اللاجئون السوريون في لبنان... هل تصل المساعدات إلى مستحقيها حقاً؟
في الطريق إلى الطَيْبة صعوداً من الساحل اللبناني نجتاز "سلسةَ جبال لبنان الغربية". الثلوج هنا ضيفٌ شبهُ دائم. الحرارة في هذا اليوم المُشمس تقارب الاثنتين فوق الصفر. تهبط بنا الطريق نحو البقاع فنسقط بين سلسلتين جبليتين شرقية وغربية، يحجز مكانَه الثابت فيها "الجنرالُ الأبيض" بصقيعه وحرارته المنخفضة. كلما تقدمنا شمالاً لاقتنا مشهديةُ مخيمات، موزعة يمنة ويسرة، "منثورة" فوق تراب مُوحل.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مع وصولنا إلى مخيم اللاجئين السوريين الذي يحمل اسم "المخيم 002" استقبلتنا أصوات الأطفال. يلهو بعضم بكرة تعِسة وبعضهم الآخر يتفاعل راقصاً مع أغنيات الطفولة. نجول بناظرينا فنلمح أطفالاً يحيطون بآبائهم حاملين ما يشعلونه للتدفئة. أغصان شجر، بلاستيك، وحتى أحذية تالفة تُحرق، إضافة إلى الزيت المحروق وفي البال طبعاً سلاسل الجبال المكللة بالأبيض.
"صيف وشتاء تحت سماء واحدة"؟!
سريعاً التفّ حولنا كبار المخيم وصغاره، وسريعاً "هطلت" القصص. صبحية (40 سنة) كفيفة ووضعها "تحت الصفر". عائلتها مكونة من شابين وشابة. ابنتها مروى كفيفة أيضاً. "ليس لديهم حتى مدفأة لتقيهم الصقيع. ولا حتى مساعدات". هكذا تروي لنا "حوريّة" (50 سنة). تقول الأخيرة إنها تتلقى 24 يورو عن كل فرد من عائلتها إضافة إلى نحو 150 يورو للمازوت شهرياً خلال فصل الشتاء، ومن العائلات من يتلقى مبلغ 325 يورو للمازوت لخمسة أشهر". حال "حورية" يتشابه مع حال الكثيرين هنا. يقول "رمضان" إن المساعدات بدأت تصله "عندما تحقق جزء من عودة اللاجئين إلى سوريا، فيبدو أنهم حولوا لنا ما كانوا يقدمونه لمن عاد".
أبناء المخيم وقاطنوه هم لاجئون من الرقة ومنبج وعين عيسى ودير الزور. الحرب في بلادهم اغتالت بعضاً من روح التفاؤل والأمل عندهم. يأسفون لما يشبهونه بـ "صيف وشتاء تحت سماء واحدة" في توزيع المساعدات "حتى بين أبناء المخيم الواحد". مهى المِدْرَس تعيش اليوم في خيمة شقيقتها. لا تصلها المساعدة بينما تصل إلى أختها. خولة المصطفى أيضا لا تتلقى مساعدات. إبراهيم عيسى يتحدث بتحسر عما يرى فيه تمييزاً: "أنا رأيتهم بعيني (المفوضية العليا) يقدمون المساعدات والفرشات في مخيمات غزة والمرج، لماذا نحن لا؟".
شاهد أيضاً: فيديو بيع سيارة كلاسيكية نادرة برقم خيالي
قصص تتشابه أو تتعارض. وثمة بالتأكيد من تتشابه قصته وقصة "إبراهيم يوسف اليوسف". الرجل يروي لنا كيف كانت تصله المساعدات وفجأة "ابتلعت الماكينة بطاقتي (...) وحاولت بكل الوسائل التواصل مع المفوضية من دون نتيجة".
أرقام... وآليات
تتفاوت الإحصائيات حول عدد اللاجئين السوريين في لبنان، فبعضها يقدره بـ 950 ألفاً، وبعضها الآخر بمليون و 300 ألفاً وبعضها الآخر بمليون ونصف، وهذا التقدير قد يرتفع إلى مليون و 800 ألفاً. ولكن كيف يتم التعاطي مع المساعدات والأموال؟
ليزا أبو خالد، المسؤولة الإعلامية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تحدثت لـ "مهاجر نيوز"، فقالت إن "كل المشاريع تخضع لآلية دقيقة للرصد والتقييم. نحن ملزمون بتقديم تقرير دوري دقيق للدول المانحة بعد كل مشروع نقوم به، يتضمن وجهة استخدام الأموال وعدد المستفيدين. كما أن هناك جهة خارجية مستقلة تراقب هذه الآلية بإحكام".
تؤكد المسؤولة أن "المساعدات النقدية لا تصل إلى كل النازحين بالطريقة نفسها لأن إمكانياتنا المادية محدودة"، وتضيف: "حالياً وضمن برنامج المساعدات النقدية نساعد 30% من العائلات اللاجئة. قيمة المساعدة 173 دولاراً شهرياً للفئات الأكثر حاجة، ويقدرون بنحو 280 ألف شخص"، وتتابع: "برنامج الأغذية العالمي يدعم ٦٩٥ ألف شخص بالمساعدات الغذائية. وكل شخص يحصل على مبلغ 27 دولاراً. وثمة نحو ٨٥٧ ألف لاجئ يحصلون على مساعدة بقيمة 370 دولاراً للتدفئة وغيرها من الحاجات محددة بأشهر فصل الشتاء".
وتتحدث المسؤولة الإعلامية عن "برنامج مساعدات نقدية للحماية" ويستفيد منه 6850 شخصا في لبنان. والأشخاص المستهدفون هنا يتبدلون باستمرار مع تبدل تقييمنا للأسر الأكثر حاجة".
ولدى سؤالنا عن إشكاليات تتعلق بالبطاقات المخصصة للمساعدة، تلفت أبو خالد إلى وجود خطوط ساخنة للمتابعة. وتعود لتؤكد مراراً وجود آليات المراقبة "الثابتة والفاعلة في كل ذلك لتفادي أي خلل".
بدأت بـ 20 ووصلت إلى 200!!
مصدر حكومي مطلع على ملف النازحين، وشارَكَ في كل المؤتمرات الدولية ذات الصلة، قال لـ "مهاجر نيوز" إن "الضعف يعود لعدم وجود خطة أو آلية واضحة لإدارة الملف. مثلاً، خلال العامين 2014 و 2015 تلقت لبنان دعماً مالياً كبيراً، ولكن جزءاً كبيراً من التمويل لم يذهب إلى قياس الأثر، بل الهدف كان -ولا يزال- هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين. الاهتمام هو بالكمية وليس بالنوعية، حتى غدا القول إننا قدمنا مساعدات إلى 600 ألف لاجئ مثلا أسهل بكثير من الحديث عن نوعية المساعدة وكفايتها. وكذلك، تكرار المساعدة للمستفيدين لا يعني تقديم نوعية جيدة".
المصدر المطلع فضّل عدم كشف هويته، وقال إنه "في إطار محاولة الاستجابة لهذا الكم من النازحين والأزمات، رفعت المنظمات والجمعيات عدد موظفيها، وبخاصة منها الجمعيات اللبنانية التي بدأت بعشرين موظفاً لتصل إلى ما يزيد على الـ 200، بالتالي أصبح جزء مهم من الأموال يُخصص لدفع رواتب هؤلاء بدلاً من اللاجئين!!".
يُتابع المصدر المطلع: "لا يمكن القول إنه كان هناك هدر واللاجئون لم يصلوا إلى حقهم، ولكن أيضاً لا نستطيع القول إن الأموال استخدمت كلها بصورة مُثلى. وإذا لم يكن هناك موقف في السياسة فكيف بالتطبيق؟! ولا نغفل عن أن غياب السياسة العامة دفع بالوزارات للعمل بشكل منفرد مع المنظمات الدولية، وبهذا ضعُف دور الدولة أكثر لجهة الرقابة، بدل أن تكون حاضرة في الصياغة، التخطيط، التنفيذ والرقابة".
وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس قال لـ "مهاجر نيوز" إن "الدولة اللبنانية بالكاد تصلها أموال، ومتى ما وصلت فإن بيروت تكون شريكة مع الأمم المتحدة، بمعنى أنها تحصل على الأموال مثلها مثل بقية المنظمات الدولية والجمعيات، لا بل في كثير من الأحيان تكون حصتها أقل". ويتحدث الوزير عن "خطة استجابة لبنان لأزمة النازحين LCRP والتي حددت دور الدولة بتمويل مشاريع تنموية صغيرة للمجتمعات المضيفة، بينما المفوضية وشركاؤها معنيون مباشرة بالاهتمام باللاجئين".
"المساعدات جزء من كل"
زياد الصايغ الخبير في شؤون السياسات العامة واللاجئين، يرى في حديث لـ "مهاجر نيوز" أن "موضوع المساعدات هو جزء من كل، لا يمكن فصله عن الفشل العام في إدارة اللجوء".
ويضيف: "عدم إقرار سياسة عامة جعل محتماً على الدولة اللبنانية تلزيم ملف المساعدات الإنسانية من خلال المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أو برامج الأمم المتحدة لكثير من هيئات المجتمع المدني. هذه الهيئات قامت بعمل جيد نعم، ولكن حتماً في ظل غياب الرقابة الجدية من الدولة يمكن الحديث بجدية عن خلل في إدارة منظومة المساعدات المالية".
ومهما كان سبب بقاء بعض اللاجئين الذين صادفناهم في المخيم بلا مساعدات، يبقى اللاجئون على أمل أن تصلهم مساعدات تجعلهم يعيشون حياة كريمة.