الفقر أم التنشئة والأصل؟ تساؤلات حول أسباب عنف رأس السنة في برلين
بعد أحداث العنف التي تعرضت لها قوات الشرطة وخدمات الطوارئ في ليلة رأس السنة الجديدة ببرلين، ظهرت أسئلة شائكة منها: هل الجهد الذي يبذله السياسيون جهداً قليلاً للغاية ولم يولوا اهتماماً كافياً للأحياء التي تعاني من مشاكل؟ هل ترتبط التجاوزات والعنف بالفقر أم بأصل الجناة؟
في هذا الإطار، تحدث عضو البرلمان السابق عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابق فريتز فيلغنترو عن الهجوم الذي تعرضت له الشرطة ورجال الإطفاء في مطلع العام الجديد. وقدم البرلماني المخضرم تقييماً حظي بقدر كبير من الاهتمام على موقع التدوينات القصيرة تويتر من خلال عدة تغريدات شرح فيها رؤيته لأصل المشكلة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
مشكلة قديمة.. متجددة!
كتب فيلغنترو على تويتر يقول: "يجب عدم إخفاء الأخطاء التي حدثت في سياسة الهجرة. هناك تهاون من جانب السياسيين حيال الأمر.. المشكلة هنا اجتماعية في المقام الأول وهي مشكلة مستمرة في العديد من المدن الألمانية التي تشكلت فيها طبقات اجتماعية دنيا تشكلت على مدى عقود عرقياً ودينياً.. والدولة الضعيفة تقف عاجزة في مواجهة أعمال الشغب.. هذه هي المشكلة الحقيقية".
وأضاف: "إذا كان هؤلاء الشباب قد وجدوا من يوضح لهم منذ مرحلة رياضة الأطفال أن هناك قواعد تنطبق على الجميع وإذا كانوا قد نشأوا وهم يدركون أنه يمكن أن يكون لهم حياة أخرى يعودون فيها من العمل متعبين في المساء فإن خطر تصعيد أعمال العنف سينخفض بشدة مع انخفاض مستوى هرمون التستوستيرون العام لدى الشباب".
يقول فيلغنترو إن الأمر لا يتعلق فقط بـ "التكيف الثقافي" ولكنه أيضًا يتعلق بــ "مسألة النفاذية الاجتماعية لمجتمع الهجرة" و "التأكيد على وجود الدولة الدستورية الديمقراطية". ويرى أنه لم يتغير شيء في المناقشات الدائرة حول هذه المسألة على مدى السنوات العشرين الماضية، ويقول بإحباط واضح: "لا تقدم" في هذا المجال.
أحداث عنف تثير قلقاً بالغاً
كانت العاصمة الألمانية قد شهدت أحداث عنف خلال احتفالات ليلة رأس السنة. وذكرت شرطة برلين على تويتر أن أفراد شرطة ورجال إطفاء تعرضوا "لهجوم مكثف بمفرقعات" خلال إطفاء سيارة محترقة، موضحة أنه تم إلقاء ألعاب نارية وطفاية حريق على حافلة نقل بأحد أحياء برلين، ما أسفر عن تدمير الزجاج الأمامي للحافلة.
وأضافت الشرطة أن 60 حتى 80 شخصًا حاولوا إشعال النيران في سيارة بالألعاب النارية في حي ببرلين، فيما قال مدير الإطفاء في ولاية برلين كارستن هومريغهاوزن:"ليس هناك ما يبرر هذا السلوك ولا يسعني إلا أن أدينه بأشد العبارات".
وقالت قيادة قوات إطفاء العاصمة إنها فوجئت "بكثافة وشدة الهجمات على قواتنا" وأفادت بأن أفرادها تعرضوا للرشق بالألعاب النارية أثناء قيامهم بإطفاء حرائق كما تعرضت سياراتها للنهب.
حاول مهاجر نيوز التواصل مع أكثر من شاب من اللاجئين من جنسيات مختلفة لكنهم امتنعوا عن التعليق على الأحداث.
قصّر وشباب ومواطنون ألمان بين المهاجمين
وفقًا للشرطة الألمانية، فإنه من بين 145 مشتبهًا تم احتجازهم مؤقتًا خلال أعمال الشغب عشية رأس السنة الجديدة في برلين، كان هناك 45 ألمانيًا وأشخاص من 17 جنسية أخرى، من بينهم 27 أفغانيًا و 21 سوريًا. أيضاً كان هناك 94 شخصاً من أصل 145 تحت سن الخامسة والعشرين، من بينهم 27 قاصرًا ؛ و 139 من أصل 145 من الذكور.
ودعت شرطة العاصمة الألمانية من خلال تغريدة على موقع تويتر كل من لديه صور أو فيديوهات قام بالتقاطها لأحداث العنف التي وقعت خلال رأس السنة الجديدة وخصوصاً لقطات توضح الاعتداء على قوات الشرطة وخدمات الطوارئ والإنقاذ إلى رفع المواد على موقع مخصص لذلك:
وجهة نظر مختلفة
هاكان دمير، عضو في البرلمان الألماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلين، يقول: "أتفق مع بعض ما تحدث عنه زميلي في الحزب فريتز فيلغنترو". إلا أنه يتبنى وجهة نظر مختلفة في نقطة واحدة، إذ يعتقد دمير أن التفسيرات الثقافية للأحداث التي وقعت في ليلة رأس السنة "مضللة".
وقال دمير إن كل من يهاجم الشرطة أو رجال الإطفاء فهو يعرض نفسه للمحاكمة، مضيفاً أنه "في الوقت نفسه، علينا أن ندرك أن العنف يحدث في المقام الأول حيث يوجد الفقر".
وقال إنه لهذا السبب توجد حاجة لمائدة مستديرة، تطرح عليها هذه الأمور للنقاش، لكن هناك حاجة أيضاً لانتهاج سياسة اجتماعية جيدة وتعزيز التثقيف السياسي.
ويرى فادي موصلي الناشط والاستشاري بمركز "ابتسيل" الذي يتعامل مع المهاجرين واللاجئين وبرامج التدريب أن "الجو العام في ألمانيا يميل نحو اليمين ويتحمل جزء من المسؤولية في ذلك الحكومة الحالية لأنها لم تعالج الموضوع الذي يتصاعد منذ فترة تولي هورست زيهوفر لوزارة الداخلية الألمانية وما نتج عن طريقة تعامله مع ملف اللاجئين والمهاجرين".
وأشار خلال اتصال هاتفي مع "مهاجر نيوز" إلى أن الأحداث التي وقعت في برلين "تورط فيها مواطنون ألمان لكن الآن يتم إلقاء كل اللوم على المهاجرين واللاجئين من جنسيات أخرى"، مضيفاً أنه "في كل يوم تعلو الأصوات ويزداد التمييز ضد المهاجرين".
وحمّل الناشط في مجال الهجرة واللجوء الإعلام الألماني جزءاً كبيراً من المسؤولية، وقال إنه "لا يركز إلا على الأصول المهاجرة في أي مشكلة وتلقى عليه الاتهامات، فيما لا يتم الاهتمام بالأجانب والمهاجرين الرافضين تماماً للأحداث والعنف وخصوصاً ما حدث في ليلة رأس السنة، لكن أصواتنا للأسف لا تسمع".
ويرى موصلي أن الحل الوحيد هو في "تنفيذ القانون على الجميع وتشكيل لجنة لمراقبة تنفيذ القانون وليس تسييسه وخصوصاً في موضوع التمييز من جانب بعض أفراد الشرطة التي تتعامل بشكل مختلف مع المشكلة بحسب جنسية الشخص أو أصوله المهاجرة، ما جعل اليمين المتطرف يتمادى بشكل أكبر في تصرفاته".
تساؤلات حول مدى نجاح سياسة الاندماج
وتدور عدة أسئلة حالياً في ألمانيا من قبيل: ما الدور الذي تلعبه أصول الأشخاص في أحداث كهذه؟ وما هو الدور الذي تلعبه البيئة الاجتماعية؟ وهل فشلت سياسة الاندماج وخاصة في برلين؟
وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر تحدثت لمجموعة صحف "فونكه" فقالت: "تواجه المدن الألمانية الكبرى مشكلة متفاقمة مع بعض الشباب من أصول مهاجرة الذين يحتقرون دولتنا ويرتكبون أعمال عنف ولا تصلهم برامج التعليم والاندماج أو يصلون إليها بالكاد". وتضيف: "يجب أن تذهب الشرطة إلى المناطق الساخنة باستمرار".
تقول ليندا تيوتبيرغ، مسؤولة السياسة الداخلية في الحزب الديمقراطي الحر FDP، إن من أسباب التجاوزات العنيفة العجز في سياسة الهجرة والاندماج. وتطالب عضوة البوندستاغ "كل من يريد اندماجًا ناجحًا وتماسكًا اجتماعيًا في ألمانيا بألا يظل صامتًا بشأن المشاكل الحقيقية".
وتضيف تيوتبيرغ قائلة إن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم "فوق القانون" من مرتكبي أعمال العنف لا يوجدون فقط بين مَن هم مِن أصول مهاجرة، ولكنهم يوجدون أيضًا بين المتطرفين من اليساريين وأيضاً بين نشطاء المناخ، وتقول إن أولئك الذين يقللون من أهمية العنف والعدالة الأهلية يصبحون هم أنفسهم بالتالي جزءًا من المشكلة.
"إلقاء اللوم على المهاجرين ليس حلاً"
بدوره، يقول آيو غورتز في مقال له بموقع "إن فرانكين.دي. أي" إن إلقاء اللوم على الآخرين أو الأجانب أو ترحيل المشكلة إلى العام التالي أو حتى ترحيل الأشخاص لن يؤدي إلى حل حقيقي، وأن الخوض في النقاش من هذا المنطلق هو أمر مضلل، خاصة وأنه على سبيل المثال لن يمكن ترحيل المواطنين الألمان المتورطين في هذه الاعتداءات.
وقال غورتز إن النقاشات على الانترنت فتحت حيزاً مثيراً للعنصرية من قبيل "الألمان الحقيقيون" إلى حَمَلة "جواز السفر الألماني" وليسوا ألمانًا بدرجة كافية لتصبح أحداث ليلة رأس السنة الجديدة مجرد فرصة للانغماس في إيديولوجية النقاء والتطرف، موضحاً أنه "دائماً ما يقع اللوم على الآخرين، وأن هذه العنصرية لا تؤدي إلا إلى الكراهية".
"مشكلة اجتماعية"
ويبدي إد غريف إنزعاجاً من التعميمات الحادثة خلال مناقشة الأمر. عمل غريف لمدة خمس سنوات في مجلس الهجرة في برلين، وهو منظمة جامعة تضم حوالي 70 جمعية. يقول إن حوالي ثلث سكان برلين هم من أصول مهاجرة.
يقول جريف: "من المفترض الآن أن يتحمل أكثر من مليون شخص في برلين المسؤولية الجماعية عن حقيقة قيام مجموعات من الرجال من أصول مهاجرة ومن غيرها بأعمال شغب في المدينة"، ويضيف أن النقاش بهذا الشكل غير محترم.
ويقول غريف إنه من أجل معرفة دوافع الجناة ، يجب التحدث معهم - وهذا يعني "الأشخاص الذين يعرفون تفاصيل الأمور، الأشخاص الخبراء، وليس السياسيون.
ويرى غريف أن المشكلة "لا علاقة لها بالاندماج وإنما هي مشكلة اجتماعية. وقال إن "العنف في الأماكن العامة يغلب عليه الطابع الذكوري.. هذا ما يمكننا الاعتماد عليه في تفسير الأمر".
ويرى مسؤول التكامل في نيوكولن "جونر بالتشي” أن العنف في برلين ليلة رأس السنة سببه مجموعة صغيرة، مؤكداً بأن "المخدرات لعبت دورا فيما حدث"، وشدد على "ضرورة التدخل المبكر للشرطة لمنع أعمال شغب مستقبلية”، مشيراً في هذا السياق إلى أنه في حال لاحظت الشرطة وجود مجموعة من الشباب في بداية المساء وكان الجو متوترا، فيجب عليها وضع حواجز على الطرق.
وشدد بالتشي على أن "الدولة يجب أن تكون ضامنة للأمن.. لايمكن أن يفر الناس إلى أقاربهم في أجزاء أخرى من المدينة في أيام معينة خوفا من أعمال الشغب”.
"نتاج لصدمات نفسية تُركت دون علاج"
يعمل صبور زماني البالغ من العمر 67 عاماً في المركز الثقافي الأفغاني في برلين ويعيش في ألمانيا منذ 44 عامًا وهو مواطن ألماني. وبالإضافة إلى دوره التطوعي كمدير للمركز الثقافي، فهو يعمل أيضاً كوصي قانوني.
يقول زماني: "أرفض كل أشكال العنف مائة بالمائة".. يشرح الرجل الستيني المواقف الحياتية التي ينشأ فيها العنف مثل العيش في أماكن شديدة الازدحام مثل مساكن اللاجئين التي يعيش فيها ثلاثة أو أربعة شباب من من جنسيات مختلفة في غرفة واحدة.
ويضيف أيضاً أن من الأسباب غموض الموقف القانوني بالنسبة لطالبي اللجوء من الأفغان - من بين جنسيات أخرى - والذين لا يحصلون على تصريح إقامة آمن في ألمانيا، على الرغم من اندلاع حرب وحشية في وطنهم. وكان استنتاجه المريّر هو أنه "لا أحد يريد لاجئين من أفغانستان".
وواقع الأمر هو أن كثير من الأشخاص عانوا بالفعل من العنف والصدمة التي تعرضوا لها في بلدانهم الأصلية وخلال مراحل الفرار منها ومنها الصدمات النفسية التي واجهوها في طريقهم إلى أوروبا سواء مع الشرطة أو مع السلطات.
يقول زماني: "هذا الوضع يجعل كل الناس يمرضون".. "إذا لم يحصلوا على المساعدة، فإن ذلك سيؤدي إلى العدوان والعنف"، وأشار إلى أنه خلال أحداث ليلة رأس السنة الجديدة أضيف شرب الكحول إلى هذا المزيج من المشكلات، وهو العامل الذي يلعب دائمًا دورًا رئيسيًا في الكراهية والعنف، ليس فقط بين المهاجرين وإنما بين الناس بوجه عام
يقول زماني: "نرى هذا أيضًا في ملعب كرة القدم - والتي قد تكون أغلبية الحضور فيها من الألمان - ويصاب الناس بالصدمة عندما يرون عنف المشجعين المخمورين، الأمر الذي يجعلني أفكر: هؤلاء الأغبياء!! الناس هنا للاستمتاع، وأنتم تقومون بمثل هذه الاعتداءات؟!."
بالنسبة إلى زماني، يشتمل الحل على الأدوات التي يدور حولها نقاش الاندماج لسنوات: وضع قانوني آمن لطالبي اللجوء والمهاجرين، والوصول السريع إلى سوق العمل ودورات في اللغة الألمانية.
مهاجر نيوز 2023
عماد حسن