الصليب الأحمر ورحلة البحث عن المفقودين في الحرب
لا أعرف مكان تواجد أطفالي وزوجي ووالداي؟ هل ماتوا، أصيبوا، أم اعتقلوا؟ ماذا حدث لأختي؟ أسئلة يطرحها الأشخاص الذين عايشوا الحرب أو أجبروا على الفرار من بلدانهم، كما هو حال الكثير من الأوكرانيين اليوم.
حسب مارينا برينكمان "عندما لا يعلم هؤلاء الأشخاص أمكان تواجد أقاربهم ، يسيطر عليهم اليأس". ينطبق الأمر حسب المتحدثة على اللاجئين من أوكرانيا كما ينطبق على كل الأشخاص من جميع مناطق النزاعات الأخرى عبر العالم مثل أفغانستان أو الصومال أو سوريا أو العراق وغيرها. تحاول برينكمان وفريقها الدولي مساعدتهم.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
تترأس برينكمان مجموعة المتخصصين في البحث الدولي بقسم البحث عن المفقودين التابع للصليب الأحمر الألماني في ميونيخ، الذي ترفع شعار "إعادة الروابط العائلية".
سجل فريق برينكمان 107 طلب بحث من أشخاص أوكرانيين منذ بدء الحرب في فبراير الماضي، وهذا العدد في تزايد مستمر. فقد الكثيرون الاتصال بأقاربهم في ماريوبول، وآخرون فقدوا أفراداً من أسرهم أثناء فرارهم عبر بولندا أو المجر. ما يناهز واحداً من كل خمسة طلبات تتعلق بجنود أوكرانيين.
قال مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالي لـ DW إن قاعدة البيانات الخاصة بالمفقودين في ألمانيا سجلت اختفاء 51 شخصًا يحملون الجنسية الأوكرانية منذ منتصف شباط/ فبراير، بما في ذلك أربعة أطفال دون سن 14 عامًا (إلى غاية 5 مايو الجاري)، ومن غير المرجح أن تكون هذه الاختفاءات مرتبطة بشكل مباشر بالنزاع العسكري.
يمكن للذين يطلبون المساعدة من الصليب الأحمر ملء نموذج عبر الإنترنت للحصول على موعد في واحد من بين 90 مركز استشاري في ألمانيا. هناك يتم تسجيل البيانات الشخصية وجميع المعلومات التي يمكن أن تساعد في العثور على الأشخاص المفقودين: هل هم عسكريون أم مدنيون، أين كانوا قبل اختفائهم، هل يمكن أنه قد تم احتجازهم في مكان ما؟ ويتم التعامل مع جميع البيانات والمعلومات بسرية تامة.
لإجراء عمليات البحث في مناطق النزاع، يرسل الصليب الأحمر الألماني الطلبات إلى بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو المنظمات الإقليمية الشريكة لها.
في حالة أوكرانيا، تقوم الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف بجمع الطلبات وإرسالها إلى لجان اللجنة الدولية في أوكرانيا، وفي بعض الحالات إلى روسيا. قول برينكمان: "الناس يفرون في كلا الاتجاهين".
الشبكة العالمية: الصليب والهلال الأحمر
المواطن السويسري هنري دونان، مؤسس الصليب الأحمر، في حديثه للجنود المصابين والمحتضرين في ساحات المعارك في إيطاليا عام 1859، شدد على أهمية معرفة مصير الأقارب المفقودين، ونقل رسائلهم إلى عائلاتهم.
الثامن من مايو، عيد ميلاد "دونان"، هو اليوم العالمي لمنظمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، التي لها فروع ومكاتب في 192 دولة. خلال النزاعات، تظل المنظمة محايدة من أجل أن يتمكن فريقها من الوصول إلى جميع الأشخاص الذين يحتاجون المساعدة.
أُنشئت الخدمة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر قبل 150 عامًا. في عام 2018 وحده، تمكنت الشبكة من حل قضية اختفاء كل نصف ساعة. في ألمانيا، بدأت خدمات البحث عن المفقودين العمل في عام 1945، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حسب دوروتا دزيووكي، رئيسة مركز خدمة البحث عن المفقودين.
الخدمة مجانية، وممولة من وزارة الداخلية الألمانية.إلى غاية عام 2021، تلقت خدمة البحث عن المفقودين أكثر من 13000 استفسار حول مصير الأشخاص المفقودين في الحرب العالمية الثانية. منذ نهاية الحرب الباردة في أواخر التسعينيات، تم العمل على حفظ الأرشيف، الذي يشمل مقابلات بالفيديو سجلها أشخاص يسردون فرحتهم بعدما تم إيجاد فرد مفقود من عائلتهم.
المقابر الجماعية والغرق في البحر الأبيض المتوسط
عدم معرفة ما حل بشخص مفقود، هو أسوأ ما تعيشه العائلة خلال فترة البحث. لعقود، كانت العديد من الأسر تبحث عن أفرادها من ضحايا حروب البلقان في التسعينيات، الذين كان مصيرهم مجهولاً.
دعمت خدمة البحث عن المفقودين، مشروعًا للعائلات التي وصل أحد أفرادها إلى ألمانيا وفقد هنا أثر الشخص المختفي، حسب ما تحكي مارينا برينكمان. تقول "لقد قدموا لنا عينات من الحمض النووي، ووصفوا بالضبط شكل الأفراد المفقودين وما هي الملابس التي شوهدوا يرتدونها آخر مرة. وتضيف "حتى لو لم يتم العثور على مقابر جماعية لعقود، لا يزال بإمكان علماء الطب الشرعي العثور على تطابقات حمض نووي. تؤكد برينكمان "نحصل دائمًا على معلومات جديدة، تساعدنا في معرفة مصير المفقودين".
أكثر المهام صعوبة هو البحث عن الأشخاص الذين فقدوا أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا. وبحسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، فقد غرق نحو 24 ألف شخص في البحر منذ عام 2014. فقط عندما يلفظ البحر الجثت على الشواطئ، يتم التعرف عليها، ويتضح مصيرهم بالنسبة لأقاربهم الباحثين عنهم.
هناك بعثة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر متخصصة في مثل هذه الاستفسارات في اليونان . ترافق خدمة البحث عن المفقودين التابعة للصليب الأحمر الألماني الأقارب إلى مراكز الشرطة في ألمانيا، إذا أرادوا تقديم عينات من الحمض النووي.
معتقل غوانتانامو
يمكن للصليب الأحمر أيضًا إجراء اتصالات مع الأشخاص في مراكز الاحتجاز أو السجون في مناطق النزاع. توضح "برينكمان" أن اللجنة الدولية لها الحق في زيارة المحتجزين "يمكن تقديم المساعدة الطبية لهم إن كانوا في حاجة لها، كما يحق للمحتجزين الاتصال بأقاربهم في الداخل والخارج".
أحد خيارات المعتقلين هو التواصل من خلال الصليب الأحمر، والذي يمكنه تسليم رسائل غير مختومة وليس لها محتوى سياسي. على سبيل المثال، ساعدت خدمة البحث عن المفقودين رجلاً ألمانيا في البقاء على اتصال بشقيقه، الذي سُجن في مركز الاعتقال الأمريكي في خليج غوانتانامو.
في نهاية المطاف، تمكن الصليب الأحمر من تنظيم مكالمة فيديو عبر أربع قارات لهذه العائلة "المعتقل في غوانتانامو، والأخ في ألمانيا، وبقية الأسرة في موريتانيا، وابن عمه في ماليزيا". تتذكر مارينا برينكمان أن هذه العملية كانت تحديًا لوجستيًا كبيراً، ليس فقط بسبب فارق التوقيت، بل لأن المحادثات "لا يجوز إجراؤها إلا من مباني الصليب الأحمر".
أمل بإيجاد 50 في المئة من المبحوث عنهم في أوكرانيا
تقول مارينا برينكمان إن خدمة البحث عن المفقودين التابعة للصليب الأحمر الألماني، تمكنت من مساعدة 30 إلى 40 بالمئة من مجموع العائلات التي تقدمت بطلب بحث عن مفقود في السنوات الأخيرة. مشيرة إلى أن معدل نجاح عملية البحث يختلف من بلد إلى آخر.
يدرب الصليب الأحمر عائلات اللاجئين على كيفية تفادي فقدان التواصل مع بعضهم البعض. الأطفال مثلا، يجب أن يمتلكوا تفاصيل الاتصال بأفراد أسرتهم والمعلومات الأخرى المهمة مكتوبةً، أو يحفظونها عن ظهر قلب.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن برينكمان متفائلة فيما يتعلق بالبحث عن المفقودين. لكنها قلقة من اختفاء الجنود أو المدنيين القتلى "في مقابر جماعية بلا أسماء". مشيرة إلى أنه لدى اللجنة الدولية طاقم طبي شرعي في أوكرانيا يعمل لصالحها منذ فترة طويلة.
تقول مارينا برينكمان حول البحث عن أشخاص من أوكرانيا "أتوقع أننا قد نحل نصف قضايا الأشخاص المفقودين". لكن الشرط الأساسي لذلك حسبها، هو "إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن".
أندريا غراناو/ م.ب