العطور بوابةُ الذكريات
العطور بوابةُ الذكريات
تتميز حاسة الشم عن باقي الحواس بارتباطها الوثيق بالذاكرة. فرغم كثرة التفاصيل اليومية التي قد توقظ الحنين إلى الماضي، لكن لا شيء يضاهي قدرة العطور على استحضار الذكريات القديمة واختبارها بشكل عميق.
ويتخلف تأثير العطر حسب تفاعل جسم كل شخص مع الروائح، حيث يستطيع الإنسان تمييز ما بين خمس إلى عشر آلاف رائحة قادرة على تحفيز جزء معين من الدماغ، وهو مركز العاطفة وحاضنة الذكريات.
وغالباً ما يتم السعي خلف أشهر النفحات العالمية والبحث عنها في كل مكان بهدف للحصول على أفضل المكونات العطرية أو لتعزيز الإلهام. ويقول Julien Sprecher، المدير الإبداعي لعلامة Parfums de Marly: "لطالما وجدت في روائح الطبيعة مصدر إلهام لي، سواء كنت أتجول في إحدى حقول الخزامى بمدينة جراس أو ضمن منطقة ريفية بعد هطول المطر المنعش صيفاً. فأنا أحب إنتاج تركيبات عطرية مباشرة وخاطفة تشبه الاقتباسات في عالم الكتابة. كما أسعى إلى تزويد جميع ابتكاراتي العطرية بنفحات عليا نقية وفاتنة، مع نفحات أساسية يمكن تمييزها على الفور. في إيجاد التناغم المثالي بين المواد والصياغات المنسجمة هو ما يولّد العطر المثالي. أحب الاستعانة أيضاً بزهر البرتقال، فهو يتميز برائحة تحمل إحساس الطمأنينة، ويعيد إليّ الكثير من ذكريات الطفولة، كما يُعدّ من المكونات النادرة التي يمكن دمجها مع عناصر أخرى بكل سهولة، لذلك غالباً ما استعمله عند ابتكار عطور أنيقة بلمسة عصرية، كما في عطر Safanad من المجموعة المخصصة للسيدات".
وتشكّل الذاكرة إحدى الأسباب الجوهرية التي تمنح صناعة العطور قيمتها المميزة كمهنة. ويتوقع التقرير العالمي للعطور والسوق لعام 2021 أن ينمو سوق العطور خلال هذه الفترة بمعدل 6.2%، حيث يواصل المستهلكون شراء المزيد من المنتجات العطرية للحفاظ على أسلوبهم الشخصي وإطلالاتهم المتفرّدة. كما يتوقّع نمو القطاع في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بمعدل 30%، نظراً لشغف المنطقة التاريخي بعالم العطور، خاصةً تلك التي تتميز بحضور غني ولمسة جريئة، مثل المزيج الذي يجمع المسك والياسمين والورد والزعفران والعود، ما ينتج عنه إبداع يتجاوز حدود العطور التقليدية. وهذا ما يؤكّده Sprecher بالقول: "نريد لعملائنا أن يختبروا النفحات الحيوية لعطورنا ويكتشفوا في الوقت ذاته ما تحمله من أبعاد عاطفية، حيث نسعى إلى تقديم تجربة شاملة تضمن لهم الانبهار وترتبط بذاكرتهم مدى الحياة".
ونظراً للحساسية الانفعالية التي يتمتع بها مركز العاطفة في الدماغ، فإنه يمكن للروائح استحضار تفاصيل دقيقة من الذاكرة. فرائحة زهر العسل في يوم حار مثلاً مع رائحة البنزين فوق الإسمنت ورائحة شخص عزيز على قلبك قد تشكّل مزيجاً عاطفياً يعيدك إلى لحظة محددة من الزمن. ومن جهة أخرى، يهدف العطر إلى إثراء الحياة اليومية وتعزيز مكانة الأشخاص في قلوب أحبتهم. ويبقى حضور الشخص ملموساً بفضل رائحته في السيارة والمصعد وداخل المنزل وفي الذاكرة وفي كل الأماكن التي لا يمكننا الهروب منها. ويمثّل كل عطر تجربةً حسية مميزة، وذلك من خلال التعامل مع كل حاسة- بهدف التفاعل بأساليب تحتاج قدراً كبيراً من المشاعر.
لذلك من المهم عند شراء أي عطر أن نستوعب بأننا نكوّن ذكريات لا تخصّنا وحدنا فحسب، بل تتعلّق بمن هم حولنا. وهذه الذكريات قد تدوم كل العمر.