"بيتر الأسود"في هولندا.. هل حان الوقت للتخلص من شخصيته المثيرة للجدل؟
قد يأتي راكبا عربته التي تجرها الأحصنة أو على متن قارب، أو حتى هابطا من السماء على متن منطاد – هكذا يأتي بابا نويل (سانتا كلوز) في هولندا، ليحييه ملايين الأطفال على أرصفة الطرقات. ولكن بابا نويل لا يأتي إلى الاستعراض السنوي وحيدا، وإنما مع مساعديه، الذي يعرفون باسم "بيتر الأسود".
في مدينة أمستردام لوحدها هناك المئات منهم يوزعون على الأطفال الحلوى التقليدية، ويرقصون، ويحتفلون معهم ويسلونهم بحركات بهلوانية.
تستمر هذه الاحتفالات لأيام، وفي ليلة السادس من ديسمبر/كانون الأول، يضعون الهدايا للأطفال (غالبا في الأحذية) وفق التقليد المتبع منذ قرون. وفي هولندا هناك اهتمام كبير بهذا التقليد، ولهم برنامج إخباري خاص بهم.
ويجب على من يؤدون دور المساعد "بيتر الأسود" أن يتقمصوا الشخصية بحذافيرها، فيصبغون وجوههم باللون الأسود، وغالبا ما يرتدون شعرا مستعارا مجعدا، وأحيانا يدهنون شفاههم بصبغة حتى تبدو الشفاه غليطة بشكل مبالغ فيه. وفي الماضي كانوا يرتدون في الأذن حلقات ذهبية كبيرة.
هناك من يرى في هذا الأمر عنصرية ضد السود، ويجب أن تنتهي هذه التقاليد، لأنها تسيء لذوي البشرة الداكنة عموما، وللهولنديين من ذوي البشرة الداكنة بوجه خاص، وهم أبناء المستعمرات السابقة التي كانت هولندا قد استعمرتها قبل قرون، ويعيشون الآن في هولندا منذ أجيال.
كفاح مستمر
وداخل مجتمع ذوي البشرة الداكنة في هولندا هناك تحرك ضد هذا التقليد، وهناك من يطالب بإنهاء تقليد "بيتر الأسود"، كالممثلة غيردا هافيرتونغ، التي شاركت في الثنمانينات في إحدى حلقات المسلسل الشهير للأطفال "شارع سمسم". وتقول هافيرتونغ: "لقد سئمت من مناداتي طوال الوقت ببيتر الأسود". ولكن لم يستمع لها أحد في الثمانينات.
ولكن خلال العقد الماضي ومع انتشا رالهواتف التي تصور كل شيء، ووسائل التواصل الاجتماعي، استطاع الجيل الجديد من الهولنديين ذوي البشرة الداكنة أن يعبر عن رفضه لذلك وصار النقاش جديا في المجتمع حول هذا الموضوع.
وتعرض بعض الناشطين ضد هذا التقليد للتهديد. ومؤخرا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وخلال الموكب السنوي لبابا نويل مع مساعديه المتنكرين بشخصية "بيتر الأسود"، خرجت مظاهرة شارك فيها ناشطون هولنديون من مختلف الأطياف، للمطالبة بالتوقف عن استخدام شخصية "بيتر الأسود" في هذا التلقيد السنوي. ولكن الناسطين تعرضوا للضرب بالبيض من المساعدين، الذي اعتدوا كذلك على السيارات.
وفي الماضي تلقى بعض الناشطين تهديدات بالقتل.
تغير في نظرة المجتمع
ولكن هذا النشاط الذي حدث خلال السنوات الأخيرة، غير كثيرا في الرأي العام، ففي استطلاع أجري في عام 2011، أيد 90 بالمئة من المستطلعة آراؤهم الإبقاء على شخصية بيتر الأسود كما هي. أما اليوم فيرى نصف الهولنديين أنهم يجب تعديل هذه الشخصية بشكل لا يحمل أي إساءة.
وحتى رئيس الوزراء الهولندي صرح، خلال المظاهرات الاحتجاجية على مقتل جورج فلويد، بأنه غير رأيه حول شخصية "بيتر الأسود" وبأنه، وإن كان لن يحظر هذه الشخصية، إلا أنه يعتقد أنها ستختفي لوحدها في غضون سنوات.
أستريد بنولكن/ف.ي