تأثير مكان الإقامة على الاندماج.. لاجئون يتحدثون عن تجاربهم
تطرح آلية توزيع اللاجئين في ألمانيا تساؤلات حول مدى نجاعة هذه الآلية التي تهدف بها الحكومة زيادة فرص اللاجئين للاندماج. ومع ازدياد أعداد طالبي اللجوء، وجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى توزيع اللاجئين في كل المناطق سواء في الريف أو المدن، وهو ما خلق تفاوتات بين المقيمين في المدن والقرى.
هذه الاختلافات أثرت على فرص الاندماج وتطور مستويات اللغة، إذ أنه "في الأماكن القروية يصعب تعلم اللغة بسبب طبيعة المواصلات" يقول الخبير بشؤون اللاجئين نبيل يعقوب، ويؤكد لمهاجر نيوز، أن المدن تساعد على التواصل مع المؤسسات الحكومية التي توفر فرص تدريب متعددة وكثيرة يمكن أن يستفيد منها اللاجئون. ولتسليط الضوء على تأثير طبيعة المناطق الجغرافية على أداء اللاجئين وظروفهم النفسية، التقينا لاجئين من سوريا يقيمان في منطقتين مختلفتين تماما.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
"المخدرات بديل الفراغ"
"تاجرنا بالمخدرات من الفراغ"، هكذا يستهل اللاجئ السوري و.ط. حديثه مع مهاجر نيوز، مفضلا عدم الإفصاح عن اسمه. قدم و.ط. إلى ألمانيا عام 2016، وكان حينها يبلغ الـ18 من عمره، تنقل بين عدة مراكز إيواء لنحو شهر ونصف، ثم استقر في مركز إيواء بقرية نائية في جنوبي ألمانيا. يصف المركز بـ"مكان مقطوع" إذ لم "يكن لدينا إنترنيت، ولا حتى شبكة اتصال".
يقول و.ط. إنه استطاع في البداية أن يمارس هوايته بالكاراتيه ولمدة شهرين في أحد أندية المدينة القريبة من مكان إقامته. إلا أن من كان يساعده بالتنقل اعتذر بعد فترة "لأنه ليس لديه الوقت لينقلني بسيارته في المساء لحضور التدريبات". بعد ذلك بدأت قصته مع الانعزال التام في مخيم يبعد عن أقرب مدينة 30 كم، وعن أقرب سوبر ماركت 5 كم، لكن "بعد أن حصلت على إقامتي، تمكنت من حضور دورات اللغة الألمانية".
ورغم أن الدورة كانت فرصة للخروج من العزلة، إلا أنها لم تكن كافية، فالمواصلات العامة إلى القرية تنتهي الساعة الرابعة مساء، "لهذا كان من الصعب دوماً حضور دورات اللغة، أو التقديم لعمل ما"، يقول و.ط. لمهاجر نيوز ويضيف "هنا بدأ الفراغ، حيث لا عمل، لا أصدقاء، لا تواصل مع الأهل لانعدام النت. الماريجوانا كانت السبيل لتجاوز هذا الشعور". ويشير إلى أنه لم يكن الوحيد ممن قام بهذا، "كنا نجتمع لتدخين الماريجوانا، ومشاركة تجاربنا".
وبسؤاله حول رغبته في العمل، أجاب: "حاولت الحصول على عمل، لكنهم رفضوني لأني لا أملك سيارة"، إذ أن مواعيد حافلات القرية تعتمد على مواعيد طلبة المدارس وعلى عطلاتهم السنوية، ولهذا لم يكن ممكناً الالتزام بعمل دون مواعيد محددة.
لم يكن تعاطي الماريجوانا النتيجة الوحيدة للفراغ، فقد أكد و.ط. أن الانهيارات النفسية بين اللاجئين المقيمين في المخيم كانت في ازدياد، "غضب وعنف، ومحاولات انتحار، وجنون بكل بساطة"، ويضيف: "كنت أفضل أن أكون غائبا عن الوعي وعن واقعي. في مرحلة ما رغبت بإنهاء حياتي أيضاً".
استمرت معاناة اللاجئ السوري و.ط. حتى أواخر عام 2018، حيث انتقل إلى المدينة المجاورة بعد أن تمّ إغلاق المخيم الذي كان يقيم فيه، ويصف وضعه بعد ذلك بقوله: "تغيرت حياتي للأفضل، تمكنت من دخول المدرسة المهنية، لدي أصدقاء ألمان في المدرسة وخارجها" وهو سعيد بذلك ويتطلع إلى المستقبل بتفاؤل.
فرصة كبيرة في برلين
في تجربة مختلفة، بدأ اللاجئ السوري منذر الخطاب (26 عاما) الذي وصل إلى ألمانيا في منتصف عام 2015 عمله في العاصمة برلين، كمصمم غرافيك في إحدى الشركات بعد عام ونصف، وتعلم اللغة الألمانية حتى مستوى متقدم "C1". إلى جانب ذلك أطلق عام 2017 شركته التكنولوجية الناشئة الخاصة. إذ كان قد التحق بدورة مجانية مدتها ثلاثة أشهر، في إحدى المعاهد التي تعنى بالاندماج التكنولوجي. وهذه المدرسة التي فتحت المجال أمام منذر لديها فروع في المدن الكبرى فقط.
ويرجع منذر سببه اندماجه في المجتمع الألماني إلى "مكان إقامتي كان له دور في تعرفي على العديد من الأشخاص، وممارسة التحدث بالألمانية" يقول منذر. ويتابع "كنت أحضر لقاءات وأمسيات مرتين أسبوعياً". ويشير منذر إلى دور المكان بقوله إن "الإقامة في القرية صعبة، لدي صديق يمضي الوقت في مراقبة الأحصنة لا غير، لأن المواصلات صعبة".
التغلب على العزلة
رغم تأثير مكان الإقامة على أداء بعض اللاجئين وفرصهم في تعلم اللغة والاندماج، فإن القانون يلزم اللاجئين بالإقامة في مكان محدد لمدة ثلاث سنوات ولا يسمح لهم بالانتقال إلى مكان آخر قبل مضي تلك المدة أو الحصول على فرصة عمل أو دراسة أو تدريب مهني.
لكن رغم ذلك فإن اللاجئ السوري زين العابدين السالم (27 عاما) ويقيم حاليا في مدينة بون الألمانية، يرى أنه بالإمكان تجاوز هذه العقبات. ويقول لمهاجر نيوز "تم فرزي في البداية عام 2016 إلى قرية ألمانية صغيرة، وكنت على حافة الاكتئاب"، إلا أنه تمكن من "السيطرة" على نفسه وقرر أن يتعلم اللغة، إذ "شعرت أن اللغة هي سبيلي للخروج مما أنا فيه، فتعلمتها بفترة وجيزة"، وهو ما ساعده في الحصول على عمل في المدينة وقرر على إثرها الانتقال إلى بون. ويقول "انتقالي إلى المدينة ساعدني كثيرا، تمكنت هناك من تطوير لغتي، والحصول على تدريب في المطار". يتابع زين العابدين تطوير لغته ويمارس هوايته في التصوير، ويطمح للحصول على شهادة في طب الأسنان.
مرام سالم-مهاجر نيوز