الموظفين! رغبته القوية في أن يبقى محبوباً تفوز دائماً!
في هذه الحالة، تتراكم القرارات السيئة والنكسات العملية والخيبات التي تنتج عن انعدام التحدّث بصوتٍ عالٍ لتجنّب المحادثات غير المريحة، وهذا ما يؤدي إلى إبطاء التقدم، وأحياناً التراجع المهني، حيث يواجه فريق العمل قرارات مكلفة عملياً ومادياً.
أما زملاء العمل والمدراء الطيبين، فلديهم القدرة والشجاعة على قول الحقيقة باحترام حتى لو كانت ناقدة بشدّة أي حتى لو اعتبرتهم غير لطفاء، ولكنهم يُظهرون لك محبتهم ومسعاهم الطّيب وراء كلماتهم، ستكتشف في النهاية أن جرأتهم هذه في التحدّث إليك بذاك الشكل ليست إلا لحل المشكلات وتحفيز الابتكار لديك، أي زيادة علمك وابتكارك وإنتاجيتك، وبالتالي الانطلاق بفريق العمل نحو الأعلى. [1]
قد تبدو مملاً للبعض وستفقد احترامك
من الرائع أن تكون إنساناً مهذباً ومؤدباً، ولكن دع شخصيتك تظهر أيضاً. يبدو اللطف الدائم مملاً، أن تكون دائماً شخصاً ودوداً، عند الحاجة وعدم الحاجة لذلك، حتى عندما يتطلّب الموقف أن تكون حازماً، لا يمكنك ذلك لأنك ودود، هنا قد يبدأ الجميع بالملل من رداء اللطافة الذي ترتديه، لأنه غير حقيقي. لن تحظى بالاحترام اللازم بعد أن يجدوك مملاً.
لا تستطيع قول "لا"
الشخص الطيّب، يعرف ما له وما الذي يتعين عليه فعله، لذا هو يعلم واجباته وحقوقه، ويضع حدوداً للآخرين، أما بالنسبة للطيف الذي بسبب لطافته، لا يستطيع قول "لا" لأي طلب يُطلب منه كي يُثبت لطافته، فقد ينتهي به الأمر بالموافقة المُسبقة، أي سيفترض الناس أنه موافق حتى لو قال "لا" في إحدى المرّات، ستؤخذ هذه الـ "لا" على محمل المزح، وسيحاولون إقناعه مراراً وتكراراً بطلباتهم، لأنهم يعرفون أنه "لطيف"! ومن الصعب أن يرفض!
حتى أن ذلك سيؤثّر عليك مستقبلاً، فإذا لم تستطع الرّفض، ستعاني من ضغوطات ومسؤوليات ربما لم تكن بالحسبان أيضاً، عدا عن شعورك بالذّنب لو أردت التخلّص من هذه العقدة، فكلّ طلبٍ سترفضه ستشعر كما لو أنك حقير أو خائن أو لستَ أهلاً للصداقة، لأنك بمجرد أن تصبح مشهوراً بعدم رفضك لأي شيء، فسيفهم الناس الأمر بطريقة خاطئة لو قررت التغيّر ووقفت يوماً مدافعاً عن نفسك، سيصابون بخيبة أمل منك لأنك ستبدو أنانياً بنظرهم: "لقد كنت شخصاً جيداً، لكنك تغيّرت للأسف".
ستُصبح عُرضة للاستغلال
واستكمالاً للبند السابق، بما أنك لا تستطيع قول "لا"، فأنت ستكون عُرضة للاستغلال لفترة كبيرة، سينظرون إلى لطفك على أنه علامة ضعف، وسيستخدمونها في تلبية حاجاتهم بدون أدنى تفكير بك. لأقرّب لك الموضوع أكثر: سيبدو الأمر كما لو أنك تتعامل مع طفل صغير، أعطيته قطعة حلوى من علبة الحلوى، فلمّا انتهى منها بدأ يأخذ من العلبة لوحده، دون استئذان. هذا النوع من الأطفال يستعمل لطافتك ويلعب على وترها، ويصبح في كل مرة يراك، يتخيلك علبة حلوى يجب أن يأكل منها، وهكذا هم زملاؤك في العمل إذا كنت لطيفاً معهم بشكل يتعدى حدود الطيبة. [2]
هذا كلّه سيؤثر على حياتك الشخصية، وقتك وأعمالك، سيأخذ الكثير منك على حسابك، وفي النهاية، إذا حاولت التغيّر، فستكون في نظرهم ذاك الذي معدنه ليس أصيلاً. من المحتمل أن ينتهي الأمر بك بالشعور بالتجاهل، وعدم الرضا في العمل.
في النهاية، لا يهمّ مدى لطافتك في العمل كما تهمّ إنتاجيتك وقدرتك الجيدة على العمل بروح الفريق والابتكار والتعلّم، فبغضّ النظر عن دورك المهني، سواء مدير عام أو مدير لمجموعة في قسم من الشركة، أو موظّف عادي، فما يهمّ هو أداؤك في العمل. قيّم عملك بدوافعك وسلوكك، وحاول أن تكون على طبيعتك، هذا كافٍ لإنشاء مساحات عمل جيدة وتطوّرية.