تميم البرغوثي شاعرٌ فلسطيني ذو جناحين
حمل حرفه هويةً، فتحمل عبئ الهويتين المصرية والفلسطينية وكل مواقف الرفض، ترجم الشعر والشاعرية التزاماً بالإنسان وقضاياه أين ما كان، فصار صوته الشعري جوازَ سفرٍ يجتاز الحدود، الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي الذي برز بعد عام 2003 كقلم شعريٍّ هامٍ في العالم العربي، نهل من إرث الأسلاف وفتح آفاق القصيدة على هموم الإنسان المعاصر وتميز بكاريزما في إلقائه الشعري لا تقل عن كاريزما كلماته. سنتحدث في هذا المقال عن مسيرة تميم الشعرية وأهم مؤلفاته، بالإضافة إلى أهم ما قيل عنه.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
أهم المحطات في حياته
ولد تميم البرغوثي في القاهرة عام 1977 وهو ابن الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي والروائية المصرية رضوى عاشور، وفي نفس الفترة التي ولد فيها تميم كانت الحكومة المصرية قد شرعت بعملية السلام مع إسرائيل، التي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، فطرد أنور السادات معظم الشخصيات الفلسطينية البارزة آنذاك وكان من ضمنهم الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي. لذلك قضى تميم طفولته في مصر قبل أن تتسنى له العودة إلى فلسطين.
ثم حصل تميم على شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1999 من جامعة القاهرة، كما حصل على ماجستير في تخصص السياسة والعلاقات الدولية من الجامعة الأمريكية في القاهرة، و على شهادة دكتوراه في العلوم السياسة من جامعة بوسطن في أمريكا عام 2004.
أول ديوان له وقصيدته الأولى.. باللهجة الفلسطينية المحكية
نظم تميم أول قصيدةٍ له في سن الثامنة عشرة وهي قصيدة "الله يهديها فلسطين" وكتبها بالعامية الفلسطينية، وفي عام 1999 نشر ديوانه الأول واسمه "ميجنا" وكتبه باللهجة الفلسطينية المحكية وكان عمره حينها 22 عاماً وبعدها بعامٍ نشر مجموعته الثانية واسمها "المنظر" وكتبها باللهجة المحكية المصرية.
في عام 2003 عشية الغزو الأمريكي للعراق غادر تميم مصر، لمعارضته الغزو الأمريكي وموقف الحكومة المصرية من الغزو، وأثمرت تجربته السياسية حينها عملين أعطيا تميم شهرةً كبيرةً في العالم العربي وهما " قالولي بتحب مصر" وكتبه باللهجة المصرية المحكية، أما العمل الثاني فهو "مقام عراق" وكتبه تميم باللغة العربية الفصحى، وفي عام 2007 كتب رائعته "في القدس" التي قدمها في مسابقة أمير الشعراء عام 2007 (سنتحدث عن ذلك في وقت لاحق من هذا المقال).
وبعد سقوط نظام حسني مبارك عام 2011 كتب الشاعر قصيدة "يا مصر هانت وبانت" ورددت هذه القصيدة في ميدان التحرير ولحنها وغناها الملحن والمغني المصري مصطفى سعيد.
ملك تميم الموهبة الشعرية وتعلم التكنيك
تستند القدرة الشعرية إلى الموهبة والسليقة، كما تستند إلى معرفة تكنيك كتابة الشعر الموزون المتمثل بإتقان علم العروض والبحور الخليلية، وتلعب البيئة التي يربى فيها الشاعر والزمان والمكان؛ دوراً كبيراً في إرساء طابعها على قلمه، والشاعر تميم البرغوثي كان كذلك، حيث عاش طفولته بعيداً عن والده الذي أبعد عن مصر بعد زيارة أنور السادات للقدس عام 1977، فصار عند تميم تفكيرٌ بماهية السلطة التي يمكن أن تبعد طفلاً عن والده، وبدأ يفكر بالقوة التي ستخلصه مما هو فيه.
وفي فترات اللقاء القصيرة التي كانت تجمع تميم بوالده كان يرى والده مريد يقرأ الشعر الفصيح دون أن يقاطعه أحدٌ فكان يدرك أن طبيعة الكلام الذي يقوله والده مختلفا عن الكلام العادي فهو ذو موسيقى ومقفى أيضاً، وبعد تفتح وعي تميم بدأ يدرك أن القوة التي كان يبحث عنها سيجدها في اللغة العربية الفصحى ولغة الشعر، فاندفع يكتب الشعر وتعلم تكنيك كتابته المتمثل بعلم العروض من والده مريد، كما كان لوالدته الروائية الراحلة رضوى عاشور دوراً كبيراً أثناء غياب أبيه تمثل بتعميق انتمائه لفلسطين خلال فترة حياته في القاهرة.
"تميم البرغوثي شاعرٌ ذو جناحين"
كتب الشاعر تميم البرغوثي شعراً باللهجة المحكية المصرية والمحكية الفلسطينية وحلق في فضاء القصيدة الفصيحة، فوصفه الشاعر المصري أمين حداد قائلاً: "إن الشاعر تميم البرغوثي متنوع الثقافات كما أن شعره يليق بالفتوحات الإسلامية كفتح مكة والأندلس وبيت المقدس، بالإضافة إلى أنه شاعرٌ ذو جناحين كتب الشعر باللهجتين الفلسطينية والمصرية".
كما وصفه الشاعر المصري بهاء جاهين قائلاً: "يتميز الشاعر تميم البرغوثي عن شعراء جيله بأنه قرأ التراث الكلاسيكي وكتب الشعر الفصيح بالإضافة إلى الشعر المحكي باللهجتين المصرية والفلسطينية".
لم يفز بلقب الأمير لكنه فاز بالشهرة
شارك الشاعر تميم البرغوثي بمسابقة أمير الشعراء عام 2007 (وهو برنامج نظمته لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والإدارية في إمارة أبو ظبي) وشارك في المسابقة 35 شاعراً من مختلف أنحاء الوطن العربي تنافسوا على اللقب، قدم تميم عدة قصائد خلال المسابقة وتمكن من الوصول إلى المرحلة الأخيرة من المسابقة والفوز بالمركز الخامس منها وفقاً للتصويت الذي حصل عليه.
قدم تميم عدة قصائد خلال المسابقة وأهمها، قصيدة "ذنوب الموت" وهي من الشعر العمودي وقصيدة "مقام عراق" من ديوانه مقام عراق، أما أشهر قصائده فكانت قصيدة "في القدس" التي منحته شهرةً كبيرةً في فلسطين والعالم العربي، وجمع تميم في قصيدة "في القدس" بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة، حيث أجراها على بحرين عروضين هما البحر الطويل ويجريه على المقطع العمودي والأول من القصيدة، والبحر الكامل ويجريه على الجزء الآخر من القصيدة وهو من شعر التفعيلة.
اعتمد تميم على السرد حيث كان يقص مشواره إلى القدس ومنعه من الدخول إلى الصلاة في بيت المقدس ثم عودته خائباً، كما استند الشاعر إلى التاريخ وقدم صوراً تدل على العمق التاريخي لمدينة القدس، كقوله في أحد مقاطع القصيدة مشيراً إلى تاريخ مدينة القدس:
"امرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ
فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ و الصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ
والتتار والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ،
فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى".
ويأخذ تميم القارئ في رحلةٍ إلى القدس بين سطور القصيدة، مصوراً كل ما يمكن رؤيته في المدينة، ما جعل لجنة التحكيم تصفها بأنها مونو دراما (مسرحية الشخص الواحد) وتصوير لتفاصيل القدس.
أهم مؤلفات تميم البرغوثي الشعرية
تنوعت مؤلفات تميم بين الشعر المكتوب باللهجة المحكية المصرية والمحكية الفلسطينية بالإضافة إلى القصائد التي كتبها بالشعر الفصيح وأهم مؤلفاته:
- ديوان يا مصر هانت وبانت وصدر عام 2011 عن دار الشروق، وهو مكتوب باللهجة المحكية المصرية.
- ديوان في القدس وصدر عام 2008 عن دار الشروق باللغة العربية الفصحى.
- ديوان مقام عراق كتبه إباّن الغزو الأمريكي للعراق ونشر عام 2005، ويجمع تميم في هذا الديوان بين النثر والسرد والأغنية بالإضافة إلى الشعر العمودي وشعر التفعيلة.
- ديوان المنظر وصدر عام 2002 عن دار الشروق.
- ديوان ميجنا وهو أول ديوان أصدره الشاعر وكان ذلك عام 1999.
مقتطفات من ديوان مقام عراق
يعتبر الشاعر تميم البرغوثي أن الحزن يكون ترفاً في فترة الحرب، لأنه لا سبيل للخلاص إلا بالمقاومة، فيقول في ديوانه مقام عراق:
كُفّوا لسـانَ المراثـي إنها تَـرَفُ عن سائرِ المـوتِ هذا المـوتُ يختلفُ
يا من تصيـحونَ يا وَيْلِي ويا لَهَفِي واللهِ لم يـأْتِ بعدُ الوَيْـلُ واللَهَـفُ
ضَـلَّ الكَـلامُ وضَلَّ المهـتدونَ به إن الصـفاتِ خِيـاناتٌ لمـا تَصِـفُ
المـرءُ سـِرّ ووَجْـهُ المَرْءِ يـكتُمُهُ تَحتـارُ هَلْ عرفوا أم بَعْـدُ ما عرفوا
تُخْبِـرُهم فَتَرى في صمـتهم خَدَراً كالشيـخِ عَزَّاهُ عن قَتْـلِ اْبْنِه الخَرَفُ
إن يصـبروا لا تُصَدِّقْ أنهم صَبَرُوا أو يضـعفوا لا تُصَـدِّقْ أنهم ضَعُفُوا
تعانق الموت فيهم والحياة كما تعانقت في الحروف اللامُ والألفُ
نادية علبوني: "روح عمرو بن كلثوم تخفق في جسد تميم"
كتبت الصحفية الفلسطينية نادية العلبوني مقالاً في الحوار المتمدن تنقد فيه أسلوب الشاعر تميم البرغوثي القائم على استرجاع بطولات الأسلاف وأمجادهم، وشبهته بأنه شاعرٌ ماضوي يعيد إنتاج ما كتبه الأسلاف وقالت "روح عمرو بن كلثوم لا تزال تخفق في جسد الحفيد" وتقصد تميم، وفي لقاءٍ أجراه الإعلامي زاهي وهبة مع الشاعر تميم البرغوثي في برنامج بيت القصيد سأله حول رده على ما قالته نادية علبوني، قال تميم: " أنا اختلف مع من يقول ذلك في مفهومي للزمن فأنا لا أنظر للماضي بأنه أكفأ أو أسوأ بل القارئ من يحدد ذلك، فإذا كان ما يسمعه هو الأكفأ فلا يهم إذا كان من الماضي أو الحاضر أو كان شعراً عمودياً أو نثرياً".
تميم البرغوثي.. الذي ينحدر من أسرةٍ لها باعٌ طويلٌ بالأدب والشعر والنضال، لم يعش على مجد الآباء وإنما انطلق يحفر بصمته في عالم الشعر، فأصبح صوتاً شعرياً بارزاً في العالم العربي، دافع عن هويته وفهم الشعر التزاماً بقضايا الإنسان. كتب تميم شعراً باللهجة المحكية المصرية والفلسطينية واللغة العربية الفصحى، ولقب بالشاعر ذو الجناحين، اشتهر ديوانه مقام عراق الذي جمع فه بين النثر والشعر العمودي وشعر التفعيلة والسرد، كما اشتهرت قصيدته "في القدس" بعد أن قدمها في مسابقة أمير الشعراء عام 2007.