المغني العالمي بوب مارلي
تستطيع معرفة الكثير عن شخصية المحيطين بك من خلال نوعية الموسيقى التي يستمعون إليها, كما تستطيع فهم الأفكار التي يؤمنون بها, حيث ستجد أنهم يبحثون في عالم الفن والغناء, عن المغني الذي يعبر عن هذه الأفكار, كما يشاركهم طموحاتهم عبر كلماته وألحانه, فماذا إذا كان هذا المغني هو بوب مارلي؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
بوب مارلي الطفل
ولد روبرت نيستا مارلي (Robert Nesta Marley) الذي عرف لاحقاً باسم بوب مارلي (Bob Marley), في السادس من فبراير/ شباط عام 1945، في جمايكا, تحديداً مقاطعة سانت آن باريش, في مزرعة جده لأمه, كان أبوه نورفال مارلي (Norval Sinclair Marley) أبيضاً من أصول سورية, ينتمي إلى أسرة يهودية سورية مهاجرة, كما كان ضابطاً في البحرية الإنجليزية, حيث تزوج من مزارعة جمايكية تدعى سيديلا بوكر (Cedella Booker), إلا أن والد بوب اضطر لهجر العائلة نتيجة رفض زاوجه من قبل أهل زوجته, إضافة إلى أنه طُرد من البحرية الإنكليزية لأنه تزوج من جمايكية سوداء.
توفي والد بوب عام 1955, فيما بعد انتقلت والدته للعيش في العاصمة الجمايكية كينجستون (Kingston), ثم تزوجت من ثيودس ليفينغستون (Thadeus Livingston), حيث كان ابن زوجها الملقب بالأرنب صديقاً لبوب, ثم عضواً في فرقته, كما أنجب الزوجان أختاً لبوب (بيريل).
كانت طفولة بوب مارلي فقيرة, حيث عانت عائلته من أزمات مالية كبيرة, إلا أنه على الرغم من فقره, أبدى اهتمامه بالموسيقى مذ كان طفلاً في الثانية عشرة, حيث كان يستمع إلى ما تبثه الإذاعة من أغاني لأنه لم يملك ثمن الأسطوانات الموسيقية, كما تشارك هذا الشغف مع صديقة الأرنب, فيما بعد بدأ بوب والأرنب بتعلم العزف على الغيتار, إضافة إلى أنهم تعرفوا على العديد من هواة الموسيقى في أفقر أحياء العاصمة الجمايكية, فشكلوا معاً ما يشبه الجمعية الموسيقية.
انطلاقة بوب مارلي وفرقة ويلرز (Wailers)
في الثامنة عشرة من عمره, سجل بوب مارلي أغنيته الأولى (Judge Not), كما سجل أغنيتين فيما بعد, إلا أنها لم تكن تجربة موفقة, لاحقاً أنشئ بوب مارلي مع مجموعة من رفاقه فرقة موسيقية في العام 1963, أطلقوا عليها اسم ويليرز (Wailers), التي تعني البكائين, وقاموا بتسجيل أغنيتهم الأولى (Simmer Down), حيث لاقت الفرقة رواجاً في جمايكا, كما سجلت أكثر من ثلاثين أغنية.
- على الرغم من أن مارلي قد بدأ للتو مشروعه الموسيقي, إلا أنه أضطر بسبب الظروف المادية القاسية أن يترك الفرقة, ليلحق بأمه إلى الولايات المتحدة الأمريكي, كما أنه تزوج من ريتا أندرسون (Rita Anderson) قبل سفره إلى أمريكا في العام 1966.
- عمل بوب في أميركا عدة أعمال, من عامل تنظيف إلى عامل على خط الإنتاج, إلا أنه لم يبق طويلاً هناك, فعاد إلى جمايكا بعد أقل من ثمانية أشهر, إضافة إلى المال الذي استطاع مارلي توفيره, فقد تأثر أيضاً بالحركة المطالبة بإنهاء التمييز العنصري ضد السود في أميركا آن ذاك, كما شاهد الظلم الذي يتعرض له السود عن كثب.
- عندما عاد بوب مارلي إلى جمايكا, أعاد لم شمل فرقة ويليرز, حيث كان بوب يكتب كلمات الأغاني للفرقة, إضافة إلى أنه كان هو من يلحنها, إلا أن الأوضاع المادية لأعضاء الفرقة بقيت سيئة وقاسية, كما أن هاجس الانطلاق إلى العالمية بدأ يشغل بوب مارلي.
- من جانب آخر كتب مارلي الأغاني للمغني جوني ناش, الذي فتح أمامه الطريق للتعرف على العديد من الأشخاص المهمين, فيما بعد ذهب بوب إلى لندن عام 1971, حيث استطاع أن يجتمع مع المنتج كريس بلاكويل Chris Blackwell, يس بلاكويل ( واستطاع أن يجتمع مع المنتج العديد من الأشخاص المهمين, فيما بعد ذهب بوب إلى دأ يشغل بوب مارلي. د السود في أميركا آ) صاحب شركة (Island Records), فتم الاتفاق بينهما على إنتاج أول ألبوم للفرقة, بعنوان الإمساك بالنار (Catch a Fire), حيث تم تسجيله وتوزيعه عام 1973, كما تم تسجيل ألبومهم الثاني بعنوان المحترق (Burnin) الذي تضمن أغنية أطلقت النار على الشريف (I Shot the Sheriff), حيث احتلت هذه الأغنية الصدارة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية, إضافة إلى جمايكا لعدة أسابيع.
- من جانب آخر قامت ويلرز بتقديم العديد من العروض في بريطانيا, وأمريكا, فأخذت شهرتهم بالاتساع, إضافة إلى الإقبال الذي لاقته موسيقى الريغي الجمايكية لدى الجمهور, إلا أن الفرقة توقفت عن العمل عام 1974, حيث غادرها ثلاثة أعضاء ليعملوا بشكل منفرد, لكن سرعان ما عاد مارلي إلى رفد فرقته بأعضاء جدد من بينهم زوجته ريتا, فأطلق أغنيته الشهير, لا يا امرأة لا تبكي (No Woman, No Cry), التي قادت بوب مارلي إلى العالمية.
- تعرض بوب مارلي لمحاولة اغتيال عام 1976, حيث هاجمه مسلحون في منزله في جمايكا, حين كان يستعد لحفلة مجانية أقيمت تحت رعاية الحكومة الجمايكية, بهدف تخفيف التوتر بين الجهات المتحاربة في جمايكا آن ذاك, أصيب مارلي وزوجته إصابات طفيفة, كما قدم الحفل في موعده المحدد, في حين أن أعضاء الويلرز لم يكونوا جميعاً موجودين. قال مارلي عندها "إن الناس الذين يحاولون جعل هذا العالم أسوأ, لا يأخذون يوم عطلة, فكيف أستطيع أنا فعل ذلك", إلا أن مارلي غادر إلى بريطانيا في اليوم التالي من الحفلة, فيما بعد كرر مارلي هذه التجربة في العام 1978, حيث قدم حفلاً مجانياً في جمايكا, جمع من خلاله زعيم المعارضة وزعيم الحزب الحاكم في جمايكا على خشبة المسرح.
- أصدر بوب مارلي أغنيته الهجرة, أو الخروج (Exodus), التي استقى كلماتها من قصة خروج النبي موسى وبني إسرائيل, كما أصدر أغنية الانتظار العبثي (Waiting in Vain), إضافة إلى أغنية التشويش (Jamming), حيث أصبحت هذه الأغاني بالذات أيقونة موسيقى الريغي, كما أصدر مارلي في ما بعد العديد من الأغاني المناهضة للتميز العنصري ضد الأفارقة, على غرار استيقظ وعش (Wake Up and Live).
بوب مارلي والعقيدة الراستفارية
اعتنق مارلي الحركة الراستفارية (Rastafari) عام 1966, الراستفارية هي حركة دينية انطلقت في جمايكا عام 1930, حيث نشأت بين الطبقات الأفريقية العاملة, فهي حركة دينية مسيحية قومية, تنظر إلى أفريقيا على أنها مهد العالم, كما تنظر إلى الإمبراطور الأثيوبي السابق هيلا سيلاسي على أنه تجسيد للإله, وظهور للمسيح عليه السلام, حيث تطلق الراستا عليه اسم جاه (Jah).
يُعتبر بوب مارلي من أهم سفراء الراستا حول العالم, حيث تمسك بتقاليدهم وناموسهم, من خلال قبعته الملونة بألوان العلم الأثيوبي, التي هي ألوان الراستا المقدسة, إضافة إلى جدائل الشعر التي تعبر عن القوة لدى الراستا, كما تعتبر المارجونا من طقوس الراستا للتقرب من الإله جاه, من جانب آخر رفض بوب مارلي بتر إصبع قدمه إثر إصابته بورم خبيث, ذلك أن البتر محرم لدى الراستا, كما أدخل بوب مارلي مفردات دينه ضمن كلمات أغانيه, على غرار التضرع لجاه.
الحب, السلام, التحرر
مذ بدأ بوب مارلي مشواره الفني, حمل همومه القومية على كتفه, فهو لم يتوقف عن المناداة بالتحرر من التمييز العنصري ضد السود الأفريقيين حول العالم, كما تعتبر أغنيته جندي بوفالو (Buffalo Soldier) من أهم ما قدمه مارلي في هذا الخصوص, حيث تقول الأغنية:
"جندي بوفالو في قلب أمريكا
سُرق من أفريقيا وجُلب إلى أميركا
يقاتل منذ وصوله, يقاتل لكي ينجو"
إضافة إلى أغنيته حرب (war), التي يؤكد من خلالها أن الحرب ستبقى مستمرة في حال بقي التمييز العنصري مستمراً, فيقول:
"حتى ذلك اليوم الذي لن يكون فيه مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية من أي بلد
حتى ذلك اليوم الذي لن تكون فيه أهمية للون بشرة الإنسان أو لون عينيه
ستظل الحرب قائمة"
كما خاطب مارلي الإنسان في كل مكان ليطالب بحقوقه من خلال أغنية قم وانهض (Get Up Stand Up) التي تقول كلماتها:
"قم, انهض
انهض من أجل حقوقك
لا تنسحب من المعركة".
كما غنى مارلي لحب الحياة, حيث دعا الناس بكلماته للغناء, والاطمئنان للمستقبل, من خلال أغنيته ثلاثة طيور صغيرة (Three Little Birds), حيث تقول الأغنية:
"غني, لا تقلق بشأن شيء
لأن كل شيء صغير سكون على ما يرام"
من جهة أخرى ستجد مارلي يقدس الحب في أغنيته, هل يمكن أن تكون محبوباً (Could You Be Loved), فيقول:
"الحب لن يتركنا وحدنا, سيخرجنا من الظلام إلى النور".
من خلال أغانيه تمكن بوب مارلي من الوصول إلى ملايين الناس حول العالم, حيث جمعته بهم أفكارهم المشتركة, إضافة إلى رغبتهم بالتحرر من أي شكل من أشكال التمييز العنصري, كما جمعته بهم الرغبة العالمية في العيش بسلام, في خدمة هذه المفاهيم والأفكار, كتب بوب مارلي أغانيه ولحنها وغناها, كما جاب فيها دول العالم ليكون صوته مسموعاً.
مرض مارلي ووفاته
أصيب مارلي بسرطان جلدي في العام 1977, بدأت أعراضه بالظهور في إصبع قدمه, لكنه رفض عملية البتر, حيث أن بتر أعضاء الجسم غير مسموح به في عقيدته الراستا, فانتشر المرض في جسده, حتى فارق بوب مارلي الحياة في الحادي عشر من شهر مايو/أيار عام 1981, عن عمر ناهز السادسة والثلاثين عاماً.
كان بوب مارلي شخصية تختلف حولها الآراء, فهو من جهة محبوب بالنسبة للكثيرين, لأنه يعبِّر عنهم, إلا أن البعض اعتبره خطراً على جيل الشباب من جهة ثانية, حيث ينظر له البعض على اعتباره مدمناً على المخدرات, وغريب الأطوار, لكن الثابت أن بوب مارلي الذي توفي شاباً ترك بصمة في عالم الموسيقى, كما ساهم في التعريف بثقافة بلده, إضافة إلى ذلك حصل على العديد من الجوائز التقديرية بعد وفاته, أهمها نقش اسمه في جادة مشاهير هوليود في الولايات المتحدة الأمريكية.