توصية بتشريع الإجهاض في ألمانيا.. بين الترحيب والمعارضة
أوصت لجنة قامت الحكومة الألمانية بتعيين أعضائها بضرورة بتشريع الإجهاض رسميا، يحث يكون مسموحا به خلال الأسابيع الإثني عشر الأولى من الحمل، في خطوة قد تمهد الطريق أمام اتخاذ خطوات تاريخية في البلاد.
ومازال الإجهاض غير قانوني وجريمة جنائية في ألمانيا بموجب الفقرة (219 إيه) من قانون العقوبات، لكن ورغم ذلك، فإن الإجهاض لا يخضع للعقوبة إذا تم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل وتلقت المرأة المشورة فيما يُسمح بالإجهاض أيضا في حالات الاغتصاب أو إذا كانت حياة المرأة أو صحتها البدنية أو العقلية معرضة للخطر.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وتعرض القانون لانتقادات منذ فترة طويلة خاصة وأنه جرى تشريعه قبل 30 عاما فيما تعهد الائتلاف الحاكم الذي يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، بالعمل على تعديل التشريع والخروج بقانون يجيز الإجهاض.
وفي هذا السياق، قدمت لجنة عينتها الحكومة الاثنين (15 أبريل / نيسان) توصياتها التي تشمل الدعوة إلى إلغاء الحظر الدستوري القديم على الإجهاض.
وفي تعليقها، قالت كاتيا ماست، السياسية التي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إن التوصية تحمل في طياتها أمرا جديدا يتمثل في أن الإجهاض المبكر لن يكون جريمة جنائية، مضيفة "أعتقد أن اللوائح المتعلقة بالإجهاض لا تنتمي إلى القانون الجنائي لأنها - في رأيي - تقرر وصم النساء بالعار".
مخاوف الكنيسة الكاثوليكية
وتباينت أراء المؤسسات الدينية إزاء توصيات اللجنة، إذ قال رئيس الأساقفة الكاثوليكي هاينر كوخل في تصريح لوكالة الأنباء الكاثوليكية "نفضل الالتزام بالتشريع الحالي لأنه يثمن احتياجات الأم واهتماماتها ويوفر الحماية للجنين".
وانتقدت اللجنة المركزية للكاثوليك في ألمانيا التوصيات على وقع أنها تمنح الجنين حماية أقل في المراحل الأولى من الحمل.
في المقابل، رحبت منظمة Pro Familia أو "بروفاميليا" والتي تعني بالعربية "من أجل الأسرة"، بالتوصيات حيث دعت إلى إلغاء تجريم الإجهاض بشكل كامل وإلغاء الاستشارة الإجبارية.
معارضة الأحزاب المحافظة
وسياسيا، جاء جُل المواقف المعارضة من الأحزاب المحافظة إذ حذر زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض فريدريش ميرتس من أن التعديل من شأنه أن يدفع الحكومة "صوب صراع اجتماعي كبير في البلاد".
وفي تصريحات صحافية، أبدت دوروثي بار، السياسية البارزة في الاتحاد الاجتماعي المسيحي شقيق الحزب الديمقراطي المسيحي، "اندهاشا من أن حماية حياة الجنين لم تكن موضع اهتمام".
ولم تتوقف معارضة التوصيات الجديدة على هذين الحزببين، بل انتقد أيضا حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي دعوات تشريع الإجهاض .
ودعا حزب اليسار الحكومة إلى تسريع الإجراءات الرامية إلى السماح بالإجهاض.
ويقول مراقبون إنه في حالة مضي الائتلاف الحاكم في طرح التوصيات الجديدة على البرلمان، فإن موقف الحزب الديمقراطي المسيحي - الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة مع شقيقه البافاري - سيكون متناغما مع حزب "البديل" وهو ما سيمثل معضلة للحزب الديمقراطي المسيحي على وقع تعهده السابق بعدم التعاون مع حزب "البديل".
ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل سيواجه حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي معضلة أخرى إذا قام بالطعن على مشروع القانون أمام المحكمة الدستورية الفيدرالية أو قام حزب "البديل" بتلك الخطوة أو كليهما.
إنهاء الحظر على الإعلان عن عمليات الإجهاض
ويشير المراقبون إلى أن الحكومة الحالية قد وفت ببعض تعهداتها، إذ في منتصف عام 2022 صوت البرلمان على رفع الحظر المثير للجدل على الإعلان عن عمليات الإجهاض . وصوتت أغلبية كبيرة من أعضاء البرلمان لصالح التشريع فيما صوت ضده نواب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والبديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي.
وقبل تعديل التشريع، فإن الأطباء الذين كانوا يقدمون معلومات حول عمليات الإجهاض بشكل علني يواجهون ملاحقة قضائية. في السياق ذاته، يعمل المشرعون على تشريع قانون يجرم قيام الناشطين المناهضين للإجهاض بالاحتجاج قرب المراكز الصحية أو المستشفيات أو عيادات الأطباء حيث يتم إجراء عمليات الإجهاض.
تجدد الجدل في أمريكا وأيرلندا وفرنسا
ولم يعد الجدل بشأن الإجهاض حكرا على ألمانيا إذ تشهد الولايات المتحدة نقاشا ساخنا حول القضية منذ القرار الذي اتخذته المحكمة العليا الأمريكية في يونيو / حزيران عام 2022 والذي قضى بإلغاء الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض في البلاد والصادر منذ نحو 50 عاما.
وعلى وقع القرار، بات من حق كل ولاية تنظيم قوانين الإجهاض فيما أعادت بعض الولايات فرض قيود صارمة على الإجهاض حيث وصل الأمر إلى قيام المحكمة العليا في أريزونا بإعادة قانون يعود إلى حقبة الحرب الأهلية وتحديدا إلى عام 1864 يجرم الإجهاض بشكل قاطع.
وخلص قرار المحكمة العليا إلى أن القانون الصادر في الولاية قبل 160 عاما، قابل للتنفيذ فيما لاقى القرار استنكارا من الرئيس جو بايدن.
الجدير بالذكر أن 57 بالمئة من الأمريكيين قالوا إنه يتعين تشريع الإجهاض في أغلب أو كل الحالات، بحسب استطلاع أُجرى في مارس / آذار الماضي.
وأوروبيا، كشف استفتاء أجرى عام 2018 في أيرلندا، عن أن أغلبية الثلثين توافق على تشريع الإجهاض فيما مثلت النتائج مفاجئة في ضوء أن إيرلندا تعد بلدا كاثوليكيا محافظا.
وفي مارس / آذار الماضي، صادق البرلمان الفرنسي خلال جلسة بقصر فرساي على إدراج حق الإجهاض في الدستور ، لتصبح فرنسا أول دولة في العالم تتخذ هذه الخطوة في سابقة تاريخية.
ورغم الترحاب الكبير بالقرار سواء داخل فرنسا أو خارجها، إلا أن رئيس أساقفة باريس السابق، ميشال أوبيتيت، انتقدت الخطوة إذ كتب في تغريدة، قائلا: "القانون يحث ضمير الإنسان على القتل".
ويقول مراقبون إن ألمانيا قد تشهد نقاشا ساخنا في حالة مضت الحكومة في تنفيذ توصيات اللجنة التي دعت إلى تشريع الإجهاض.
وتشير منظمات نسائية إلى أنه مع تدني معدلات الإجهاض القانونية في ألمانيا، فقد قل عدد النساء اللاتي خضعن لعمليات إجهاض بمرور الوقت حيث شهد عام 2021 أقل معدل للإجهاض في البلاد منذ عام 1996 الذي تزامن مع بدء تسجيل إحصائيات حول عمليات الإجهاض في البلاد.
يشار إلى أنه منذ عام 2003، انخفض عدد الأطباء الذين يبدون استعدادهم لإجراء عمليات الإجهاض في ألمانيا بنسبة 40٪ فيما لا يوجد في البلاد في الوقت الحالي سوى 1200 عيادة أو منشأة طبية حيث يمكن لسيدة حامل إجراء عملية إجهاض بشكل قانوني بعد أن كان عدد هذه العيادات يفوق الألفين قبل عشرين عاما.
أعده للعربية: محمد فرحان