تجربة ماليزيا في ريادة الأعمال
لا يستطيع أحد أن ينكر أن ماليزيا -تلك الدولة التي كانت من الدول النامية الفقيرة في جنوب شرق اسيا- استطاعت تحقيق نهضة حضارية خلال فترة قصيرة في التسعينات ومازالت تتقدم رغم بعض التحديات التي تمر بها، فهي دولة استطاعت تنويع مصادر دخلها بين استخراج النفط، والزراعة (زيت النخيل والمطاط والأخشاب) والسياحة والصناعات الإلكترونية والكهربائية وكذلك نجحت بتحقيق سلام اجتماعي وعرقي بين مكونات شعبها المختلفة. لكن ماذا عن بيئة دعم ريادة الأعمال في ماليزيا؟ ربما لا يعرف الكثير منا عن ذلك، وهل نستطيع أن نستفيد من تجربتها؟
ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من حاضنات الأعمال في المنطقة العربية وكذلك بعض شركات رؤوس المال المخاطرة ومنصات للتمويل والإستثمار الإجتماعي، كل ذلك كان جميلا، لكن المدقق في مشهد ريادة الأعمال في المنطقة والذي جرب ان يعرض فكرته أو شركته أو منتجه على هذه المنشئات فبالتأكيد قد مر بتحديات كثيرة ومحبطة أحيانا، فبعض سلبيات وبيروقراطية عالمنا العربي انتقلت بشكل تلقائي الى عالم ريادة الأعمال، فمن عدم وجود خطة ونظام ريادي متكامل، الى الانتقائية والقطرية عند بعض شركات التمويل فتعمد لدعم شركات ناشئة من دولتها أو من دول معينة فقط، الى البحث عن الربح السريع، الى استغلال رواد الأعمال بشروط غير عادلة وأخذ نسبة كبيرة من الاستثمار بحجة تقديم خدمات مثل الارشاد والنصح! الى الوساطة والمحسوبية احيانا، وهناك من ظن ان ريادة الأعمال هي مجرد ورشات عمل ودورات تتقاضى مقابلها بعض الأموال وتقوم بتخريج رواد اعمال !
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
فكيف هو مشهد دعم ريادة الأعمال في ماليزيا؟ لن أقول لكم بأنه مثالي فهناك بعض السلبيات لكن هناك نظام متكامل مدعوم من الدولة والقطاع الخاص والقطاع التعليمي والجامعي.
فمثلا الجامعات تقوم بإنشاء شركات مشتركة مع طلابها الذين لديهم مشاريع مميزة، وتقدم لهم الدعم اللوجستي والتقني والمادي، فتقدم المكاتب والمختبرات والطلاب المتطوعين للعمل ومبالغ مادية لهذه الشركة التي اسسها ذلك الطالب مع الجامعة، وبالمقابل ستحصل الجامعة على دخل عند نجاح هذه الشركة وكذلك جزء من الملكية الفكرية للمشروع.
الأمر لا يتوقف عند ذلك فحسب فلنفترض انك شاب أو شابة قد تخرج من الجامعة للتو، ولديك فكرة، فقط فكرة! وقمت بدراسة حول تلك الفكرة ولم تصبح نموذج أو منتج بعد، فتذهب وتقوم بالتقديم لحاضنة أعمال اسمها Cradle كريدل معناها "المهد" وتعرض فكرتك عليهم، فان اعجبتهم هذه الفكرة وحصلت على موافقة فسيقومون باعطائك مايقارب اربعين الى خمسين الف دولار، على ثلاثة دفعات، على شكل هبات مشروطة، أي ليس عليك اعادة المبلغ ان نجحت بتنفيذ ما وعدت به في خطتك.
بعد ان تنجح في تطوير المنتج الأولي تستطيع بعدها ان تقوم بتقديم خطة عمل الى Cradle مجددا لتسويق منتجك والبدأ ببيعه في السوق لتحصل على هبة مشروطة ثانية تصل الى حوالي مئة وعشرون الف دولار امريكي، في هذه المرحلة يقوم رائد الأعمال بتأسيس الشركة والحصول على الهبة وتسويق منتجه في السوق، بعدها إن نجح واراد ان يتوسع بالسوق ويصل للعالمية يقوم بتقديم خطة عمله الى شركة رأس مال مخاطر مدعومة من وزارة المالية الماليزية اسمها MAVCAP وتستطيع عندها طلب مبالغ بملايين الدولارات لتطوير المنتج بشكل اكبر والتوسع في السوق والتصدير مقابل نسبة في الشركة تتفاوض مع شركة رأس المال المخاطر حولها.
الأمر لا يتوقف عند هذا ايضا فهناك العديد من حاضنات الأعمال الأخرى وشركات رأس المال المخاطر الخاصة التي تتخصص بمجالات معينة فمنها لدعم والإستثمار في الطاقة النظيفة ومنها للمنتجات الزراعية ومنها ماهو متخصص في التكنولوجيا الحيوية وغيرها، وأضف لذلك فإن ماليزيا تملك العديد من الشركات الكبيرة الناجحة لكنها تعاني من قلة الشركات الناشئة الناجحة نسبيا مقارنة بجارتها سنغافورة مثلا، فقامت الدولة باعفاء هذه الشركات الكبيرة من نسبة من الضرائب مقابل ان تستثمر في الشركات الناشئة مما أدى لإستمرارية في تدفق المنح والهبات والإستثمارات للشركات الناشئة مع تخفيف الأعباء عن الدولة.
هذا النظام المتكامل يساعد الشخص الذي يملك مجرد فكرة ان يصل الى شركة عالمية أو شركة مدرجة في البورصة مع مرور السنين، وهذا مايختلف عن مالدينا في العالم العربي، فنظام الاستثمار ودعم ريادة الأعمال ملئ بالفجوات ومعظم حاضنات الأعمال العربية وشركات رأس المال المخاطر محصورة في بلدها أو في دول قليلة ولا تريد التكامل في مابينها، لذلك ان اردنا لمجتمع ريادة الأعمال ان ينجح وان اردنا ان تصل شركاتنا للعالمية علينا اعادة النظر في سياسات بعض مؤسسات دعم ريادة الأعمال والغاء الحدود لرواد الأعمال والتكامل والتعاون.