بعد عقدين عليها.. مغربيات يتطلعن لإصلاح "جذري"لمدونة الأسرة
منذ تبنيها عام 2004 أدخلت مدونة الأسرة في المغرب، تغيرات غير مسبوقة على قوانين تخص الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث وغيرها من القوانين والتشريعات التي وصفت آنذاك بـ "العصرية" واحتفى بها حقوقيون ونشطاء.
فقد كان قانون الأحوال الشخصية لعام 1958 يسمح للرجل بتعدد الزوجات دون اشتراط موافقة زوجته أو زوجاته، كما لم يكون مسموحاً للمرأة بالزواج من دون موافقة الوصي القانوني أو ما يعرف بـ "الولي"، فضلاً عن تقييد حق المرأة في طلب الطلاق وغيرها من القوانين المجحفة بحق النساء آنذاك.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
"رفع القدسية"
وترى الناشطة في قضايا المرأة، سعيدة الإدريسي، في إصلاح مدونة الأسرة لعام 2004 "ثمرة نضال نسائي"، وتشير في حوارها مع DW عربية إلى أن "رفع القدسية "على قانون الأحوال الشخصية لعام 1958 يعد أهم المكتسبات التي تحققت خلال العقدين الماضيين.
وتوضح الناشطة الحقوقية: "كان ينظر للمساس بهذا القانون من قبل الفقهاء على أنه مساس بتماسك الأسرة وهويتها بالدرجة الأولى". وذكرت سعيدة الإدريسي مجموعة من المكتسبات التي جاء بها إصلاح مدونة 2004، منها طلاق الشقاق الذي فتح للمرأة "باب التحرر" من زواج فاشل. وجوانب أخرى مثل "تقنين تعدد الزوجات، منح الولاية للراشدة، ومنح الجنسية للأبناء".
على النقيض من ذلك ترى البرلمانية من حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، أن الهدف الأساسي من مدونة الأسرة كان "المحافظة على تماسك الأسرة وعدم تفككها، ولكن وللأسف لم ينجح القانون في إقرار ذلك. فقد ارتفعت نسب الطلاق بشكل كبير جداً في المغرب بعد اعتماد مدونة الأسرة في 2004". لكنها تصف مكتسبات أخرى بـ "المهمة" وتستدرك بالقول: "لكنها تبقى غير مرضية لنا كمناضلات نسعى إلى تحقيق المزيد في إنصاف المرأة ورفع الحيف عنها".
وترى أن "المدونة لم تستطع رفع كل أوجه الحيف ضد النساء وضد الأسرة بشكل عام؛ إذ مازال هناك إشكالات على مستوى كل القوانين، لذلك يمكن أن نقول أن التشريعات وحدها غير كافية لاختراق الوعي الاجتماعي الذي يخلف مظاهر الحيف وعدم الانصاف تجاه المرأة".
الإصلاح وحده لا يكفي!
بعد مرور عشرين عاماً ورغم تحقق مكاسب يحتفي بها لحد الآن، لا يزال إصلاح قانون الأحوال الشخصية لعام 1958 موضوع نقاش في المغرب. فمنذ أن وجه ملك المغرب محمد السادس في 26 سبتمبر/أيلول عام 2023 رسالة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، تتعلق بـ"إعادة النظر" في مدونة الأسرة خلال أجل ستة أشهر قبل إعداد مشروع قانون وعرضه على مجلس النواب، تصدرت النقاش العام عدة مواضيع، على رأسها موضوع إلغاء زواج القاصرات؛ إذ سجلت في السنوات الأخيرة زيادة في طلبات تزويج القاصرات بالمغرب وفق آخر الاحصاءات التي لا تشمل الزيجات غير الرسمية أو زيجات ما يسمى بـ (الزواج بالفاتحة).
وتطالب هيئات حقوقية بمنع تزويج القاصرات رغم أن المدونة الحالية تحدد سن الزواج في 18 سنة، لكن الظاهرة انتشرت بكثرة بسبب استثناء ضمن مدونة الأسرة يمكّن القاضي عبر المادة 20 من إعطاء الإذن بالزواج دون سن الأهلية مع الاستعانة بخبرة طبية. وترى سعيدة الإدريسي أن "هذه القوانين لا زالت لا تحمي النساء ولا زال هناك أوجه تمييز كثيرة في مدونة الأسرة (...) ولهذا نطالب بتغييرها". وذكرت أمثلة أخرى عن أوجه التمييز هذه مثل "إثبات الاغتصاب، والحمل خارج إطار الزواج، وحق الإجهاض".
"اختلالات وتمييز"
ويشدد حقوقيون كسعيدة الإدريسي على أن الإصلاحات المنشودة يجب أن تطال تطبيق وتنفيد القوانين والعمل على تجاوز اختلالاتها، مثل "غياب آليات المواكبة وميزانية تفعيل الإصلاحات، فضلاً عن ضعف الإرادة السياسة في تمكين النساء من حقوقهن".
وفيما يتعلق بأبرز المطالب التي ينادي بها حقوقيون، توضح سعيدة الإدريسي: "نحن لا نريد تطوير مدونة الأسرة، بل نريد إصلاح شامل وجذري للمدونة، وأن تكون المدونة ذات مرجعية حقوقية تعتمد المساواة بين الجنسين وينزع منها الطابع الديني، خاصة أن القوامة لا تزال موجودة في مدونة الأسرة. ويجب أن تستند المدونة الجديدة على قانون مدني تحفظ فيه كرامة النساء والرجال والمصلحة الفضلى للطفل داخل الأسرة".
من جهتها عبرت المحامية والناشطة الحقوقية، فتيحة اشتاتو، عن تطلعات نساء المغرب في تطوير مدونة الأسرة وذلك عبر إصلاح كل "المقتضيات التمييزية والاستثناءات التي تفتح الباب أمام التحايل على النصوص وإغلاق باب الأعراف والتقاليد". كما أشارت فتيحة اشتاتو إلى أن النساء يتطلعن إلى "صياغة قانونية محكمة للمدونة كفيلة بتحقيق العدل والمساواة لكافة مكونات الأسرة".
في الخطاب الذي ألقاه ملك المغرب، محمد السادس، بمناسبة عيد العرش عام 2022 والذي دعا من خلاله إلى فتح نقاش حول تعديل مدونة الأسرة، حدد معالم الإصلاحات المرتقبة بشأن قانون الأحوال الشخصية، التي يفترض أن تأتي في إطار الفصل 19 من الدستور، الذي يكرس مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات. فهل تشهد نساء المغرب "ثورة" إصلاح جديدة بعد عقدين من الزمن؟