اليمن.. صيف حارق في مدن بلا خدمات والحديدة في الصدارة
"لا نستطيع الخروج ولا البقاء في المنازل، بسبب حرارة الجو" يقول مراد خالد، الذي أصيب أطفاله بأمراض جلدية متفاوتة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، في واحدة من أكثر المدن اليمنية الساحلية فقراً، وهي مدينة الحديدة التي لا يشفع لها موقعها الاستراتيجي المطل على البحر للتخفيف من تبعات صيف اعتاد السكان على تخفيف وطأته بأجهزة الكهرباء. لكنها الآن في صدارة قائمة المدن التي تشكو تدهور الخدمات بين ارتفاع أسعارها وانقطاعاتها في غالبية الأوقات، بما في ذلك، في عدن، مركز إقامة الحكومة المعترف بها دولياً.
مراد خالد وهو ثلاثيني أب لثلاثة أطفال، لا يملك إجابات على أسئلة صغاره الذين تسببت الحرارة بظهور بثور جلدية، في أماكن متفرقة من الجسم، إذ يقول لـ DW عربية: "إن الحياة بانقطاعات الكهرباء وارتفاع أسعارها تصبح صعبة داخل المساكن وحتى خارجها بالنسبة للصغار على الأقل. إذ أن سعر كيلوواط الكهرباء المقدمة ارتفع إلى نحو 25 ضعفاً، عما كان عليه الحال قبل أكثر من سبع سنوات".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
الأطفال لا يستطيعون النوم
على ذات الصعيد، توضح أمل سعيد وهي عشرينية تعيش مع أسرتها في مدينة الحديدة وتعمل في مدرسة خاصة، بأنه مع مجيء فصل الصيف هذا العام، تم رفع سعر كيلوواط الكهرباء إلى 250 ريالاً في المدينة، فيما تأتي الكهرباء مرتين إلى ثلاث مرات يومياً، وفاتورة كل أسبوعين "تقصم الظهر". وتقول إنه "من الجو الحار ما عاد نقدر ننام"، كما أن الكثير من السكان يخرجون إلى الشارع للنوم إذا لم يكن لديهم أسطح، بحثاً عن نسمة باردة.
الوضع في مديريات الحديدة (التقسيمات الإدارية من الدرجة الثانية)، ليس أفضل حالاً من مركز المدينة، وحسب محمد فاضل الذي يسكن مع زوجته وشقيقته ووالديه في مديرية الجراحي، فإن حرارة هذا الصيف مرتفعة جداً، حيث "الأطفال لا يستطيعون النوم بسبب الحر"، وكذلك "بعض كبار السن طبعا يلزمون بيتهم ولا يستطيعون الخروج وقت الظهيرة"، في حين أن الكهرباء المتوفرة بمركز المديرية بأسعار تجارية تصل إلى 550 ريالاً يمنياً للكيلوواط.
ويضيف في حديثه لـDW عربية أن تشغيل مكيف قد يعود بفاتورة تصل إلى 200 ألف ريال يمني، و"هو ما لا يستطيع تحمل تكاليفه غير التجار". وهناك من لديهم دخل كافٍ لشراء طاقة شمسية تقوم بتشغيل المروحة ولمبة إضاءة في الليل ويقول إنه "بعد انقطاع الراتب ساءت حالتنا كثيرا والكثير من الموظفين لا يستطيعون توفير لقمة العيش فكيف بالكهرباء؟!".
الكهرباء أم الأزمات في عدن
لا تستثني أزمات الخدمات التي تبلغ ذروتها خلال الصيف في المدن الساحلية، أي منها. ففي عدن، التي تعتبر ثاني أهم مدن البلاد، تمثل الكهرباء ملف المعاناة الأبرز التي يشكو منها السكان. ورغم أن السكان لا يدفعون التكاليف الباهظة كما في الحديدة، إلا أن الانقطاعات غالبية ساعات اليوم، لا تسمح بنوم أطفال هشام (38 عاماً)، ويقول لـDW عربية، إنه أسرته بالكامل، بما في ذلك هو، يعانون مضاعفات جلدية متفاوتة.
وخلال الأيام الماضية، دفعت الاحتجاجات التي شهدتها عدن بسبب أزمة الكهرباء، رئيس "المجلس الرئاسي"، الذي يمثل واجهة القيادة المعترف بها دولياً، رشاد العليمي إلى تصريح نادر من السعودية، حيث وعد ببذل كافة الجهود للتخفيف من وطأة معاناة السكان من حرارة الصيف، في مدينة يصل فيها العجز إلى نحو ثلثي القدرة الإنتاجية للمحطات العاملة.
الخدمات الحكومية توقفت كلياً
مع تصاعد الحرب في اليمن بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014 وصولاً إلى بدء الحملة العسكرية للتحالف بقيادة السعودية في مارس/ آذار2015 وما تبعها من تصعيد، توقفت خدمات الكهرباء التي تقدمها المؤسسة الحكومية، بشكل شبه كلي، على إثر الحرب.
وبينما لجأ السكان في أجزاء واسعة من البلاد إلى الطاقة الشمسية للحصول على الكهرباء من الألواح، بقي تأثير المستوى المعيشي الكارثي حاضراً في قدرة الكثير من الأسر على توفير المنظومة الشمسية الكافية، مع كونها مثلت تحولاً إيجابياً فرضته الحرب باعتماد نسبة كبيرة من السكان على الطاقة النظيفة.
في غضون ذلك، فإن المناطق الساحلية التي ترتفع فيها درجات الحرارة خلال الصيف، ظل الاعتماد فيها على الألواح الشمسية محدوداً، بسبب الاستهلاك الكبير الذي تتطلبه أجهزة التبريد بما فيها المكيفات والثلاجات المنزلية؛ لتجعل من معاناة السكان جنوباً وغرباً عنوانا متكررا مع بدء كل صيف، رغم نفقات كبيرة تستهلكها الكهرباء الممولة من الحكومة في مدن كعدن والمكلا جنوبي وشرقي البلاد.
وعلى الرغم من المعاناة المشتركة بين مختلف مدن الساحل اليمني الذي يصل طوله إلى نحو 2500 كيلومتر من بحر العرب وحتى الأحمر، تحتل الحديدة خصوصية في المعاناة، إذ دفعت المحافظة التي يقع فيها الميناء الأهم غرباً، ثمناً قاسياً خلال المعارك بين قوات الحكومة والحوثيين، الذين باتوا يسيطرون على الغالبية العظمى من مناطق المحافظة، بما فيها المدينة المركزية والميناء.
المعاناة في كل بيت
ويقول لـDW عربية، الصحفي والحقوقي اليمني بسيم الجناني إن خدمات الكهرباء في الحديدة التي انقطعت رواتب موظفيها الحكوميين منذ أعوام، منقطعة كلياً، في حين أن "الكهرباء التي توفرها سلطات الجماعة تُباع بالسعر التجاري، إذ ارتفعت من 7 ريالات للكيلوواط إلى 100 ثم 150 قبل أن تستقر مؤخراً على 250 ريالاً يمنياً". ويضيف بأنه كان هناك صندوق خاص لدعم كهرباء الحديدة يتم تمويله بإضافة 8 ريالات على كل لتر مشتقات نفطية تصل الميناء. وفي العام 2020، اتخذ الحوثيون، وفقاً للجناني، قراراً بنقل الصندوق من المصرف المركزي في الحديدة إلى صنعاء.
ويتابع أن الحديدة تعيش صيفاً حارقاً جداً، كشفت عنه الصور المنشورة مؤخراً، ويقول إن "المعاناة أصبحت في كل بيت وشارع، والأطفال هم أكثر شريحة تعاني من انقطاع التيار الكهربائي وانعدام الخدمات الصحية".
المعاناة في الحديدة لا تختلف كثيراً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وفقاً للجناني الذي يشدد على أنه "في المناطق التي تسمى محررة، هناك وجه آخر من المعاناة للناس، حيث الخدمات غير متوفرة وحكومة شرعية لم تقدم أي شيء في تلك المناطق"، فمناطق حيس والخوخة (لا يسيطر فيهما الحوثيون)، التي تعتبر "مدعومة من قبل التحالف والشرعية، للأسف نفس الأسلوب نفس الوجع، حيث هناك انعدام للتيار الكهربائي في حيس والخوخة والمياه غير متوفرة والمراكز الصحية تدعمها المنظمات فقط وهي قليلة جداً".
الحصار وارتفاع أسعار الوقود
من جانبه، يرجع نائب مدير الكهرباء في منطقة الحديدة، هاني الدعبوش، أسباب الانقطاعات في المدينة إلى ما يصفه بـ "الحصار المفروض على بلادنا من دول التحالف. وبسببه لا نستطيع إدخال المشتقات النفطية المازوت والديزل ولا الزيوت الخاصة بالمحطات ولا قطع الغيار التي تحتاجها المحطات للصيانة".
أما ارتفاع أسعار الكهرباء فيقول إنها تعود إلى ارتفاع أسعار الوقود وسعر الدولار الأمريكي أمام العملة المحلية، وكل ذلك و "المشاكل التي تواجهها البلاد في موضوع الكهرباء وغير الكهرباء"، سببها ما يصفه بـ"العدوان"، إشارة إلى التحالف.
أما على صعيد الحلول المطلوبة للتخفيف من المعاناة، يشير الدعبوش إلى أن أحمال المدينة تصل إلى 34 ميغاواط ولكنها ترتفع بسبب ارتفاع درجات الحرارة. في حين تعمل إدارة الكهرباء على مواجهة العجز بالعديد من الحلول، منها اتفاقية بإضافة محطة بقدرة 15 ميغاواط سيتم إدخالها إلى الشبكة الكهربائية للمحافظة.
في المقابل، يرى الجناني أن الحل في الحديدة يكمن في أن "تُخصص الموارد التي يتم جنيها من ميناء الحديدة لأبناء المحافظة كونهم الأحق بهذه الأموال ولو جزء بسيطا لتوفير الخدمات المباشرة خاصة الكهرباء والمياه". إذ أن الأخيرتين بحاجة إلى توفير الأموال لدعمهما. محذراً من أن المعاناة مرشحة "للتفاقم" حيث أننا "مقبلون على أشهر أشد حرارة".
صفية مهدي