الشيخ جراح: قصة الحي الذي أشعل الأحداث في فلسطين

  • تاريخ النشر: الجمعة، 14 مايو 2021 | آخر تحديث: السبت، 15 مايو 2021
مقالات ذات صلة
المملكة تندد بانتهاك الشرعية الدولية في أحداث حي الشيخ جراح
أحمد الشقيري يخرج عن صمته أخيرًا ويعلق على أحداث فلسطين
فيفي عبده تظهر بالحجاب وتعلق على أحداث لبنان وفلسطين

منذ النصف الثاني من شهر رمضان ومحاولات قوات الاحتلال الإسرائيلية لتهجير سكان حي الشيخ جراح من الفلسطينيين لا تتوقف بل وأخذت طابع دموي شرس في ظل تصدي الفلسطينيون في الحي المقدسي لمحاولة تهجيرهم القسرية، ليكون بذلك الشيخ جراح بداية الشرارة التي كبرت لتُشعل الأحداث في القدس وتمتد إلى مدن الداخل أو مدن عرب 48 كما يُطلق عليها، لتصل في النهاية إلى قطاع غزة فيما وصفه البعض بانتفاضة جديدة للشعب الفلسطيني أمام قوات الاحتلال التي تخطت كل الضوابط الإنسانية في محاولاتها لوقف تظاهرات أهل القدس مما نقل الصراع إلى معركة بين غزة وتل أبيب مستمرة حتى هذه اللحظة؛ حيث شهد أول أيام العيد تبادل ضربات بالصواريخ والطائرات المسيرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية بغزة وبين الجيش الإسرائيلي الذي استهدف في الأيام الماضية أهداف حيوية في سط المدينة الفلسطينية وبنايات سكنية شهيرة.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

فدعونا نعود للوراء بعض الشيء ونتعرف على قصة هذا الحي الذي ترغب إسرائيل في إخلائه تماماً من الفلسطينيين وتحويله إلى مستوطنة يهودية بالكامل.

تاريخ حي الشيخ جراح

تبدأ القصة منذ 73 عاماً حيث حلت النكبة بعد بهزيمة العرب في حرب 48 بفلسطين وأُعلن رسمياً على قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية مُقسمين القدس إلى شطرين؛ جزءٍ غربي تحت سيطرة إسرائيل وجزءٍ شرقي تحت حكم الأردن حتى نكسة 1967 واحتلال إسرائيل للشطر العربي من القدس، فيما تم تهجير الفلسطينيين من القدس الغربية بالكامل وعدد من المناطق الفلسطينية وحلوا كلاجئين في القدس الشرقية وحدود فلسطين الجديدة منذ نهاية حرب 1948.

أما حي الشيخ جراح الذي سُمي على اسم أحد أبرز أمراء الدولة الأيوبية حسام الدين بن شرف الدين عيس الجراح طبيب صلاح الدين الذي قام بمداواته في القدس والمُلقب بالشيخ جراح، هو أحد القرى المقدسية القديمة التي يعود تاريخها إلى قرابة ألف عام والتي تم بها إنشاء حي الشيخ جراح وتهيئته في عام 1956 ليستقبل 28 عائلة فلسطينية هُجرت من أرضها بعد نكبة 48 بموجب اتفاقية تمت بين وكالة لغوث اللاجئين وتشغيلهم تابعة للأمم المتحدة تُسمى الأونروا وبين الحكومة الأردنية متمثلة في وزارتها للإنشاء والتعمير، وذلك لمنح أرضٍ في الشيخ جراح لهذه العائلات الـ 28 لتقوم وكالة الأونروا بمساعدتهم في بناء مساكن لهم عليها مُقابل عقود إيجار ثم تُصبح ملكهم بعد سنوات كهبة من الحكومة الأردنية لتسقط عنهم بذلك صفة لاجئين، وبالفعل تم إنشاء المنازل وتسكين كل عائلتين في منزل مساحته حوالي 200 متر حوله أرض للزراعة بمساحة 600 متر، وقد شيد الفلسطينيون أجمل المنازل وجعلوا من حي الشيخ جراح تحفة معمارية تتناسب مع جمال المعمار في القدس، ووصل عدد العائلات إلى 38 عائلة فيما بعد.

لكن بعد حرب عام 1967 واحتلال إسرائيل للقدس الشرقية بدأت محاولات التهجير لسكان الشيخ جراح بإدعاء عدم ملكيتهم لمنازلهم في وقت أصبحت كامل حياتهم مرتبطة بهذا الحي المقدسي الصغير الذي استهدفته قوات الاحتلال مثلما استهدفت معظم أحياء القدس الشرقية وحدود 48 الفلسطينية لتهجير أهلها وتحويلها إلى مستوطنات لليهود المتطرف.

محاكم غير عادلة

حاولت الحكومة الإسرائيلية أن تلجأ للقضاء لتبرئة نفسها من تهمة التهجير القسري بإثبات عدم ملكية العائلات الفلسطينية إلى منازلهم عن طريق غطاء من منظمات يهودية تولت هي أمر التقاضي ولكن المحكمة حكمت آنذاك بأحقية عائلات الشيخ جراح بأرضيهم ومنازلهم، لتعاود عائلات إسرائيلية مرة أُخرى برفع قضايا جديدة على بعض العائلات الفلسطينية لإثبات أنهم أخذوا منازلهم في حي الشيخ جراح بفرض وضع اليد، لتلجأ العائلات الفلسطينية حينها إلى محامٍ إسرائيلي يقوم بخيانتهم والاعتراف بحق المستوطنين في أرض الشيخ جراح ويُطالب بالسماح ببقاء العائلات الفلسطينية مُقابل إيجار يدفعونه إلى الحكومة الإسرائيلية وعائلات المستوطنين، ليستمر بعدها التقاضي بين العائلات الفلسطينية والإسرائيلية لسنوات طويلة إلى أن يصدر حكم من محكمة إسرائيلية ويجبر عائلات فلسطينية على ترك منازلهم ويتشردوا في الخيام بعد أن أُخذت منازلهم غصباً وسكنها مستوطنون إسرائيليون.

وعامٍ بعد عام لم يتبقى من العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح سوى 12 عائلة تُحاول إسرائيل بكل الطرق سواء الأحكام القضائية أو العنف تهجير كافة الفسلطينيين في الحي وطردهم من منازلهم وهو ما تتصدى له هذه العوائل بتضامن ودعم من جميع فلسطينيي القدس.

أحقية الفلسطينيين في الشيخ جراح

بالنظر إلى تاريخ تمليك الحي للفلسطينيين في عام 1967 نجد أن طرفي البيعة هما المملكة الهاشمية الأردنية والعائلات الفلسطينية الـ 28، وقد اعترف الأردن في أكتر من مناسبة بمنح أراضي حي الشيخ جراح كهبة لهذه العائلات وأن الحي المقدسي حق للفلسطينيين ومحاولات تهجيرهم منه هو تعدي على القانون الإنساني الدولي، كما ساهم الأردن مؤخراً في الوصول إلى عدد من وثائق التأجير والملكية لمنازل حي الشيخ جراح وتسليمها إلى الحكومة الفلسطينية لمساعدتها في القضايا التي ترفعها الحكومة الإسرائيلية تحت غطاء المستوطنين للوصول إلى هدفها وطرد كافة العائلات الفلسطينية من الشيخ جراح تمهيداً لإحكام القبضة على القدس الشرقية المحتلة وتهويدها بالكامل لتسهيل الاعتراف الدولي بأن القدس عاصمة إسرائيل كما يتطلع الكيان المحتل.

الشيخ جراح شرارة انتفاضة جديدة

يشهد الوضع بين فلسطين وإسرائيل تصاعد كبير ومستمر في الأحداث حتى يومنا هذا، حيث اشتعال الصراع مرة أخرى بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في كافة المدن الفلسطينية بعدما أصبح هناك تبادل قصف يومي بين الطرفين حيث تشن إسرائيل حرباً على قطاع غزة بالكامل وتواصل حمالات الاعتقال العشوائية لعرب اللد وحيفا والعديد من مدن الداخل التي تشهد حرب شوارع بين الفلسطينيين والمستوطنين المحميين من الشرطة الإسرائيلية.

ومع رفض إسرائيل لمحاولات التهدئة الدولية ووحشيتها في ضرب الأهداف المدنية بقطاع غزة، ووعود فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة بالتصعيد والاستمرار في قصف أهداف حيوية في تل أبيب يرى العديد من المحللين أن فلسطين قد تشهد انتفاضة جديدة لكنها هذه المرة ليست بالحجارة فقط حيث نشهد أسلحة محلية الصنع متطورة تظهر بقطاع غزة تسببت في أضرار هي الأكبر لإسرائيل حتى الآن في حربها مع الفلسطينيين حيث مطارات قد اُقفلت ومستوطنات تم إجلائها بشكلٍ مؤقت وفرضت حالة الطوارئ نفسها على المدن الإسرائيلية.

عنف إسرائيلي في غزة

تسعى العديد من الدول العربية والأوروبية مع أمريكا إلى فرض هدنة على الطرفين لوقف نزيف الدم المستمر خاصة مع اتباع إسرائيل لنهج وحشي لا يتوقف واستهدافها لمناطق مأهولة بالسكان لأكثر من مرة فيما يُشبه الإبادة الجماعية لهذه المناطق، حيث وصل عدد ضحايا القصف الإسرائيلي إلى حوالي 119 شهيد من بينهم 31 طفلاً و19 امرأة، فيما اقتربت الإصابات في قطاع غزة إلى نحو 1000 إصابة، ذلك إلى جانب الدمار الكبير الذي حل بالقطاع جراء قصف بنايات حيوية في وسط غزة، فحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية تم قصف قطاع غزة بـ 450 صاروخ وقذيفة، كما انتشرت أخبار عن نية إسرائيل وتجهيزيها إلى هجوم باستخدام القوات البرية رافضة جميع اقتراحات الهدنة المعروضة عليها من مختلف الدول.

ومن المنتظر أن يجتمع مجلس الأمن الأحد القادم حسب ما أعلنته سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالأمم المتحدة، وذلك في جلسة طارئة لبحث الأوضاع في غزة وإسرائيل والوصول إلى حل يُنهي سقوط القتلى المستمر ويُقف القتال في ظل فشل جهود الهدنة التي تبذلها دول عدة.