الظاهر بيبرس.. السلطان الفذ والحاكم الذي عشقه شعبه
حياة الظاهر بيبرس ونشأته
إنجازاته قبل حكم مصر
الظاهر بيبرس وقطز
الظاهر بيبرس سلطانًا على مصر
الحروب التي خاضها أثناء الحكم
وفاته
بطل حقيقي من لحم ودم، قائد شعبي له العديد من الصولات والجولات في الحرب والصراعات السياسية، الظاهر بيبرس القائد العظيم الذي كان مملوكًا يُباع في أسواق الشام وبغداد، ولكن تشاء الأقدار أن يكون مستقبله مليئًا بالانتصارات والبطولات المجيدة التي سطرت اسمه بين أعظم رجال التاريخ الإسلامي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
حياة الظاهر بيبرس ونشأته
الملك الظاهر ركن الدين بيبرس العلاني البندقداري الصالحي النجمي ولُقب بأبي الفتوح، هو سلطان مصر والشام، ورابع سلاطين الدولة المملوكية وأحد مؤسسيها.
لا توجد مصادر رسمية عن أصله، ولكن يُقال إنه تركي من القبجاق – في كازخستان- واسمه اسم تركي مؤلف من مقطعين، الأول "باي" التي تعني أميراً"، والثاني "بارس" والتي تعني فهد.
تميز بيبرس بضخامة البنية وشخصيته القوية، وصوته الجهوري، وعينيه الزرقاوين التي كانت إحداهما بها نقطة بيضاء.
وصل بيبرس إلى مدينة حماة التركية مع تاجر وبيع للملك المنصور محمد حاكم، ولكن لم يعجبه فأعاده إلى التاجر، وبعدها بيع مرة أخرى إلى في سوق دمشق بثمانمائة درهم، ولكن أرجعه الذي اشتراه مرة أخرى لعيب خلقي في عينيه، حيث كان لدى مياه بيضاء.
وبعدها اشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري، وبه حصل على لقب البندقداري، وانتقل بعدها إلى خدمة السلطان الأيوبي نجم الدين أيوب في القاهرة، الذي أعتقه ومنحه الإمارة فأصبح أميرًا.
شهد عصر بيبرس بداية الهيمنة المملوكية في شرق البحر المتوسط، وفي أثناء وجوده في جيش نجم الدين أيوب تمكن من تمهيد الطريق لإنهاء الوجود الصليبي في مصر والشام، وعزز اتحاد مصر والشام كدولة إسلامية.
إنجازاته قبل حكم مصر
شارك بيبرس في العديد من المعارك، ولعل أهمها معركة المنصورة ضد الصليبيين التي كانت في رمضان 647 هـ، بعد شن الصليبيين هجومًا مفاجئًا على الجيش المصري وقتل قائد الجيش وقتها "فخر الدين بن الشيخ" وارتبك الجيش المصري بعد مقتل قائدهم.
ولكن تمكن بيبرس بقيادته الحكيمة أن يعيد ترتيب الجيش مرة أخرى بعد أن وافقت شجرة الدر على أن يتولى قيادة الجيش، فقاد الهجوم المعاكس ضد الصليبيين وتمكن الجيش المصري من هزيمة الصليبيين وأسروا الملك الفرنسي "لويس التاسع" وحبسوه في دار ابن لقمان.
كان بيبرس من أهم القادة الذين ثبتوا حكم المماليك في مصر، فبعد وفاة السلطان الصالح أيوب استدعت شجرة الدر ابنه توران شاه من حصن كيفا ونصبته سلطانًا على مصر ليقود الجيش المصري ضد الصليبيين.
وبعد انتهاء الحرب تعرضت شجرة الدر لمضايقات شديدة من توران شاه وتوعد وهدد المماليك واستبعدهم من المناصب، لذا أسرع المماليك في قتله بمشاركة بيبرس وفارس الدين أقطاي.
وبعد مقتل توران شاه نصب المماليك شجرة الدر سلطانة لأنها أرملة السلطان الصالح أيوب، ولكن رفض الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد ذلك بسبب رفضه ولاية امرأة، فتزوجت شجرة الضر من عز الدين أيبك وتسلم السلطنة، ولكن رفض الأيوبيون ذلك وخافوا على ملكهم.
ولكن تمكن المماليك من هزيمة الأيوبيين، واستتب الأمر للمماليك في حكم مصر بقيادة السلطان أيبك، وبعدها تولى سيف الدين قطز الحكم، وحينما كان بيبرس في غزة دعاه قطز للعودة، وأنزله بدار الوزارة في عام 1260 م.
وشارك بيبرس في محاربة المغول الذي كانوا في طريقهم إلى مصر بعد اجتياحهم العراق وإسقاطهم الدولة العباسية في بغداد، وأرسلوا هولاكو لقطز يحملون رسالة فيها تهديد ووعيد إذا لم يخضعوا لهم.
وقرر قطز وبيبرس أن يقتلا رسول المغول، وما شجعهم على قتال المغول في عين جالوت هو وصول رسالة إليهما من صارم الدين الأشرفي يقول لهم فيها إن عدد المغول قليل وألا يخافوا.
قسم قطز جيشه لمقدمة بقيادة بيبرس، وبقية الجيش يختبئون بين التلال والوديان المجاورة كقوات دعم، وقامت مقدمة الجيش بهجوم سريع على المغول ثم انسحبت متظاهرة بالهزيمة وذلك لسحب خيالة المغول إلى الكمين.
وبالفعل انطلت الحيلة على المغول وتقدموا بكامل قواهم إلى مقدمة جيش المسلمون، ودخلوا الكمين وفي تلك الأثناء طوق جيش المسلمين جنود المغول ولم يمضِ كثير من الوقت حتى هزم الجيش المغولي وقتل معظمهم بما فيهم قائدهم.
الظاهر بيبرس وقطز
بعد انتصار قطز وجيشه على المغول في معركة عين جالوت ذهب بجيشه ورائهم لتحرير مدن الشام، وتمكن من تحرير دمشق، وحماة، وحمص، كما أرسل بيبرس لمهاجمة التتار من حلب، فتمكن المسلمون من التخلص من خطر المغول لفترة.
وبعد عودة السلطان قطز إلى مصر منتصرًا قرر بيبرس قتل قطز، وبعدها اتفق المماليك مبايعة بيبرس على أن يكون سلطانًا على مصر.
وبعد مبايعة بيبرس على ملك مصر في سنة 658 هـ لقب نفسه بالقاهر ولكنه عدل عن هذا اللقب وقرر تلقيب نفسه بالظاهر.
الظاهر بيبرس سلطانًا على مصر
قام بيبرس بالعديد من الإنجازات بعد توليه حكم مصر، فقرر تثبيت حكمه عن طريق تصفية معارضيه الذين احتجوا على مقتل قطز، وأرسل إلى الأمراء في الشام بوجوب طاعته كما تمكن من إعادة حكمه على دمشق في 659 هـ.
أيضًا خرجت ضده العديد من الثورات ومنها ثورة الكوراني التي تمكن من القضاء عليها وقضى على تمرد الفاطمية في القاهرة التي كان يترأسها "الكوراني" وكان يهدف إلى قلب نظام الحكم وإعادة الفاطميين، ولكن تمكن بيبرس من القضاء عليهم.
أيضًا أراد أن يضفي لحكمه مزيداً من النفوذ، لذا حاول إحياء الخلافة العباسية في القاهرة فأرسل في طلب "أبو القاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله" وهو من أحد أبناء البيت العباسي وبايع الخليفة على العمل بكتاب الله وسنة رسوله.
أيضًا استقدم بيبرس "أحمد بن الحسن" وهو أمير عباسي آخر، وكان خليفة حلب وبايعه بيبرس كما بايع سلف وأبقاه في القاهرة بعيدًا عن خطر المغول، وبهذا الشكل أحيا بيبرس الخلافة العباسية للمرة الثانية في القاهرة، ولكن ظلت السلطة الفعلية في يد المماليك بقيادة بيبرس.
أيضًا اهتم بترميم القلاع وطرق الإمداد بين مصر والشام لتقوية جيشه، فرمم حصن الكرك الذي كان تابعًا للملك عمر بن العادل الأيوبي الذي رفض تقديم فروض الطاعة له فاستولى على الحصن وقتل الملك ورمم الحصن.
كذلك أشرف على بناء السفن الحربية وزود الأسطول البحري بالأسلحة والرجال، وعقد تحالفات مع بعض القوى الخارجية ليتفرغ للصليبيين.
أيضًا اهتم بالنهضة المعمارية والتعليمية فأنشأ العديد من المدارس، ومنها المدرسة الظاهرية، والمكتبة الظاهرية، وأنشأ مسجد الظاهر بيبرس في القاهرة، وأنشأ الجسور والأسوار وحفر الترع وأنشأ مقياسًا للنيل، وعمل على تنظيم البريد.
واهتم بتجديد الجامع الأزهر فأعاد ترميمه وأعاد خطبة الجمعة فيه، واستأنف الدراسة في الجامع الأزهر ونصب أربعة قضاة شرعيين واحدًا من كل مذهب، كما قام بإصلاحات في الحرب النبوي في المدينة المنورة، وجدد مسجد إبراهيم في الخليل.
أيضًا جدد قبة السلسلة، وزار بيت المقدس وأجرى عليها تعميرات، وأقام دار العدل للفصل بين القضايا، وقام بتوسعة مسجد الصحابي خالد بن الوليد في حمص.
الحروب التي خاضها أثناء الحكم
بعد أن تولى الظاهر بيبرس حكم مصر عكف على استمرار الجهاد ضد المغول، حيث أقبلت عليه الوفود إلى مصر من كل البقاع ليطلبوا مساعدتهم في التصدي لهجمات المغول، فتحالف مع زعماء العديد من القبائل لحثهم على محاربة المغول، ولكي يتفرغ للصليبيين أيضًا.
ولم تكن معركة عين جالوت نهاية العداء بين المماليك والمغول، حيث استمر المغول في الهجوم على المدن الإسلامية ومنها مدينة الموصل وفيها قتلوا ملكها وابنه، ولكن وقف لهم بيبرس بالمرصاد في كل مرة حاولوا فيها الهجوم على مصر.
أيضًا أراد بيبرس معاقبة الصليبيين الذين ساعدوا المغول في معركة عين جالوت فوجه جيشه إلى حلب لشن غارات على أنطاكية وكرر الغارات عليهم وحاصر المدينة وكادت أن تسقط لولا نجدة المغول لهم فاضطر المماليك إلى فك الحصار.
ولكن خشي الصليبيون من قوة المماليك فعقدوا الصلح وعقدوا هدنة مع بيبرس بشرط عودة الأسرى المسلمين، ولكن رفض الكون إبلين كونت يافا عودة الأسرى نظرًا لكونهم صناعًا مهرة فرفض بيبرس المفاوضات وأمر بتحريك الجيش لاتجاه أملاك الصليبيين وهاجم حصونهم فما كان منهم سوى أن يعاودوا طلب الصلح منه مرة أخرى.
وبدأ بيبرس حربه على الصليبيين من إقليم الجليل وشن هجومًا على عكا ولكن لم يتمكن من اقتحامها، ثم هجم على قيسارية وعثليث ففتح قيسارية واتجه إلى يافا التي هرب منها الصليبيون فورًا وبعدها اتجه صوب أرسوف وحاصرها حتى استسلمت المدينة.
ومن ثم عاد مرة أخرى للهجوم على عكا ولكن لم يتمكن من الاستيلاء عليها للمرة الثالثة بسبب مساعدة ملك قبرص للصليبيين، فعاود الهجوم على مدن أخرى منها صفد، وهونين، والرملة، وتبين، ويبنة، وعرقة، والقليعة، وهكذا سيطر على الطريق المؤدي إلى طرابلس من البقاع.
وبسبب الانتصارات المتتالية لجيش بيبرس ضعفت معنويات الصليبيين في الشام وطلبوا الصلح منه، ولكن شجع ضعف الصليبيين استمرار بيبرس للانتقام منهم فقرر أن يهاجم على مملكة أرمينيا الصغرى التي ساعدت المغول في معركة عين جالوت.
وأنزل المماليك بالأرمن هزيمة منكرة عند حصن دربساك وبعدها هجموا على المدن الرئيسية في قيليقية واستولوا على ما فيها ومن ثم دخلوا العاصمة واستولوا عليها وأسروا أكثر من أربعين ألف أسير وعدد لا يحصى من الغنائم، وكان من بين الأسرى ابن ملك الأرمن "هيو".
وبعد كل هذه الأحداث خسرت مملكة أرمينيا الصغرى دورها في الشرق الأدنى، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك، وفي 1 رمضان 666 هـ تمكن المماليك من فتح مدينة أنطاكية وبهذا الإنجاز انقطعت صلة الصليبيين في طرابلس وعكا، وأرمينيا الصغرى وغدت مصالح الصليبيين في الشام معددة.
وفاته
توفي الظاهر بيبرس في سنة 676 هـ الموافق 1277 م، ودفن في المكتبة الظاهرية في دمشق بعد أن دام حكمه 17 عامًا، وبعدها تولى أكبر أبنائه الحكم "ناصر الدين" ولكن لم يدم حكمه طويلًا وتولى بعده الحكم المنصور قلاوون.