بحيرات وأنهار ومسطحات خضراء.. دراسة تكشف تاريخ الربع الخالي
في اكتشاف علمي مثير، كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" عن مفاجئة حول تاريخ صحراء الربع الخالي، التي تعرف بأنها واحدة من أكثر الأماكن جفافًا على وجه الأرض. ووفقًا للدراسة، فإن الربع الخالي في الحقيقة كانت موطنًا لبحيرات عذبة وأنهار وأراض خصبة ومسطحات خضراء شاسعة.
الدراسة، التي قادها البروفيسور عبدالقادر العفيفي أستاذ موارد الطاقة وهندسة البترول في كاوست، تم القيام بها بالتعاون مع عدد من الجامعات والمؤسسات البحثية الدولية، وهدفها محاولة فهم التحولات البيئية العميقة التي مرت بها المنطقة، وخاصة في فترة مناخية عرفت علميًا باسم "العربية الخضراء".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يُذكر أن هذه الدراسة تعد جزءًا من مشروع بحثي واسع تقوده الجامعة، ويهدف إلى فهم العلاقة بين المناخ والتضاريس والبيئة والنشاط البشري في الجزيرة العربية على مر العصور. ومن بين الأبحاث الأخرى التي تقودها الجماعة بحث حول البحيرات القديمة في وادي الدواسر بقيادة البروفيسور فرانس فان بوخم.
اقرأ أيضًا: صور: لوحات فنية رائعة لبحيرات صحراء الربع الخالي في عمان
أرض خضراء قبل آلاف السنين
ووفقًا لما توصل إليه الفريق البحثي، فإن فترة العربية الخضراء امتدت ما بين 11 ألف إلى 5500 سنة مضت، وترافقت مع زيادة كبيرة في الأمطار الموسمية القادمة من القارة الإفريقية وشبه القارة الهندية، بفعل تغيرات في المدار الأرضي أثرت على نمط المناخ. وفرت الظروف المناخية الجديدة تلك بيئة مثالية لظهور حياة نباتية وحيوانية في عمق الجزيرة العربية.
واعتمد الباحثون في دراستهم على تحليلات دقيقة للرواسب الجيولوجية وتضاريس المنطقة، حيث تم مسح أكثر من ألف كيلومتر من الأراضي الصحراوية باستخدام تقنيات حديثة، ومكّنت نتائج المسح الفريق منإعادة بناء المشهد البيئي القديم، الذي كشف أن المنطقة لم تكن صحراوية وقاسية كما الآن، بل كانت سهولة مائية خضراء نابضة بالحياة.
ومن أبرز الاكتشافات التي توصل إليها القائمون على الدراسة وود بحريرة ضخمة في عمق الربع الخالي، بلغت مساحتها نحو 1100 كيلو متر مربع، ويصل عمقها إلى 42 مترًا. ووفقًا للبيانات، فقد أدت الفيضانات المتكررة الناتجة عن الأمطار الناتجة عن الأمطار الغذيرة إلى تشكل وادي كبير داخل الصحراء، امتد بطول 150 كيلومترًا.
الربط بين التغيرات المناخية والاستيطان البشري
لم تكتف الدراسة بالكشف عن الظروف البيئية والمناخية للربع الخالي قبل آلاف السنين بحسب، بل ربطت بين التغيرات المناخية وتاريخ الاستيطان البشري في شبه الجزيرة العربية.
وفقًا للبروفيسور مايكل بتراجليا، الباحث في مركز الأبحاث الأسترالي لتطور الإنسان بجماعة غريفيث، وأحد المشاركن في الدراسة، أن الأنظمة البيئية القديمة مكنت الإنسان من الاستقرار في المنطقة وممارسة الزراعة والرعي والصيد.
وقد دعم رأيه أدلة أثرية عثر عليها داخل الربع الخالي على امتداد مجاري الأنهار القديمة، وتثير الآثار تلك إلى تواجد نشاط بشري مكثف في تلك المنطقة. إلا أن هذا المشهد لم يستمر طويلًا، إذ بدأت الأمطار بالتراجع بشكل حاد قبل نحو 6 آلاف عام، مما أدى إلى تصحر المنطقة تدريجيًا، وهو ما أجبر المجتمعات القديمة على الهجرة للبحث عن مكان آخر قابل للعيش فيه.