"الملكة كليوباترا"حائرة بين "ضجة"نتفليكس و"تقصير"مصر!
بدء منصة "نتفليكس" الأمريكية بث فيلمها "الملكة كليوباترا"، أثار الجدل والغضب بين كثير من المصريين ودعا البعض إلى المقاطعة وفيما طالب آخرون لإنتاج عمل سينمائي يُفنده عن الملكة التي حكمت مصر بين عامي 51 و30 قبل الميلاد.
ويعود الجدل حيال الفيلم الذي بدأ بثه الأربعاء (10 مايو / أيار 2023) إلى ظهور بطلة العمل التي تجسد كليوباترا بملامح أفريقية وبشرة سمراء، مما تسبب في ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي منذ نشر المنصة المقطع الترويجي للفيلم على يوتيوب قبل ثلاثة أسابيع.
وبالتزامن مع بدء بث الفيلم، انطلقت دعوات على منصات التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعته تحت مزاعم "تزييف التاريخ المصري" وهو الاتهام الذي ساقه "المجلس الأعلى للآثار" في مصر ضد نتفليكس التي قامت بتغيير تصنيف العمل من "وثائقي" إلي "وثائقي خيالي".
فيلم خيالي وليس وثائقيا
تعد الدكتورة مونيكا حنا، عميدة كلية الآثار والتراث بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، واحدة من أبرز المتخصّصين في التراث المصري إذ كرست سنوات عديدة من حياتها لحماية التراث الثقافي، انتقدت في مقابلة مع DW عربية، دعاية منصة "نتفليكس" بأن فيلمها عن"الملكة كليوباترا" يعد "وثائقيا"، مؤكدة أن العمل "كان يجب أن يكون فيلما خياليا وليس فيلما وثائقيا تاريخيا".
وتنتمي كليوباترا للسلالة المقدونية، إذ تعد آخر ملوك الأسرة المقدونية التي حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 قبل الميلاد. ورغم أن الأساطير تقول إن الملكة التي استمر حكمها لعام 30 قبل الميلاد، كانت تتمتع بجمال رائع، إلا أن مظهرها ولون بشرتها مازال عرضة للتكهنات والتفسيرات.
بدورها، قالت الدكتورة مونيكا حنا إنه لا يمكن الوقوف على حقيقة لون بشرة كليوباترا، مضيفة "من الصعب معرفة ذلك، ما لم نجد قبرها وربما في حالة وجود بعض الرفات البشرية التي تخصها سليمة. وفي هذه الحالة، يمكننا تقدير اللون، لكن يجب القول بأن اللون لم يكن ذا أهمية كبيرة في العالم القديم حيث كانت الثقافة واللغة مصدر الهوية".
ولم تتوقف ردود الفعل على بث الفيلم على بيانات غاضبة بل امتد الأمر إلى بث فيلم وثائقي آخر عن الملكة كليوباترا على موقع يوتيوب و أمازون برايم" في نفس يوم عرض "نتفليكس" فيلمها، وفقا لما ذكره عالم الأثار المصري زاهي حواس في بيان.
وأعربت مونيكا حنا عن تفهمها لحالة الغضب في مصر تجاه الفيلم، رغم رفضها لأي "تعليقات عنصرية".
الغضب مبرر
من جانبها، ترى الناقدة السينمائية دعاء حلمي أن حالة الغضب ضد المقطع الترويجي "مبررة ومقبولة"، مشيرة إلى وقائع سابقة مثل الجدل الذي صاحب مسلسل "الملك أحمس" المقتبس من رواية "كفاح طيبة" للأديب المصري نجيب محفوظ قبل عامين.
وقالت رغم أن المسلسل كان إنتاجا مصريا، إلا أنه تعرض لانتقادات بسبب "احتوائه على مغالطات تاريخية"، لكنها أقرت إن حالة الغضب ضد فيلم "الملكة كليوباترا" كبيرة. وأضافت حلمي في مقابلة مع DW عربية "قد يرى البعض أن نتفليكس ربما ترغب في أخذ الأمر في سياق حسابات أخرى والقول بأن جذور الحضارة المصرية أفريقيةوأن المصريين ليس بُناة الأهرامات، خاصة وأنه كانت هناك محاولات سابقة لتجريد المصريين من حقهم التاريخي وإرثهم الفرعوني".
وكان المجلس الأعلى للآثار قد نشر بياناً مطوّلاً شدد فيه على أنّ كليوباترا كانت "ذات بشرة فاتحة اللون وملامح هيلنستية (يونانية)" فيما أكد الأمين العام للمجلس مصطفى وزيري أنّ "ظهور البطلة بهذه الهيئة يعدّ تزييفاً للتاريخ المصري".
ومنذ بث المقطع الترويجي للفيلم، اجتاحت حالة غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر فيما جرى تدشين العديد من العرائض عبر الإنترنت تطالب بوقف الوثائقي، وجمعت إحداها أكثر من 40 ألف توقيع.
وقد حاز اللقاء التلفزيوني للإعلامي المصري الساخر المعروف باسم يوسف مع الإعلامي البريطاني الشهير بيرس مورغان، على إعجاب الكثيرين؛ إذ أشاد رواد مواقع التواصل الاجتماعي بدفاعه عن وجهة النظر المصرية حيال قضية كليوباترا. وقال يوسف في اللقاء: إن هوليوود تسعى إلى "محو وتشويه" الحضارة المصرية في أعمالها الأخيرة، مؤكدا أن "اعتراض المصري لا يتعلق بلون البشرة وإنما ضد عملية استحواذ ثقافي ممنهج للحضارة المصرية."
يشار إلى أن الفيلم الذي يحمل عنوان "الملكة كليوباترا" يتناول الحروب التي خاضتها الملكة الفرعونية لحماية عرشها وعائلتها وإرثها، وهو من إنتاج جادا بينكيت سميث، زوجة الممثل الشهير ويل سميث.
تقصير مصري!
وفي سياق متصل، قالت الناقدة السينمائية دعاء حلمي إن هناك حالة "قصور" فيما يتعلق بالأعمال المصرية السينمائية والدرامية عن الحضارة الفرعونية، مضيفة أن "مصر هي الموطن الأصلي للحضارة الفرعونية، لكن لم يُقدم في مصر ما يعكس حقيقة ذلك". وقالت إن حالة التقصير تعد "مجحفة ومرعبة فيما يتعلق بالحديث عن حضارتنا، لذا يجب ألا ننزعج عندما يتحدث آخرون عن حضارتنا حتى لو كانت لديهم رسائل وأهداف أخرى".
ويتفق في هذا الرأي الكاتب الصحافي والناقد السينمائي أحمد السماحي، الذي قال في مقابلة مع DW عربية، إنه "على مدى تاريخ الدراما المصرية الممتد لأكثر من 63 عاما، لم نتناول لا من قريب ولا بعيد الحضارة الفرعونية، إلا في بعض الحلقات البسيطة للغاية مثل حلقات مسلسل (لا إله إلا الله) الذي قُدم على مدار سنوات بداية من الثمانينيات". وأضاف "لكن بصفة عامة، نحن مقصرون بدرجة كبيرة في تقديم الحضارة الفرعونية رغم أنها تزخر بالقصص الرائعة والشيقة والطرائف. ومليئة بكل ما هو مثير يصلح للدراما ومغري للعمل السينمائي".
"لن تكون الأخيرة"
وقال السماحي "لقد فشلنا على مدار التاريخ الدرامي والسينمائي وحتى المسرحي في تقديم كليوبترا، إلا في حالات ضئيلة وعلى استحياء شديد. مؤخرا ورغم هذا التطور المذهل والأموال الضخمة التي تقدر بالمليارات التي تنفق على الدراما سنويا، لم يتم تخصيص أي جزء منها لإنتاج أعمال خاصة بالحضارة الفرعونية."
يشار إلى أن الجدل حيال فيلم "الملكة كليوباترا" وصل إلى ساحات القضاء المصري، إذ تلقت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة دعوى تطالب السلطات المصرية بالتدخل لوقف بث منصة نتفليكس للفيلم بزعم أنه يحتوي "على مغالطات تاريخية فادحة ويشكل اعتداء صارخا على تراث مصر الحضاري والثقافي".
بدوره، قال السماحي إن أزمة فيلم نتفليكس "لن تكون الأخيرة، طالما لم يتم إنتاج عمل مصري قوي يُعرض على المنصات والقنوات الكبرى عن الحضارة الفرعونية".
وفي السياق ذاته، قالت عالمة الآثار مونيكا حنا "لقد خذلت المناهج الرسمية المصريين فيما يتعلق بمثل هذه القضايا الحاسمة، لذا فإن إمكانية وصول المصريين إلى ماضيهم هشة، لذا فهم غير قادرين على مشاركة ذلك بدقة".
محمد فرحان - القاهرة