القراءة وأثرها في زيادة الصحة العقلية للإنسان
صَعُب على بعض العلماء سابقاً توثيق فوائد مدروسة ناتجة عن القراءة، وكان من الصعب تحديد إن كان ذكاءك سيجعلك ترغب بالقراءة أكثر، أو أن القراءة ستزيد من معدل ذكائك، لكن المعادلة عكسية، فالقراءة ستزيد حتماً من نسبة ذكائك، وعندما يحصل ذلك ستزداد الرغبة لديك في القراءة، وبشكلٍ عام؛ تعتبر القراءة نشاطاً دماغياً يعمل على زيادة القدرة العقلية والنفسية، كما تحمي الدماغ من مرض الزهايمر، كذلك تخفض مستويات التوتر، وتشجع التفكير الإيجابي، إضافة لفوائد أخرى سنتحدث عنها مع بعض النصائح لغرس عادة القراءة عند كل شخص.
لعادات القراءة تأثير كبير على الأداء الأكاديمي
من خلال بحث أجراه ميشيل اوسو (Micheal Owusu) في جامعة نبراسكا لينكولن في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 تحدث خلاله عن عادات القراءة بين الطلاب وأثرها على الأداء الأكاديمي، وجد أن نسبة 81.9% من الأشخاص لا تقرأ الفصلين الأخيرين من الكتاب، ونسبة 62% تقرأ فقط لتجتاز الامتحانات، وأكدت الدراسة أن لعادات القراءة تأثير كبير على الأداء الأكاديمي، حيث أن القراءة بشكل منتظم يساعد الطلاب على فهم المواد الدراسية واجتياز الامتحانات بشكل أفضل.
كما أن عادات القراءة تؤثر على الإنجاز الأكاديمي للطلاب بشكل كبير، فالقراءة والإنجازات الأكاديمية مترابطة فيما بينها وتعتمد على بعضها البعض، فعلى الرغم من اختلاف الخلفيات الثقافية لدى كل فرد؛ إلا أن نمط القراءة يؤثر على التحصيل الدراسي، فللبعض عادات قراءة جيدة وللبعض الآخر عادات سيئة، لكن التحصيل الدراسي يعتمد على كم المعرفة التي يمتلكها الفرد والتي يتشكل معظمها من التعليم الإبداعي والعملي، كذلك الدراسة الذاتية والتحليل والتفكير الذاتي.
تشكل القراءة جانباً أساسياً وهاماً في خلق ثقافة المجتمع، فهي تعبر عن شخصية الفرد، وتساعد على التفكير السليم وخلق أفكار جديدة، كما أنها وسيلة هامة في التعليم الفعال ونجاح العملية التعليمية، فمعظم الطلاب يعانون من مشكلة الأداء الضعيف في الاختبارات والامتحانات لعدم وجود عادات القراءة الصحيحة، وهذا بدوره يتطلب معرفة الطالب للعادات الصحيحة والتي تتمثل في القراءة الدائمة للمجلات والصحف والكتب المتخصصة، مع أهمية دور المعلمين الأكاديميين في تدريس الطلاب بطرق إبداعية وتشجيعهم على القراءة.
القراءة تشكل التعاطف مع شخصيات الكتاب
وجد الباحثين شارليز ديكنز (Charles Dickens) وتي اوبريهيت (Téa Obreht) في بحثهما الخاص أن بإمكاننا فهم مشاعر الآخرين من خلال القراءة وشحذ عواطفنا لتحقيق ذلك، لكن علماء النفس في المدرسة الحديثة للعلوم الاجتماعية في نيويورك مثل ديفيد كومر كيد (David Comer Kidd) وايمونيل كاستانو (Emanuele Castano) وجدوا أن قراءة الكتب التخصصية أو العلمية والخيال العلمي لا يحفز هذا الأمر، إنما قراءة الروايات الأدبية التي تتحدث عن الناس والعلاقات الاجتماعية هي التي تعزز القدرة على فهم مشاعر الآخرين.
القراءة تساعد على المشاركة في الرواية والأحداث سواء أكانت مغامرة أو رومانسية أو رعب، فالخيال يتيح للقارئ فرصة الذهاب لبيئة جديدة، وبقدرته العقلية يجد طريقه الخاص، فتجربة القراءة تنقلنا من الخيال إلى الحياة الواقعية، فهي ليست مجرد محاكاة للحياة الاجتماعية بل هي تجربة اجتماعية مكتوبة.
فقد اتفق العديد من علماء النفس مع كيد وكاستانو في هذه النظرية، وقال فيليب ديفيس (Philip Davies) أستاذ العلوم النفسية في جامعة ليفربول: "الروايات تعطيك وجهة نظر عن العالم الداخلي للرواية، والناس من خلال قدراتهم يكتشفون الأوجه الغريبة فيها".
وعلى الرغم من أن كيد وكاستانو أثبتوا أن الخيال الأدبي يحسن التعاطف الاجتماعي، إلا أنهم في حيرة إن كان الخيال الأدبي هو الوحيد الذي يحسن نظرية العقل التي صرحوا بها، فقد يكون هناك تأثير على العقل والعاطفة من خلال قراءة القصص الشعبية أو غيرها.
وفي دراسة أجرتها الباحثة سوزان كين (Suzanne Keen) عام 2006 وجدت أن الأشخاص كثيري التعاطف مع الروايات الخيالية يميلون لمعرفة أسماء أشهر الكتاب والروائيين، وكشفت بأن القراءة يمكن أن تزيد من عاطفة الشخص، لكن إن كان الشخص عاطفي هذا لا يجعله يقرأ أكثر.
أهم فوائد القراءة
في عام 2014 أجرى بعض علماء الأعصاب دراسة موحدة لقياس ومعرفة منافع قراءة الأدب، فوجدوا أن قراءة الروايات تحقق راحة في الدماغ وتؤثر على الأداء العقلي للقراء، بحيث تحسن المهارات العقلية والعاطفية وتحقق الصحة العقلية والرفاه للدماغ، واعتقدوا أن الأمر مشابه بعض الشيء للدردشة مع الأصدقاء، كما أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يمكن للقراءة أن تعالجهم من خلال مقارنة أنفسهم مع شخصيات الرواية.
وفي ذات الوقت وجد الباحثون أن القراءة الأدبية تحسن القدرة العقلية، فلاحظوا أن قراءة الشعر تحمل بعض الصعوبة، لأنها تتطلب النظر في المعاني المعقدة، كما تتطلب معرفة لغوية قوية وقدرة ذهنية على فهم المعاني التي قصدها الشاعر والتي تعبر عن حياته، فهذه الخفة في الحركة العقلية هي واحدة من وظائف المخ والتي تساعد القراءة على تعزيزها.
1- القراءة تقوي عضلات الدماغ
وجد الدكتور كين بوغ (Ken Pugh) مدير الأبحاث في مركز مختبرات هاسكينز في أمريكا بأن للقراءة تأثير على الدماغ بشكل مختلف عن التأثير الذي يصيبه عند الاستماع للراديو أو مشاهدة التلفاز، فأثناء القراءة يقوم الدماغ بمهام إضافية مثل الرؤية البصرية، معالجة اللغة، تحليل الدوائر العصبية للقراءة، لذلك القراءة تحفز الدماغ على التفكير والتركيز.
2- القراءة تبقي دماغك شاباً
روبرت ويلسون (Robert S. Wilson) أستاذ علم النفس العصبي في المركز الطبي لجامعة رش بشيكاغو بين أن الأنشطة الإبداعية والفكرية مثل: القراءة تقلل من التدهور المعرفي الذي يصيب الأشخاص مع التقدم بالسن، والقراءة تجعل الدماغ أكثر كفاءة ويواصل عمله بشكل سليم، كما بين أن كبار السن الذين قرأوا أو لعبوا الألعاب العقلية الصعبة مثل الألغاز والشطرنج بشكل منتظم هم أقل عرضة للإصابة بمرض الزهايمر.
3- القراءة تقلل من الإجهاد
التعلق بالقراءة بشكل منتظم يخفض مستوى هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، وحسب دراسة بريطانية أجريت عام 2009 في جامعة سوسيكس البريطانية وجدت أن القراءة لبضع دقائق أو الاستماع للموسيقى أو لعب الفيديو يقلل من التوتر، كما أن نسبة 67% من الأشخاص القراء تنخفض لديهم مستويات التوتر بشكل كبير.
4- القراءة تعزز كمية المفردات الخاصة بك
من المعروف بأن القراءة والثقافة تزيد المفردات التي يمتلكها الفرد وتزيد مخزونه اللغوي، فمن خلال القراءة أثناء الدراسة أو القراءة للمطالعة يحصل الفرد على نسبة 15% مفردات إضافية في كل مرة يقرأ فيها.
5- فوائد أخرى للقراءة
- زيادة المهارات الكتابية واللفظية، فالقراءة تساعد على فهم المادة المكتوبة، وفهم طريقة صياغتها.
- تنمي الأفكار الإبداعية، فالقراءة تزيد من مفردات الشخص وتجعله أكثر إبداعاً.
- تساعد على حل المشاكل، فاستراتيجية القراءة التي تتطلب التركيز وفهم الحكاية تجعل الفرد أكثر وعياً للمشكلات، وتجعله أكثر قدرة على وضع الأسباب والحلول.
- القراءة تزيد التركيز، فعملية القراءة تتطلب من الدماغ معالجة الكلمات والإشارات، فهذه التمارين العصبية تبقي العقل حاداً وأكثر انتباهاً.
معدل قراءة العرب للكتب ومقارنتها مع المجتمعات الأخرى
وفقاً لتقرير التنمية البشرية الصادر عن منظمة اليونيسكو عام 2003، متوسط قراءة العربي للكتب هي أقل من كتاب واحد سنوياً، فمعدل 80 شخصاً مجتمِعاً بإمكانهم استكمال قراءة كتاب واحد في السنة، مقارنة مع متوسط القراءة لدى الأوروبي الذي يقرأ 35 كتاباً في السنة، وفي تقرير عام 2011 صدر عن مؤسسة الفكر العربي أوضح أن متوسط قراءة العربي 6 دقائق، بينما متوسط قراءة الأوروبي 200 ساعة سنوياً.
تختلف الأرقام عن معدل قراءة العربي من تقرير لآخر، وفي تقرير عام 2008 أعدته شركة (Synovate) لأبحاث السوق متعددة الجنسيات وجدت أن المصريين والمغاربة يقضون 40 دقيقة يومياً في قراءة الصحف والمجلات، مقارنة مع التونسيين الذين يقرأون 30 دقيقة يومياً، بينما السعوديين 34 دقيقة، في حين أن اللبنانيين 31 دقيقة يومياً، وفيما يتعلق بقراءة الكتب فاللبنانيون يقضون 588 دقيقة في القراءة شهرياً، المصريون 540 دقيقة، المغاربة 506 دقيقة، بينما السعوديون 378 دقيقة، فالأرقام الأخيرة أكثر إيجابية من الأولى لأنها اعتمدت على معدل قراءة القرآن الكريم وقراءة الأدب دون معدل قراءة الصحف والمجلات.
وبينت منظمة اليونيسكو أن الدول العربية مجتمعة تترجم سنوياً ما يقارب 5000 كتاب من الكتب اليونانية، بينما تترجم حوالي 10000 كتاب من الكتب التاريخية، وهذا العدد يساوي عدد الكتب المترجمة في إسبانيا لوحدها، والنسبة المئوية لذلك هي 4.4 كتاب لكل مليون عربي، بينما في هنغاريا نسبة الكتب المترجمة 519 كتاب لكل مليون، أما في إسبانيا 920 كتاب لكل مليون شخص.
فيما أصدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ALECSO) بياناً يفيد بأن نسبة الأمية في الوطن العربي 19.73% مع وجود تفاوت كبير بين النساء والرجال، حيث أن النساء يشكلن 60.66% من الأميين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الملايين من العرب يعيشون في حالة الفقر، ما جعلهم يسعون لتلبية احتياجاتهم الأساسية للمعيشة دون الاهتمام باقتناء الكتب والاهتمام بالثقافة، وعلاوة على ذلك، القراءة ترتبط بالنظام السياسي السائد في كل دولة، فعندما تزدهر الحرية يزدهر عدد القراء، ففي المجتمعات الديموقراطية يُنظر للفرد على أنه عامل هام في الحياة العامة، لذلك يهتم الأفراد بالنتاج الثقافي والسياسي بشكل كبير.
كيفية غرس عادة القراءة لدى الفرد
إن كنت رب أسرة أو معلم أو تريد أن تغرس في نفسك أنت عادة القراءة لتواظب عليها باستمرار، إليك بعض النصائح التي ستنفعك في هذا الموضوع:
- اقرأ، فإن كنت تشجع الأطفال أو الطلاب للقيام بذلك، فعليك أن تفعل ذلك أولاً، فالقراءة من أجل المتعة، الفائدة، المعلومات، التواصل مع الآخرين وغيرها.
- تبادَل الخبرات، أي بمعنى مشاركة الزملاء والطلاب والأصدقاء بما تقرأ، التحدث معهم عن الكتب التي قرأتها في الآونة الأخيرة، ماذا استفدت من آخر كتاب، وهل تنصح الآخرين بقراءته.
- دعوة الأشخاص للاختلاط معاً بغرض القراءة، إنشاء نوادي ومجموعات للقراءة بهدف التفاعل في الخبرات، تحليل القراءات معاً، التشارك في تفسير النصوص غير المفهومة، خلق جو مثالي للقراءة والتشاركية.
- الذهاب في رحلة ثقافية، كزيارة المكتبة المحلية، مكتبة الجامعة واختيار الكتب سوية، فهذا الجو سيكون مثالياً للقراءة في مكان مليء بالكتب والقصص والروايات، كما يمكن الاستعانة بأحد الأخصائيين هناك في اختيار الكتب والبحث عنها.
- الاستماع إلى الكتب الصوتية، إذا كان البعض يجد صعوبة في القراءة أو لا يجد وقتاً كافياً لذلك، فهناك الكثير من الكتب المسجلة صوتياً، فيمكن الاطلاع على الكتاب ومعرفة محتوياته والاستفادة منه من خلال الاستماع إليه صوتياً.
- الالتقاء بالكتّاب، إن كان ذلك ممكناً فهو لأمرٌ مهمٌ في التعرف على الكاتب، ومعرفة محتويات الكتاب على لسان مؤلفه الذي يعتبر أكثر الناس دراية بمحتوياته وبمقاصده في كل عبارة، هذا الأمر يحمل بعض الصعوبة، لكن يمكن استبداله بحضور المؤتمرات التي يقيمها الكتاب، والتي يعبروا من خلالها عن أفكارهم.
- اختيار الكتب التي تتناسب مع كل شخص ومع احتياجاته من الكتاب، يتم ذلك بمساعدة المعلمين أو الأبوين في اختيار الكتاب الذي يناسب عمر الشخص، مع معرفة اهتماماته ونوعية الكتب التي يفضل قراءتها.
خلاصة الأمر.. للقراءة تأثير إيجابي على شخصية الفرد، تجعل الفرد ذو صفات أكثر إيجابية، تجعله أكثر هدوءاً، أكثر جاذبية، وتجعله يتعامل مع الأمور بشكل أكثر عقلانية، فابدأ الآن بقراءة الكتاب الذي تفضل، لتحافظ على صحتك العقلية، ولتكن أكثر علماً ومعرفة.