بدر شاكر السيّاب
من هو بدر شاكر السيّاب
إنه أحد أشهر الشعراء العراقيين في الوطن العربي في القرن العشرين، ويعتبر أحد مؤسسي ورواد الشعر الحر في الأدب العربي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مولده وطفولته القاسية
ولد بدر شاكر السياب في عام 1926، في قرية جيكور التابعة لقضاء أبي الخصيب بمحافظة البصرة في العراق، كان والده يعمل في مساعدة جده في رعاية النخيل. ولد بدر في فترة حرجة من تاريخ العراق الذي كان تحت سلطة الاحتلال الإنجليزي، وألقت الظروف السياسية بظلالها على كاهل بدر في مختلف مراحل حياته، فأثقلتهُ، وعانى الكثير في حياته، فعانى من السجن والرفض من العمل والطرد وملاحقة المخبرين والهرب إلى الكويت خشية الاعتقال، فكانت كل هذه الظروف القاسية مصدر إلهام وأغنت قصائده التي دوّن فيها كل هذه الأحداث.
ماتت أُمه وهو في عمر السادسة، فسبب ذلك له ألماً كبيراً، وزاد ألمه أكثر وأكثر عندما تزوج والده بعد سنة واحدة من وفاة والدته، وقد ذكر السياب ذلك في شعره إذ قال:
خيالك من أهلي الأقربين.. أبَرّ وإن كان لا يعقل
أبي منه قد جردتني النساء.. وأمي طواها الردى المُعجل
وبعد وفاة والدته أتم دراسة المرحلة الابتدائية في مدرسة (باب سليمان) وبعد انتهاء الصف الرابع انتقل إلى مدرسة (المحمودية) وبعدها انتقل إلى مدينة البصرة وتابع فيها الدراسة الثانوية، ثم انتقل إلى العاصمة بغداد حيث التحق بدار المعلمين العالية، واختار لنفسه تخصص اللغة العربيّة وأمضى سنتين في دراسة الأدب العربي، وفي سنة 1945 درس الأدب الإنكليزي وتخصص في اللغة الإنكليزية، وتخرّج السياب من الجامعة عام 1948، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوّجه إلى إيران ثم إلى الكويت، وفي سنة 1954 رجع الشاعر إلى بغداد ووزع وقته ما بين العمل الصحافي والوظيفة في مديرية الاستيراد والتصدير.
شاهد أيضاً: جبران خليل جبران
تقول آلاء (ابنة الشاعر الراحل) أن والدها نشأ كأي طفل آخر يلهو مع أقرانه في قريته الساحرة متنقلاً بين بساتينها الجميلة، إلّا أنّ يد القدر لم تمهله طويلاً واختطفت أمه التي كانت ملاكه الحارس. وتضيف "هنا تغير عالمه الحالم الرحب، وغير اليتم رتم موسيقاه إلى آخر يوم في حياته، وبما أنه شاعر فكان وقع هذا الفقد عليه أثقل وأشد ألماً بسبب حساسيته المفرطة ورهافة مشاعره، ونرى وقع ذلك تقريباً في أغلب قصائده" إذ يقول
كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لجّ في السؤال
قالوا له: بعد غدٍ تعود.. لابد أن تعود
وإن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
تسف من ترابها وتشرب المطر
وفي عام 1955 تزوج بدر امرأة قريبة له هي إقبال طه العبد الجليل، هذا الزواج الذي لم يحمل كثيرا مما توقعه وتمناه بدر في حياته، بسبب إختلاف المستوى الثقافي والفكري بينهما، إلّا أن السيّاب لم يكن يكره زوجته رغم الفارق الفكري بينهما، فهو يذكر زوجته إقبال في قصائده الأخيرة ولا سيما قصيدته (وصية)، وقد رزق منها بغيداء وغيلان وآلاء.
بداياته الشعرية
اتصف شعر السياب في الفترة الأولى بالرومانسية، ثم تأثر بالشاعر المصري الراحل علي محمود طه من خلال تشكيل القصيد العمودي وتنويع القافية، وفي عام 1947 انساق وراء السياسة وكان ذلك واضحا في ديوانه (أعاصير) الذي حافظ فيه على الشكل العمودي، وأظهر فيه اهتمامه بالقضايا الإنسانية، كما يقول أستاذ الأدب العربي والنقد القديم بجامعة البصرة الدكتور ثائر المياحي. فمن قرية صغيرة في أقصى جنوب العراق، وضع بدر شاكر السياب دعائم أساسية للشعر الحر في الأدب العربي، لتكون أبرز ثورة شعرية في القرن العشرين.
لقد ظهرت أولى قصائده في الشعر الحر نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عام 1946، وهو التاريخ الذي أصر السياب نفسه على وضعه حيث نشر أول قصيدة له عنوانها (هل كان حبا؟) في هذه القصيدة نفحة غنائية مختلفة، ويبدو أن السياب عندما وضع تاريخ هذه القصيدة كان يحاول أن يقدم الدليل على أنه سبق الشاعرة العراقية نازك الملائكة التي نشرت قصيدتها الشهيرة (الكوليرا) عام 1947.
ومن أبرز أعماله الشعرية رغم رحيله المبكر، مجموعة دواوين منها: أزهار ذابلة، أساطير، حفار القبور، المومس العمياء، الأسلحة والأطفال، وأنشودة المطر. بالإضافة إلى الصراف، المعبد الغريق، شناشيل ابنة الجلبي، ومنزل الأقنان.
يقول الدكتور المياحي إن الشاعر الراحل السياب مزج شعره بثقافته الإنجليزية متأثرا بالشاعر إليوت في قصيدته الشهيرة (أزهار وأساطير) لتظهر محاولاته الأولى في الشكل الجديد للشعر العربي.
إن الشعر الحر الذي تميز به بدر لم يأت من العدم، وإنما جاء من تراكمات التطور الشعري، وحصل على موقع الريادة في الشعر الحر بفضل تدفقه الشعري وتمكنه من جميع الأغراض، وكذلك للنفس الأسطوري الذي أدخله على الشعر العربي بإيقاظ أساطير بابل واليونان القديمة، كما صنع رموزا خاصة بشعره مثل المطر، عشتار، تموز، وقريته جيكور التي خلدها في قصائده.
لبدر شاكر السيّاب ديوان في جزءين نشرته دار العودة ببيروت سنة 1971، وجمعت فيه مجموعة من الدواوين أو القصائد الطويلة التي صدرت للشاعر في فترات مختلفة.
شاهد أيضاً: محمد مهدي الجواهري
أعماله الكاملة
صدرت مؤخراً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر بدر شاكر السياب في طبعة محققة من قبل الشاعر والكاتب علي محمود خضير الذي يرى أن السياب تجربة فريدة، لأنّ السيّاب اندمج بشكل ساحر مع التجربة الحياتية، ورغم أن بعض مواضيع أشعاره ظهرت للناس وكأنها محلية، لكنه كان ينطلق بها إلى العالمية، نتيجة ثقافته العالية وحساسيته الشخصية التي تأثر بها، منفعلاً ومحولاً ذلك إلى فن شعري مميز.
ويؤكد الكاتب علي محمود خضير أن ألوان شعر السياب كانت متعددة، حيث بدأ بالرومانسية وانتقل سريعاً إلى الواقعية من خلال بعض مشاكل المجتمع العراقي والعربي، مثل الفقر واضطهاد المرأة واضطهاد الشعوب، ضاربا المثل بـ "حفار القبور، والمومس العمياء". ثم انتقل السياب إلى الأسطورة، واستثمرها من خلال تمرير رسائل سياسية واجتماعية وإنسانية، لكنه دفع ثمنها كثيرا فطورد وفصل من عمله بسبب مواقفه السياسية.
وتعد (قصيدة المطر) للشاعر بدر شاكر السياب من أجود وأروع ما قيل في الشعر الحديث شكلا وموضوعا، فقد جمعت القصيدة كل معاني الطيبة التي يحبها الإنسان الشريف، ففيها حب الحبيبة وحب الوطن والأرض والروح القومية، وفيها التفاؤل بانهيار الظلم الواقع على الشعوب المستضعفة وظهور فجر جديد يعم هؤلاء المعذبين.
مقتنيات بدر شاكر السياب
قال غيلان نجل الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، إنه سيسلم مقتنيات والده إلى مكتبة الكونجرس في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف الحفاظ عليها. فيقول غيلان "بسبب الحرب العراقية الإيرانية اضطر أهلي للهرب من مدينة البصرة إلى الموصل، وتركت الدار في عهدة مَن يفترض أن يحرسها فسرقها وباع المقتنيات في السوق، في الفترة التي كان مؤتمناً بها على الدار، حيث سطا على مكتبة الوالد، وعلى هدية وهي لعبة من الوالد كنت أعتز بها لدرجة أني لم ألعب بها حين كنت صغيراً خوفاً عليها أن تتلف، لكن للأسف حتى هذه اللعبة سرقها هذا الحارس وباعها". وتابع قائلاً "خلال إحدى زياراتي للبصرة، جمعت ما تبقى من مخطوطات والدي ونقلتها معي إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أقيم، وأنوي تسليمها إلى مكتبة الكونجرس الأمريكي للحفاظ عليها بعدما رأيت إهمال الجهات الحكومية في الحفاظ على منزل السياب وحفظ تراثه".
شاهد أيضاً: نزار قباني
وفاته
عانى السيّاب من آلام كبيرة متنوعة أثرت في نفسه مما انعكس على صحته، فكان ليتمه دور كبير، ولانتمائه السياسي أثر آخر لا يقل عن الأول، وبسببه فصل من الوظيفة عدة مرات واعتقل وطورد كثيراً، فهذا ما أكدته آلاء السياب ابنة الشاعر الراحل. وبعدها اعتلت صحته فبات يتنقل بين المدن والمشافي طلباً للعلاج (وتنوه ابنة السياب) إلى أن قصائده حملت صوت آلامه وأوجاعه.
لقد سافر السياب في أواخر حياته كثيراً، للتداوي ولحضور بعض المؤتمرات الأدبية، وكتب في رحلاته هذه بوفرة، ربما لإحساسه الدفين باقتراب النهاية التي كان يتوقعها في كل لحظة من عمره الذي انتهى باكراً عند 38 عاماً. وأضافت آلاء السياب قائلةً "بعد رحلة علاج طويلة بدأت عام 1962، تنقل خلالها بين بيروت وباريس ولندن، توفي السياب في المستشفى الأميري بالكويت يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 1964، ثم نقل جثمانه إلى البصرة ليدفن هناك في يوم ممطر، وكأن المطر أراد أن يودعه".