"بلد الآخرين"رواية تاريخية تحكي قصة مهاجرة فرنسية في المغرب
"كانت شجاعة جدا وتجيد اللغة العربية والأمازيغية. كانت امرأة مرحة ومستقلة. وقد روت لنا الكثير من القصص عن طفولتها". بهذه الكلمات تصف الكاتبة الفرنسية-المغربية ليلى سليماني جدتها. تسود حالة من الشجن سليماني عند حديثها عن جدتها ويبدو هذا جليا من نبرة صوتها.
وفي أحدث روايتها "بلد الآخرين" المستوحاة من حياة جدتها الفرنسية الشقراء ذات العيون الزرقاء التي ذهبت إلى العيش في المغرب عقب الحرب العالمية الثانية للزواج من أمين والذي أصبح لاحقا جد سليماني. ونتيجة ذلك كانت رواية تاريخية قوية ومثيرة، لكنها في كثير من الأحيان مقلقة. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان المغرب لا يزال محتلا من قبل فرنسا.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ومنذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر فصاعدا، بدأت فرنسا في إنشاء إمبراطوريتها الاستعمارية الثانية التي أصبحت واحدة من أكبر الإمبراطوريات الفرنسية على مر التاريخ، إذ تم احتلت الكثير من مناطق شمال إفريقيا فيما لم تتسارع وتيرة إنهاء الاستعمار حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
المعاناة الحميمة
وفي تلك اللحظة كانت بداية رواية "بلد الآخرين" التي تعد العمل التاريخي الأول للكاتبة الفرنسية-المغربية ليلى سليماني. ففي عام 1947، انتقل زوجان شابان إلى مزرعة في أطراف مدينة مكناس في شمال المغرب. ماتيلد شابة فرنسية من مدينة الألزاس قابلت زوجها أمين عندما كان يحارب في صفوف "قوات فرنسا الحرة" لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي. وتصف ليلى سليماني الحياة في المغرب في ذاك الوقت بالصعبة خاصة بالنسبة للنساء.
وعندما نشرت الرواية لأول مرة في فرنسا في عام 2020، تحدثت ليلى سليماني إلى DW عن جدتها والحياة في المغرب في خمسينات القرن الماضي، إذ شددت على ظلم وقسوة الحكم الاستعماري والأبوي. وتقول عن ذلك "بالطبع في تلك الفترة كان هناك أناس أكثر انفتاحا. بالطبع كانت هناك حالات من الاحترام المتبادل، فأنا لا أرغب في إنكار هذا الجانب". وتضيف "لكن في هذه الرواية، أردت أن ألقي نظرة على المعاناة الحميمة أو الألم الشخصي".
وهذه السمة تميز كتابات الروائية ليلى سليماني، ففي كافة أعمالها الأدبية ترغب في تسليط الضوء على "المعاناة الحميمة" التي تعني الألم الذي يلحق فقط بمن نحب.
وظهر ذلك في روايتها الأولى التي حملت عنوان "أديل" وهي تروي قصة امرأة مدمنة على الجنس تعاني من عزلة في الريف الفرنسي. أما روايتها الثانية "أغنية هادئة" فهي تعتمد على الإثارة النفسية، إذ تسرد قصة مربية تقدم على قتل طفلين كانا في رعايتها.
أما في روايتها الجديدة "بلد الآخرين" فتحكي عن زوجين شابين يعيشان في المغرب تعصف بحياتهما مشاعر من الاحتقار والحب والضرب وحتى تبادل التهديد بالقتل، فيما يعتكفان على تريبة أطفالهما بالتزامن مع تصاعد حركات التحرر المغربية.
إحياء الرواية التاريخية الأوروبية
يشار إلى أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت انتعاشا للرواية التاريخية الأوروبية على يد كتاب من أمثال الكاتبة البريطانية هيلاري مانتل وروايتها "قصر الذئاب" التي تتمحور حول أسرة تيودور التي حكمت إنجلترا في القرن السادس عشر. وتلت هذه الرواية، روايات أخرى لمانتل مثل "أخرجوا الجثث" ورواية "المرآة والضياء". وتعد هيلاري مانتل أول كاتبة تحصل على جائزة بوكر الأدبية مرتين عن روايتيها "قصر الذئاب" و"أخرجوا الجثث".
ومؤخرا، رُشح الكاتب الألماني دانيال كيلمان لنيل جائزة بوكر الأدبية عن روايته التاريخية "تيل" التي تدور أحداثها خلال القرن السابع عشر في أوروبا إبان حرب الثلاثين عاما، وهي الرواية التي اقتبستها شبكة "نيتفليكس" لتقديم مسلسل تليفزيوني.
بيد أن ليلى سليماني تختلف كثيرا عن هيلاري مانتل ودانيال كيلمان، إذ تركز في أعمالها الأدبية على حياة النساء والرجال الذين تعهدوا بصون حياتهم.
ويكمن أسلوب الكتابة النسوية ليلى سليماني الفريد في قدرتها على البوح بالألم الذي يصاحب الحب والأمومة والحرب والحياة القاسية في كنف الاستعمار أو الحياة الأبوية؛ حيث تطلق العنان لقلمها بلا هوادة دون التخلي عن مقعد المراقب شبه العلمي.
وبالنسبة لقرائها، فهي تكشف لهم التاريخ وكيف كانت الحياة في الماضي وتداعيات الماضي على حياتنا الآن، وهو ما جعل سليماني نجمة على الساحة الأدبية الفرنسية والدولية.
عملت سليماني في السابق كصحيفة في مجلة "جون أفريك" الفرنسية وأصبحت كاتبة مستقلة عقب اعتقالها خلال عملها الصحافي في تغطية انتهاكات حقوق الإنسان وأحداث الربيع العربي في تونس عام 2011. وقد فازت عن روايتها الثانية "أغنية هادئة" بجائزة "غونكور" الفرنسية المرموقة، وقد حصل قبلها الكاتبان الفرنسيان الطاهر بن جلون ذو الأصول المغربية وأمين معلوف ذو الأصول اللبنانية.
وقد كتبت ليلى سليماني كتابا عن حياة المرأة في المغرب تحت عنوان "جنس وأكاذيب.. الحياة الجنسية في المغرب". ومنذ عام 2017، أصبحت الممثلة الشخصية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للشؤون الفرانكفونية.
ومع ذلك، فقد ذكرت في مقابلتها مع DW عام 2020 أن إرثها وماضي أسرتها لا يزال محل تساؤلات في أي مكان تذهب إليه. وفي ذلك، تقول "في المغرب، يقال لي إنني فرنسية وغربية بشكل كبير، لذا فإنا لا أمثل المغرب. وفي فرنسا، أحيانا يُقال لي أنني لست فرنسية حقيقية لأن لدى جذور مغربية. لذا فأنا أفهم ماذا يعني العيش في بلد الآخرين".
وتعد رواية "بلاد الآخرين" الجزء الأول من ثلاثية تاريخية، تؤرخ حياة عائلة بلحاج منذ الحرب العالمية الثانية إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
كريستين لين/ م.ع