القطاع المالي الأمريكي يواجه تحديات بسبب سياسات ترامب
منذ تولي دونالد ترامب حكم الولايات المتحدة الأمريكية، شهدت الأسواق المالية حالة من الانتعاش مدفوعة بتفاؤل المصرفيين ومديري الأموال بأن تدخل المؤسسات المالية الأمريكية عصرًا ذهبيًا جديدًا، إلا أن مجريات الأحداث جاءت عكس التوقعات تمامًا، حيث يواجه القطاع المالي الأمريكي تحديات شديدة بسبب سياسات ترامب المالية الأخيرة.
على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، تميزت البنوك الأمريكية وشركات إدارة الأصول بتفوقها الواضح على نظرائها الأوروبيين، إذ تمكنت من التعافي من أزمة 2008، واستثمر التفوق التنظيمي والاقتصادي لتعزيز مكانتها، وأصبحت شركات مالية أمريكية مثل غولدمان ساكس، وجيه بي مورغان، ومورغان ستانلي وبنك أوف أمريكا لاعبين أساسيين في الساحة العالمية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
سجل مديري الأصول الأمريكيين أيضًا نجاحًا باهرًا، إذ جذبت شركات مثلا بلاك روك تدفقات استثماري ةغير مسبوقة، وسرعان ما بسطت المؤسسات الأمريكية هيمنتها على قطاع أمناء الحفظ للأصول، حيث تسيطر على أربعة من بين أكبر 5 مراكز عالميًا.
ونجحت الولايات المتحدة في تحقيق هذا التفوق بفضل عوامل قوية، منها النشاط الاقتصادي الداخلي القوي، والأسواق المالية الواسعة، والأوراق المالية الأمريكية التي لا تزال الوجهةا لمفضلة لدى المستثمريين العالميين.
اقرأ أيضًا: الصين توجه ضربة موجعة لأمريكا عبر سلاح المعادن النادرة
اضطراب غير متوقع في الأسواق المالية
وفي غمرة هذا التفاؤل، أقدم ترامب على فرض رسوم جمركية على معظم دول العالم تقريبًا فيما أسماه "بيوم التحرير"، وتبعها تجميد جزئي للرسوم لمدة 90 يومًا، وهو القرار الذي أدخل الأسواق في موجة اضطرابات غير متوقعة.
ولم يكتف ترامب بفرض الرسوم فحسب، بل ابتع نبرة عدائية هو ومستشاريه، وصلت إلى حد التلويح باستخدام القطاع المالي الأمريكي كسلاح استراتيجي. هذا التوجه دفع العديد من الدول والشركات لإعادة النظر في اعتمادها على المؤسسات الأمريكية، وبدأت الشك في جدوى الاحتفاظ بسندات الخزانة الآمريكية كملاذ آمن.
اتجهت بعض الشركات الأجنبية إلى تقليص ارتباطاتها المالية بالولايات المتحدة، مفضلة البحث عن مزودي خدمات محليين أكثر استقرارًا، والتفكير في إصدار السندات بعملاتهم الوطنية هروبًا من تقلبات الدولار.
وعلى مستوى الحكومات، فقد بدأت ملامح القلق من الهيمنة الأمريكية في مجالي التكنولوجيا والخدمات المصرفية تتبلور، وخاصة في أوروبا. وعلى الرغم من أن أوروبا تعاني من غياب بدائل حقيقية لمنافسة عمالقة التكنولوجيا الأمريكية مثل جوجل ومايكروسوفت، فإن الوضع يختلف في الخدمات الأمريكية، حيث لا تزال هناك كفاءات أوروبية محترفة في مجالات التمويل والاندماج والاستحواذ.
وقد سبق قلق ترامب، مؤشرات تشكك في مدى الاعتماد على المؤسسات الأمريكية. ففي سويسرا مثلاً، شكك المشرعون في جدوى إيداع 46 مليار فرنك سويسري من أموال التقاعد لدى جهة وصاية أمريكية. ورغم احتفاظ بنك ستيت ستريت بالعقد في النهاية، بعد تحذيرات الحكومة السويسرية من تكاليف التغيير المبكر، إلا أن إشارات المستقبل تُظهر ميلاً متزايداً نحو تعزيز البدائل الأوروبية في التفويضات المقبلة.
ورغم أن تغيير قواعد اللعبة التنظيمية بشكل رسمي قد يبدو بعيداً في الأفق نظراً لبطء العملية وتعقيدها، فضلاً عن خشية ردود الفعل الأمريكية، إلا أن التنظيميين الأوروبيين لا يقفون مكتوفي الأيدي. ثمة أساليب أكثر نعومة لكنها فعالة، مثل فرض متطلبات رأسمالية أعلى على الفروع المحلية للبنوك الأمريكية، أو فرض احتياطيات نقدية متنوعة لحماية الأسواق من تداعيات السياسة الأمريكية، بالإضافة إلى مراجعة متأنية للمنتجات المالية الأمريكية الجديدة.
إلا أن هذا لا يعني أن المؤسسات الأوروبية متفائلة بهذه التطورات، حيث يواجه المصرفيون ندرة في صفقات الاندماج والاستحواذ، كما أن تقلبات السوق تدفع المستثمرين إلى التمسج بالسيولة النقدية، وهو ما يضعف صناعة إدارة الأصول.
اقرأ أيضًا: ترامب يلمح إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الصين
المصدر: فايننشال تايمز