تقنين استهلاك الحشيش.. هل المنافع أكبر من الأضرار على الصحة؟
يعتبر الحشيش ثالث أكثر المواد المؤثرة نفسيا استهلاكا في العالم بعد الكحول والتبغ، وأغلب متعاطي الحشيش من البالغين الشباب. ويزداد تقبل الرأي العام لاستهلاكه حول العالم، وقد لجأت العديد من الدول إلى تقنين هذا الاستهلاك والسماح ببيعه وتعاطيه ضمن شروط محددة، وربما تصبح ألمانيا أيضا قريبا إحدى البلدان التي تقنن وتسمح بتعاطي وبيع الحشيش.
متعة جنسية أكبر وحماية من الإصابة بكورونا!
لكن هل الحشيش هو البداية الخطرة للإدمان على المخدرات أم أنه الدواء الشافي؟ في الأشهر الماضية تم نشر العديد من الدراسات التي تشير بعضها إلى فوائد الحشيش وأخرى إلى مخاطره الكبيرة.
فقد توصلت دراسة أجرتها جامعة ألميريا الإسبانية إلى أن متعاطي الحشيش لديهم قدرة جنسية أكبر ويستمتعون أكثر لدى ممارسة الجنس. "وهذا مرتبط بتراجع حدة الخوف والحياء، وهو ما يسهل عملية ممارسة الجنس"، حسب نتائج الدراسة.
وقبل أسبوع توصل الباحثون في جامعة ولاية أوريغون الأمريكية، إلى أن الحشيش يساعد في العلاج والوقاية من كورونا، حيث أنه يمنع دخول الفيروس إلى الخلايا، وبالتالي يحمي من لإصابة بعدوى الفيروس.
إذن مادة تي اتش تي/ THC ذات التأثير النفسي الموجودة في الحشيش توفر متعة أكبر لدى ممارسة الجنس، وحمض القنب يحمي من عدوى فيروس كورونا، أليس هذه حجة كافية ومقنعة لصالح النبات المعجزة؟
مشكلة التركيز الطويل الأمد
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فتعاطي الحشيش يمكن أن يؤدي إلى ضعف في الإدراك طويل المدى، وخاصة لدى الشباب القصر الذين لا تزال أدمغتهم في طور النمو. وقد ظهر هذا في تحليل جديد لعشر دراسات، نشرت في مجلة "أديكشن/ Addiction" البريطانية العلمية المتخصصة والتي تهتم بالدراسات عن الكحول والمخدرات.
حيث أشار تقييم المعلومات المتعلقة بـ 43 ألف شخص، إلى أن "المادة السامة" في الحشيش تسبب ضعفا بسيطا إلى متوسط الدرجة في الإدراك، أو حينما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات، أو حين يريد المرء التعلم من خلال القراءة والاستماع، أو إذا أراد ملاحظة وتذكر ما قرأه أو استمع إليه. وهذا التأثير السلبي على عملية الإدراك يمكن أن يستمر طوال فترة تعاطي الحشيش.
وبالتالي فإن تعاطيه يمكن أن يؤدي إلى تراجع مستوى الطالب وانتاجية العامل ومخاطر لدى قيادة السيارة. و"هذه العواقب يمكن أن تكون وخيمة لدى التعاطي المنتظم والمكثف للحشيش"، حسب ما يقول الدكتور ألكسندر دوميس، الباحث المشارك في الدراسة والأستاذ في جامعة مونتريال الكندية.
وصحيح أن البالغين الذين تعاطوا الحشيش بكثرة خلال شبابهم، حققوا نتائج أسوأ من غيرهم في اختبارات الذكاء، وكانوا أقل نجاحا في المدرسة والجامعة؛ لكن حتى الآن ليست هناك أدلة قاطعة على وجود علاقة مباشرة بين ذلك والحشيش. وهناك أيضا خلاف حول ما إذا كان لاستهلاك الحشيش من قبل البالغين تأثيرات سلبية طويلة الأمد.
خطر أكبر على أدمغة المراهقين
لكن ما ليس هناك خلاف عليه بين الباحثين، هو أن استهلاك الحشيش يسبب ضررا أكبر لأدمغة صغار السن، وهذا ما أشارت إليه دراسة نشرت في يونيو/ حزيران الماضي، بعد فحص وتصوير أدمغة 800 مراهق. حيث تبين أن قشرة الفص الجبهي قد تأثرت بشكل خاص، أي منطقة الدماغ التي يتم فيها التحكم بالنبضات وحل المشاكل والتخطيط. وحسب نتائج الدراسة، فإن المراهقين الذين تم فحص أدمغتهم، كانوا أكثر اندفاعا ووجدوا صعوبة في التركيز أكثر من المراهقين الآخرين الذي لم يتسهلكوا الحشيش. وكلما زاد تعاطي المراهقين للحشيش، زادت خطورة العواقب.
خطر الإصابة بالذهان واضطرابات نفسية
إن الاستهلاك الكثير للحشيش يمكن أن يؤدي إلى الذهان وخاصة لدى الشبان. فمن يدخن الحشيش يوميا، معرض للإصابة بنوبات الذهان ثلاث مرات أكثر ممن لم يتعاطاه، وذلك وفق دراسة عابرة لأوروبا أجراها أطباء نفسيون في مستشفى أولم الجامعي في ألمانيا. وما يسبب ذلك هو مادة تي اتش سي/ THC ذات التأثير النفسي الموجودة في الحشيش، والتي زادت نسبتها في الحشيش المستهلك في أوروبا من 8 بالمائة إلى 17 بالمائة بين عامي 2006 و2016.
هذا ولا يؤدي الاستهلاك المنتظم والمرتفع لـ تي اتش سي/ THC للإصابة بالذُّهان فحسب، بل قد يؤدي أيضا إلى اضطرابات القلق والاضطرابات ثنائية القطب أو الاكتئاب. لكن لم يحسم الباحثون بعد ما إذا كان استخدام الحشيش يسبب هذه الاضطرابات أم أن المراهقين الذين يعانون من مثل هذه المشاكل النفسية أكثر عرضة لاستهلاك الحشيش بكميات أكبر.
تنامي تقبل المجتمع لاستهلاك الحشيش
رغم كل المخاطر والأعراض الجانبية للحشيش، فإنه أكثر المخدرات المنوعة شعبية وانتشارا بين الشباب، والمنع والمراقبة لم تؤثر عليهم وعلى انتشار الحشيش بينهم. في حين أن استهلاك وبيع المشروبات الكحولية والتبغ مسموح به، رغم أنه يمكن أن تكون لها مضار اجتماعية وصحية كبيرة أيضا. وإن الجدل والنقاش الواسع حول تقنين وشرعنة بيع واستهلاك الحشيش حول العالم، يدل على تقبل المجتمع والرأي العام لاستهلاكهبشكل أكبر من ذي قبل.
الحكومة الألمانية الجديدة أيضا تريد السماح باستهلاك وبيع الحشيش وتقنينه. وتنص وثيقة اتفاق الائتلاف الحكومي بين أحزاب: الاشتراكي والليبرالي والخضر على السماح بـ "البيع المراقب للحشيش للبالغين بهدف الاستمتاع في محلات مرخص لها بذلك. بالتالي يمكن مراقبة الجودة ومنع بيع المواد غير النقية وضمان حماية القُاصرين. سنقوم بتقييم القانون بعد أربع سنوات في ضوء التأثير الاجتماعي".
نوعية جيدة وأفضل
تقنين بيع الحشيش يمكن أن يؤدي قبل كل شيء إلى تحسين نوعيته. فخلال السنوات الماضية ازداد انتشار الحشيش غير النقي سيء الجودة، حيث غالبا ما يتم خلطه بالرمل أو السكر أو الزجاج أو التوابل.
وكثيرا ما يتم خلط الحشيش بمكونات صناعية. وهي أكثر خطورة من المادة المؤثرة تي اتش سي/ THC التي يحتويها الحشيش. وهذه المكونات الصناعية تزيد من فعالية المخدر ومن فقدان السيطرة على عواقبه، وقد تؤدي إلى زيادة الأوهام وانهيار الدورة الدموية.
وغالبا ما يوصف الحشيش من قبل المجتمع والساسة، بأنه البوابة الخطرة التي تقود إلى إدمان المخدرات. لكن ليست هناك أدلة حاسمة على أن تعاطي الحشيش يؤدي بشكل حتمي إلى تعاطي مخدرات أقوى وأخطر. علما أن أغلب مستهلكي الحشيش ممن تعاطوا الكحول أو من المدخنين قبل ذلك، وبالتالي فإن الكحول والتبغ هما الأقرب لكونهما البوابة التي تقود إلى تعاطي المخدرات.
ومن خلال عدم تجريم بيع واستهلاك الحشيش وتقنينه يما يتضمنتحديد نسبة المادة المؤثرة تي اتش سي/ THC وتحديد وإعلان المكونات، ومراقبة الدولة لذلك، فإن المخاطر الصحية للحشيش ستتراجع بشكل ملحوظ، هكذا يبرر مؤيدو التقنين موقفهم. ويضيفون بأنه من خلال التقنين سيستفيد المراهقون من عروض المعالجة النفسية والمساعدة على الإقلاع عن إدمان الحشيش. بحيث يمكن التوضيح والتحدث بشكل علني في المدرسة والبيت عن مخاطره وتعاطيه على الشبان.
زيادة الإيرادات
كذلك هناك حجج اقتصادية أيضا لفوائد تقنين وشرعنة الحشيش، حيث يمكن أن تحقق إيرادات للدولة تصل إلى 4,7 مليار يورو سنويا، حسب تقديرات أحد مراكز البحث الاقتصادية " Düsseldorfer Institute für Competition Economics (DICE) " في مدينة دوسلدورف.
فوجود سوق لبيع الحشيش تحت رقابة الدولة، سيؤمن فرص عمل جديدة وإيرادات ضريبية إضافية. فمن خلال ضريبة الحشيش فقط، وعلى غرار ضريبة الكحول والتبغ، ستحصل الدولة على 1,8 مليار يورو سنويا، هذا بالإضافة إلى أنها ستوفر 1,05 مليار يورو تكاليف ملاحقة الجرائم المتعلقة بالحشيش، إضافة إلى توفير 313 مليون يورو من تكاليف المحاكم.
ألكسندر فرويند/ ع.ج