بحور الشّعر العربي وأوزانها
البحر الطويل لا يستعمل إلا تاماً
البحر المجتث مقتطعٌ من البحر البسيط
البحر المديد.. ممتد الأسباب الخفيفة
"أنا أكبر من العروض"، كانت هذه المقولة التي اشتهر بها الشاعر المتصوف أبو العتاهية، إذ أرادها أن تكون ثورةً على الأوزان وقواعد العروض الخليلية، بيد أنه نظم أعذب الكلام مستخدماً بحور الخليل وقواعده العروضية، وتحذر الشاعرة العراقية نازك الملائكة من الأخذ بمقولة: "إن الشاعر الملهم يولد عالماً بالأوزان وليس لديه حاجة لدراستها"، لأن السليقة مهما كانت سليمة فالشاعر يحتاج إلى دراسة علم العروض والإلمام به، و تقيم الشاعرة فرقاً بين الشاعر والناظم، فهناك من ينظم الشعر متبعاً قواعد العروض بيد أنه لا يملك الحس الموسيقي والأذن الذواقة، فيكون شعره فقط التزاماً حرفياً بالعروض، وهو ما لا يقع به الشاعر الملهم ذو الأذن الذواقة والأحاسيس المتدفقة، والتي يعززها في إلمامه بعلم العروض.
البحر الخفيف.. خفيف الأسباب
سمي البحر الخفيف بهذا الاسم، لكثرة أسبابه الخفيفة، والأسباب أخف وقعاً موسيقياً من الأوتاد، وأكثر الشعراء من نظم على البحر الخفيف، لرقته وإمكان استخدامه في قصائد الرثاء والغزل والشوق، ومن أشهر القصائد التي نظمت عليه، معلقة الحارث بن حلزة، ومطلعها:
آذنتنا ببينها أسماءُ ... ربَّ ثاوٍ يملّ منه الثواءُ
أيضاً سينية البحتري، التي وصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي ... وترفعت عن جدى كل جبس
ومفتاح البحر الخفيف هو:
// يا خفيفاً خفت به الحركاتُ//، ووزنه //فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن//.
أعاريضه وأضربه
للبحر الخفيف عدة أضرب وعروض، تختلف من حيث إذا كان تاماً أو مجزوءً، وذلك كالتالي:
الخفيف التام
وهو ما كانت تفعيلاته كاملة في الشطرين، أي ثلاث تفعيلات في كل شطر، وأضربه وعروضه كالتالي:
- العروض الأولى صحيحة (فاعلاتن)، ولها ضربان:
الضرب الأول صحيح، مثل العروض أي /فاعلاتن/.
الضرب الثاني محذوف، أي /فاعلُن/، الحذف إسقاط السبب الخفيف الثاني من التفعيلة، والسبب الخفيف يتألف من متحرك يليه ساكن وهو هنا الألف والتاء في /فاعلاتن/ .
- العروض الثانية محذوفة أي /فاعلن/، والضرب يأتي محذوف مثلها.
مجزوء الخفيف
يأتي على أربع تفعيلات، اثنتين في كل شطر، وعروضه وأضربه كالتالي:
- العروض صحيحة مستفع لن، والضرب صحيح مثل العروض.
- العروض صحيحة والضرب مخبون ومقصور(الخبن حذف الثاني الساكن من التفعيلة فتصير /مستفع لن/ إلى /متفع لن/، والقصر حذف ساكن السبب الأخير وتسكين ما قبله وتصير مستفع لْ)، وبالقصر والخبن تصير التفعيلة /متفع لْ/.
- العروض مخبونة والضرب مخبون أي /متفع لن/.
زحافات البحر الخفيف وعلله
تدخل على حشو البحر الخفيف (الحشو هو التفعيلات التي تأتي قبل تفعيلة العروض في الشطر الأول، وقبل تفعيلة الضرب في الشطر الثاني) عدة زحافات وعلل، أهمها:
- الخبن، وهو حذف الثاني الساكن (كما أشرنا سابقاً).
- التشعيث، وهو حذف العين من فاعلاتن فتصبح /فالاتن/، ويقع التشعيث كثيراً في الضرب.
- الكف، وهو حذف السابع الساكن أي أن فاعلاتن تصبح /فاعلات/، وهو نادراً ما يستخدم في البحر الخفيف، لأنه يصيب موسيقى البيت بالقبح.
البحر المتقارب
سمي البحر المتقارب بهذا الاسم، لقرب أوتاده من أسبابه، ولتقارب أجزائه، فكلها متماثلة وطولها واحد. وهو رتيب لأنه يجري على تفعيلة واحدة هي /فعولن/. مفتاح البحر المتقارب هو:
//عن المتقارب قال الخليل//، وزنه //فعولن فعولن فعولن فعولن//.
عروض المتقارب وأضربه
المتقارب التام
هو ما كانت تفعيلاته كاملة في الشطرين، أي أربع تفعيلات في كل شطر، وعروضه وأضربه كالتالي:
- العروض صحيحة (فعولن) والضرب صحيح مثلها.
- العروض صحيحة والضرب مقصور(فعولْ).
- العروض صحيحة والضرب محذوف أي (فعلْ).
- العروض صحيحة والضرب أبتر (البتر حذف السبب الأخير وحذف آخر الوتد المجموع من التفعيلة وتسكين ما قبله) فتصبح التفعيلة (فعْ أو فلْ) (الوتد المجموع هنا هو فعو، والسبب الخفيف هنا عولن).
مجزوء المتقارب
هو ما بقي منه تفعيلتان في كل شطر من البيت، وعروضه وأضربه كالتالي:
- العروض محذوفة أي فعلْ والضرب محذوف مثلها.
- العروض محذوفة والضرب أبتر أي فعْ أو فلْ.
زحافات المتقارب وعلله
- القبض، وهو حذف الخامس الساكن، فتصبح التفعيلة فعولُ.
- الخرم، وهو حذف أول الوتد المجموع، فتصبح التفعيلة، عولن، وتنقل إلى فعلن.
البحر الطويل لا يستعمل إلا تاماً
سمي البحر الطويل بهذا الاسم، لأنه طال بتمام أجزائه، فهو لا يستعمل إلا منهوكاً أو مشطوراً أو مجزوءاً، ومن أشهر القصائد التي نظمت عليه قديماً، معلقة امرؤ القيس، التي يقول في مطلعها:
قفا نبك من ذكر حبيبٍ ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخولِ فحوملِ
ومعلقة طرفة بن عبد، التي يقول في مطلعها:
لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقصيدة المتنبي (الحدث الحمراء)، التي يقول فيها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
ولامية الشنفرى (أحد الشعراء الصعاليك)، التي يقول فيها:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متعزّلِ
مفتاح البحر الطويل //طويلٌ له دون البحور فضائل//، وزنه //فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن//.
عروض البحر الطويل وأضربه
للبحر الطويل عروض واحدة مقبوضة هي /مفاعلن/، ولها عدة أضرب كالتالي:
- ضرب صحيح وهو مفاعيلن.
- ضرب مقبوض وهو مفاعلن.
وفي البحر الطويل دائماً تأتي العروض مقبوضة، إلا في حالة التصريع (انتهاء الشطر الأول بكلمة لها حرف روي كحرف الروي في الكلمة الأخيرة من الشطر الثاني في البيت، والتصريع بأكثره يكون في البيت الأول من القصيدة العمودية) مثال ذلك قول امرؤ القيس:
يعللنا هذا الزمان بذا الوعدِ ... ويخدع عما في يديه من النقدِ
التصريع هنا بين الوعد والنقد، وتفعيلة العروض هنا هي في (بذل وعدي) _بعد الكتابة العروضية_ فتكون العروض /مفاعيلن/، والضرب هنا في (منن نقدي) أيضاً بعد الكتابة العروضية، فتكون التفعيلة مفاعيلن.
وقد تأتي العروض صحيحة (مفاعيلن)، لكن الضرب يأتي مقبوضاً أي مفاعلن. وقد تأتي العروض محذوفة أي (مفاعي) والتي تقلب إلى فعولن، كذلك بالتصريع أي يكون الضرب محذوف مثلها أي (فعولن).
زحافات البحر الطويل وعلله
- الكف، مفاعيلُ.
- القبض، مفاعيلن تصبح مفاعلن.
- الخرم، في التفعيلة الأولى فعولن، وتصبح عولن، وتنقل إلى فعلن.
المتدارك.. البحر المتسق
سمي المتدارك بهذا الاسم، لأن الأخفش الأوسط (تلميذ الفراهيدي) تداركه بعد أن أهمله الفراهيدي، وسمي بالبحر المتسق، لاتساق تفعيلاته فكلها خماسية. استخدام هذا البحر قليل في الشعر القديم، لكنه أصبح شائعاً في العصر الحديث، ومن أشهر القصائد التي نظمت عليه هي قصيدة قارئة الفنجان للشاعر نزار قباني، وغناها الفنان المصري عبد الحليم حافظ، و مطلعها:
جلست والخوف في عينيها ... تتأمل فنجاني المقلوب
وقصيدة (ليل الصبِّ) للشاعر أبو الحسن المصري القيرواني، والتي غنتها فيروز، ومطلعها:
يا ليل الصب متى غدُه ... أقيامُ الساعةِ موعدُهُ
مفتاح البحر المتدارك، //حركات المحدث تنتقل//، وزنه //فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن//.
عروض البحر المتدارك وأضربه
- العروض صحيحة /فاعلن/ وضربه صحيحٌ مثلها أي /فاعلن/.
- العروض صحيحة (في مجزوء المتدارك، وهو ما بقي منه ثلاث تفعيلات في الشطر الواحد)، ولها ثلاثة أضرب، كالتالي:
- ضرب مخبون مرفل، (الترفيل إضافة سبب خفيف على الوتد المجموع في آخر التفعيلة) أي /فاعلاتن/.
- ضرب مذيل، (التذييل إضافة حرف ساكن على آخر الوتد المجموع في التفعيلة) فتصبح /فاعلان/.
- ضرب صحيح أي /فاعلن/.
زحافات البحر المتدارك وعلله
يدخل على حشو المتدارك عدة أنواع من العلل والزحافات، هي كالتالي:
- الخبن، فتصبح /فاعلن فعلن/، وقد تأتي كل تفعيلاته مخبونة فيسمى حينئذ بالبحر الخبب.
- القطع، وهو حذف الحرف الساكن من الوتد المجموع وتسكين ما قبله، والوتد المجموع هنا في فاعلن هو /علن/ أي //0، وبقطعها تصبح فاعلْ.
البحر المجتث مقتطعٌ من البحر البسيط
سمي المجتث بهذا الاسم، لأنه اجتث أي اقتطع من البحر البسيط، واستخدامه كان نادراً في العصر الجاهلي، بينما كثر استخدامه في العصر الأندلسي، والعصر الحديث. مفتاح البحر المجتث //إن جثت الحركات//، وزنه //مستفعلن فاعلاتن//.
عروض البحر المجتث وأضربه
للبحر المجتث عروض واحدة صحيحة وهي /فاعلاتن/ والضرب مثلها.
زحافات المجتث وعلله
يدخل على حشو المجتث عدة زحافات وعلل، كالتالي:
- الخبن، فتصبح التفعيلة في الحشو /متفع لن/ بدل /مستفع لن/.
- الكف، وهو حذف السابع الساكن، فتصبح التفعيلة /مستفع لُ/.
- الشكل، وهو كف وخبن معاً، أي حذف الثاني الساكن والسابع الساكن، فتصبح التفعيلة /متفع ل/.
- لا يمكن حذف الحرف الرابع من التفعيلة بالطي، لأنه وقع في وتد مفروق وهو (تفع) أي /0/ ولا يجوز التزاحف في الأوتاد، والشكل في الحشو يجعل موسيقى البحر قبيحة، لذا يستحسن عدم القيام به، أما بالنسبة للعروض فاعلاتن فتصبح بالخبن /فعلاتن/، وبالكف /فاعلات/، وبالشكل تصبح /فاعلات/، أما الضرب فلا يفضل فيه الكف والشكل، تحاشياً للوقوف على متحرك قصير.
البحر المديد.. ممتد الأسباب الخفيفة
سمي البحر المديد بهذا الاسم، لامتداد سببين خفيفين في كل تفعيلة من تفعيلاته السباعية، والبحر المديد ثقيلٌ على السمع، لذلك أقل منه الشعراء القدماء. مفتاح البحر المديد //لمديد الشعر عندي صفاتُ//، وزنه //فاعلاتن فاعلن فاعلاتن//.
عروض المديد وأضربه
للمديد عدة عروض وأضرب، كالتالي:
- عروض صحيحة مجزوءة أي /فاعلاتن/، والضرب صحيح مثلها.
- عروض مجزوءة محذوفة أي /فاعلن/، ولها ثلاثة أضرب كالتالي:
- ضرب مقصور وهو /فاعلان/.
- ضرب محذوف /فاعلن/.
- ضرب أبتر /فعلن/.
- عروض محذوفة مخبونة، ولها ضربان كالتالي:
- ضرب محذوف مخبون، فعلن.
- ضرب أبتر، فعلن.
البحر المضارع.. مماثل للبحر الخفيف
سمي البحر المضارع بهذا الاسم لمضارعته و مماثلته للبحر الخفيف، كما قال عنه الفراهيدي، مفتاح البحر المضارع //تعد المضارعاتُ//، وزنه //مفاعُ فاع لاتن//.
عروض البحر المضارع وأضربه
للبحر المضارع عروض واحدة صحيحة وهي /فاع لاتن/، والضرب صحيح متل العروض.
زحافات البحر المضارع وعلله
يدخل على حشو البحر المضارع عدة زحافات وعلل، أهمها:
- الكف، فتصبح التفعيلة، مفاعيلُ بدلاً من مفاعيلن.
- القبض، وتصبح فيه التفعيلة، مفاعلن بدلاً من مفاعيلن.
البحر المقتضب.. مقتطع من البحر المنسرح
سمي بهذا الاسم، لأنه اقتضب أي اقتطع من البحر المنسرح بحذف تفعيلته الأولى، وهو نادر الاستخدام في الشعر العربي، ويصلح لشعر الحكم والغزل والزهد، ومن أشهر القصائد المنظومة على البحر المقتضب، قصيدة حامل الهوى تعب لأبي النواس، التي غنتها فيروز، ومطلعها:
حامل الهوى تعب ... يستخفه الطربُ
إن بكى يحق له ... ليس ما به لعبُ
وبائية الشاعر أحمد شوقي، التي وصف فيها ليلة راقصة في قصر عابدين، وفي مطلعها يقول:
حفّ كأسها الحببُ ... فهي فضةٌ ذهبُ
مفتاح البحر المقتضب //اقتضب كما سألوا//، وزنه //مفعلات مفتعلن//.
عروض المقتضب وأضربه
لهذا البحر عروض واحدة مطوية وهي /مفتعلن/، وضربها مطوي مثلها.
زحافات المقتضب وعلله
- الخبن، فتصبح مفعولات معولات وتنقل إلى مفاعيلُ.
- الطي، فتصبح مفعولات مفعلات وتنقل فاعلات.
أخيراً.. لم تكن تلك البحور التي ذكرناها، كل بحور الشعر العربي، لكنها أهمها وأكثرها استخداماً سواء بين فحول الشعراء في العصور التي خلت، أو بين الشعراء في العصر الحديث، فهناك من البحور التي استحدثها تلاميذ الفراهيدي وأطلق عليها اسم البحور المهملة (لأن الفراهيدي أهملها، كما أهملت كثيراً في نظم القصائد)، وهي نادرة الاستخدام، ولم تدخل ضمن دائرة اهتمام كبار الشعراء، لأنها لا تعطي الوزن والموسيقى التي تعطيها البحور الخليلية، ولا يتوقف الوزن وضبط إيقاع القصيدة على الإلمام بعلم العروض وحده، إنما أيضاً للأذن الذواقة والموسيقية، بالإضافة إلى أن لتدفق أحاسيس الشاعر دورٌ كبيرٌ بإضفاء الجمالية على إيقاع وموسيقى القصيدة.