الشاعر أحمد شوقي
نشأة الشاعر أحمد شوقي
ثقافة أحمد شوقي
غربة أحمد شوقي
تميز الشاعر أحمد شوقي
شعر أحمد شوقي في رثاء الخديوي
نفي أحمد شوقي من مصر
أعمال أحمد شوقي الأدبية
وفاة الشاعر أحمد شوقي
فخامة شعره تعكسها ملعقة الذهب التي ولدت في فمه، فلم يكن فقيراً، كان وطنياً وموالياً، ولم يكن مغروماً وولهاناً، كان وفياً لمن جعل اسمه يرتفع، ولم يكن عبداً، صاغ أحلامه الشعرية في لحمة عرقية بين الشركسية والكردية واليونانية، ولم يكن طائفياً، هو لم يكن؛ ولم يكن.. إنما كان أديباً وشاعراً وكاتباً مسرحياً، كان واحداً ولم يكن غيره، كان أحمد شوقي، ومن يرى الاسم يرى ما بين حروفه من معانٍ.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نشأة الشاعر أحمد شوقي في قصر الخديوي
أحمد شوقي، شاعر عربي مصري ملقب بأمير الشعراء، ولد بحي الحنفي في القاهرة في مصر في 16 تشرين الأول عام 1870 (سكرتيره الخاص الدكتور محمد صبري يرى أن مواليده 1868) لأب شركسي وأم من أصول تركية.
كانت والدة أبيه من أصول شركسية، ووالدة أمه من أصول يونانية، وتوفي في القاهرة يوم 14 تشرين الأول عام 1932.
يعتبر واحداً من أعظم شعراء البلاط، فهو شاعر وكاتب مسرحي ورائد في الحركة الأدبية المصرية وتقديم الملاحم الشعرية ضمن التقاليد الأدبية العربية.
كانت عائلته بارزة وذات شأن وعلاقة مع بلاط خديوي مصر إسماعيل، حيث حظي جدّاه لأمه بمنزلة رفيعة لدى الخديوي، الذي عيّن جده وكيلاً له، وعملت جدته وصيفة في القصر، وبما أنها تكفلت بتربيته؛ فقد نشأ معها في القصر، مما هيأ لشوقي فرصة الاقتراب من القصر والعيش في كنفه، فحظي شوقي منذ نعومة أظافره برضى الخديوي ونعيمه، الأمر الذي كان له عظيم الأثر في أعماله الأدبية ولا سيما الروائية، حيث لم تخلُ رواية واحدة من رواياته من الإشارة إلى القصر وما يحيط به.
ثقافة الكاتب والشاعر أحمد شوقي
عندما بلغ شوقي سن الرابعة من عمره التحق بدار الكتاب، فحفظ الكثير من الآيات القرآنية وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم دخل الابتدائية ليبدي ذكاءً ونبوغاً كبيرين، فأُعفي من مصاريف الدراسة بسبب ذلك، وكان في ذلك الوقت كثير الاطلاع ومنكبّاً على قراءة الشعر.
وعندما أنهى الخامسة عشر من عمره دخل مدرسة القانون والتحق بها لمدة عامين، ثم التحق بقسم الترجمة فيها وتعلم اللغة الفرنسية حيث ساعده نسبه المختلط في إتقانه اللغة، وبعد حصوله على إجازة في الترجمة، تقدم لوظيفة في بلاط الخديوي عباس الثاني خديوي مصر فقبل على الفور.
وبعد سنة من عمله في البلاط، اُرسل شوقي لإكمال دراسته في القانون في جامعات باريس لمدة ثلاث سنوات، وأثناء إقامته هناك تأثر بشدة بأعمال الكتاب المسرحيين الفرنسيين وأشهرهم موليير وراسين، إلا أنه ظل متأثراً بالثقافة العربية، وساهم هناك مع زملاء البعثة بتكوين (جمعية التقدم المصري) التي كانت تمثل شكلاً من أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الانكليزي.
كانت أهم أهدافها الحفاظ على اللغة العربية من الاندثار في فرنسا، ثم تشعبت هذه الجمعية في مصر وفُتح فرع لها في باريس، وقويت أثناء ذلك علاقته بالزعيم مصطفى كامل.
درس شوقي في طفولته على يد أستاذ الأزهر محمد البسيوني، وقد كان الأخير ينظم قصائداً في مدح الخديوي، وكان تلميذه شوقي قد بدأ ينظم قصائده الشعرية، إذ راح يطلع على هذه القصائد ويقوم بتهذيبها وتجويدها، الأمر الذي أسعد أستاذه.
فراح البسيوني يبشر ببزوغ بذرة شعر وموهبة عظيمة عند هذا الفتى، فأبلغ الخديوي توفيق بنبوغه، فاستدعاه واطلع على أعماله، وهذا ما بيّنه محمد صبري في الشوقيات المجهولة، حيث يقول: "البسيوني تحدث بهذا النبوغ إلى صاحب العرش، وأفهمه أن بين أثواب الصغير أحمد شوقي براءةً نادرة، وذكاءً رائعاً، و أنه خليق برعايته العالية، فكانت هذه الشهادة من بين أكبر الأسباب التي حفزت الخديوي سنه 1887 إلى إرسال شوقي على نفقته الخاصة لإتمام دراسته العالية في باريس".
أحمد شوقي في الغربة.. بعيداً عن الوطن قريباً من الشعب
عاد إلى مصر عام 1894 وأصبح عضواً بارزاً في الثقافة الأدبية العربية إلى أن قام الانكليز بنفيه إلى الأندلس في إسبانيا عام 1914؛ بسبب مواقفه الوطنية ومهاجمته للإنكليز بشعره، بقي في منفاه حتى عام 1920، ثم لُقب عام 1927 من قبل أقرانه الشعراء بلقب (أمير الشعراء) تقديراً لمساهماته الكبيرة في الميدان الأدبي.
تأثر شوقي بالآداب الأوروبية، فبدأت بذرة المسرح تتفتح لديه متأثراً بأعمال أدباء عالميين، حيث يقول في مقدمة ديوانه: "وجربت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشهير... وأتمنى لو وفقني الله لأجعل لأطفال المصريين، مثلما فعل الشعراء للأطفال في البلاد المتمدنة".
غادر شوقي باريس بعدما انتشر فيها وباء الطاعون خوفاً من الإصابة به، فذهب إلى مرسيليا، ثم الأستانة، إلا أنه أصيب بالمرض، وكاد أن يودي بحياته، فنصحه الأطباء بالذهاب للاستجمام في الجزائر حتى يتعافى، وهناك شفي من مرضه، ثم عاد إلى فرنسا لإكمال ما تبقى من دراسته، وظل فيها حتى نال الإجازة في الحقوق.
تميز الشاعر أحمد شوقي
حاول أحمد شوقي التفرد كشاعر فزاحم الشاعر الكبير حافظ إبراهيم على عرش إمارة الشعر، حيث كان إبراهيم أقرب إلى الجماهير عندما كان شوقي مقيماً في قصر الخديوي بعيداً عن هموم الناس، لكنه استطاع التغلب على منافسه بعد نفيه، حيث راحت الجماهير تتعاطف معه، كما ظل يبعث بقصائده الوطنية من منفاه، الأمر الذي قلب الأمور رأسا على عقب، فضلاً عن إغنائه المكتبة العربية بفنونها الشعرية.
كان شعر أحمد شوقي يعبر عما يجول في خاطره، فقد تمرجح بين المديح والحزن والرثاء والأطفال والجامعات، ويمكن تصنيف إرث أحمد شوقي الفني إلى ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى تتزامن مع المرحلة التي شغل فيها الوظيفة في محكمة الخديوي حيث شملت أعماله كلمات التأبين التي أُلقيت على الخديوي بالثناء عليه أو دعم سياسته.
- أما المرحلة الثانية فهي تضم أعماله في منفاه بإسبانيا، خلال هذه الفترة استخدم شوقي حنينه للوطن وشعوره للاغتراب لتوجيه موهبته الشعرية لقصائد وطنية عن مصر والعالم العربي والوحدة الوطنية، كما تعلم الكثير من اللغات والآداب الأوروبية.
- بينما الفترة الثالثة تتمحور حول أعماله بعد عودته من المنفى، في هذه الفترة شغل شعره لتاريخ مصر القديمة والإسلام، فكتب فيها قصائده الدينية التي مدح فيها النبي محمد (ص)، وانعكس نضج شعره في المسرحيات التي قدمتها في تلك الفترة.
من أعماله الشعرية (الشوقيات) المؤلف من أربع مجلدات بما في ذلك (نهج البلاغة)، (البردة) الذي مدح فيه النبي محمد (ص)، (دول العرب وعظماء الإسلام) عبارة عن قصيدة طويلة عن تاريخ الإسلام، (قصص شعرية للأطفال) مستوحاة من الخرافي الفرنسي جان دي لافونتين، كما كتب عدة فصول في النثر جُمعت تحت عنوان (أسواق الذهب).
شاعر الأمراء في رثاء الخديوي
بعد أن أنهى شوقي دراسته في باريس، عاد إلى مصر ليلتحق بقصر الخديوي توفيق، وفي عام 1894 سافر إلى سويسرا مبعوثاً من الحكومة المصرية لحضور مؤتمر المستشرقين هناك، ومن ثم انتقل إلى بلجيكا، إلا أن المكانة التي حظي بها شوقي داخل القصر لم تدم بعد موت الخديوي توفيق، حين جافاه الخديوي عباس الثاني وأبعده عن القصر.
لكن هناك من رأى أن شوقي عاد إلى مصر بعد موت الخديوي توفيق وبعد تولي الحكم عباس حلمي الثاني، فأعرض مدة عن شوقي، لكنه ما لبث أن قربه منه وعينه شاعر البلاط، وينقسم النقاد في آرائهم حول علاقته بالقصر وأثر ذلك في شعره، فالبعض يرى أن ذلك قيده في مدح السلطان ورثائه، والبعض الآخر يرى أن لولا القصر لما كان شعره راقياً. ومن إحدى قصائده في رثاء الخديوي:
بين ماضي الأسى وآتي الهناء ... قام عذر النعاة والبشراء
نبأ معذر نفي بعضه بع ... ضا فكان السفيه في الأنباء
سر من حيث شاء كل مصاف ... ساء من حيث سر كل مراء
ما نظرنا محمداً في فتاه ... إن غفرنا الضراء للسراء
هابنا الدهر فيه حيا وميتا ... فأتانا من دائنا بالدواء
وعزاء البلاد أن يخلد الم ... لك ويحيى الآباء في الأبناء
لهف نفسي على نظام نعيم ... حله الدهر باليد العسراء.
نفي الكتب والشاعر أحمد شوقي خارج مصر
نفي شوقي إلى برشلونة حيث عاش فيها خمسة أعوام، أثر النفي على فنه وأدبه، حيث طغى الحزن على شعره الوطني الذي عززته الغربة والمنفى حنيناً، وتعتبر هذه الفترة من حياته نقطة تحول جوهرية في عمله الأدبي، فلم يعد شاعر القصر أو الخديوي، بل بدأ يتحرر من قيود القصر الذهبية.
وبدأت العلاقة بينه وبين القصر تضعف تدريجياً، نتقرب إلى الشعب ليعبّر عن جراحاته وآلامه، وصار لسان حاله ونبضه بعد أن كان لسان الخديوي، وعلى هذا فقد أضعفت فترة النفي روابطه بالقصر، وقوي في وجدانه الشعور بالانتماء الوطني، اتسمت أعماله الأدبية في إسبانيا بالحزن والأسى.
ومع أن هذه البيئة الجديدة كانت تربة خصبة لهبته الشعرية، لكنّ شوقي لم يستقبلها بالفرح، بل استقبلها بالحزن والألم بسبب بعده عن وطنه، ومن القصائد التي نظمها أثناء نفيه قصيده عارض فيها سينية البحتري، وهذه القصيدة تفيض بمشاعر الحزن والأسى بسبب بعده عن وطنه، يقول فيها:
وطني لو شغلت بالخلد عنه ... نازعتني إليه بالخلد نفسي
صنت نفسي عما يدنس نفسي ... وترفعت عن ندى كل جبسِ
اختلاف النهار والليل ينسي ... اذكرا لي الصبا، وأيام أنسي
وصِفا لي مُلاوةً من شباب ... صُورت من تصورات ومسِّ
عصفت كالصبا اللعوب ومرت ... سنةً حلوةً ولذة خلس
وسَلا مصرَ: هل سلا القلب عنها ... أو أسا جرحَه الزمان المؤسّي؟.
أعمال أحمد شوقي النثرية
أغنى أحمد شوقي المكتبة العربية بفنونه النثرية المختلفة، إلا أنها لم تنل حظاً وافياً بالدرس والتحليل، كما طغى شعره على نثره، واللافت للنظر أن الدارسين أغفلوا علاقة الشعر بالنثر متجاهلين الروابط القوية التي تربطهما ببعضهما البعض.
كما كانت تجربة شوقي النثرية أسبق منها إلى الشعرية، لاسيما أنه بدأ كتاباته سكرتيراً في الخديوية، حيث كانت طبيعة عمله في القصر نثرية كالمراسلات، كما تعددت فنونه النثرية وتعددت ألوانها، فمنها الرواية والحكمة والسيرة والحوار والمسرحية، وغيرها من فنون متعددة الأساليب والأغراض، وهي على النحو الآتي:
1- السيرة الذاتية لأحمد شوقي
كتب شوقي سيرته الذاتية في مقدمة ديوانه عام 1898، إذ تخللتها الكثير من تفاصيل حياته، وكتبها بأسلوب رشيق وأكثرها مصوغ في كلام مرسل يتخلله سجع طبيعي مقبول، وهي من سهله الممتنع ولعلها خير ممثل للأسلوب النثري الشوقي، لكن هذه المقدمة أُسقطت من الطبعات اللاحقة، ثم أعيد نشرها في الطبعة الثانية للديوان سنة 1911، لكن هذه المقدمة أُسقطت بعد ذلك من كل طبعات الديوان على الرغم من خطورتها.
2- روايات أحمد شوقي
كتب شوقي خمس روايات، استلهم فيها التاريخ الفرعوني القديم وأسقطه على واقعه المعيش، وهذه الروايات هي:
- رواية عذراء الهند: كتبها شوقي عام 1897، يرجع زمن أحداثها إلى زمن (رعمسيس الثاني) عام 1237 قبل الميلاد، وهي رواية غرامية غريبة السرد تنتهي وقائعها في زمن رعمسيس الثاني المعروف باسم سيزوستريس أحد فراعنة مصر الأقدمين، هذه الرواية شبه مفقودة، وظلت نسخها مفقودة زمناً طويلاً حتى اكتشفها أستاذ النقد الأدبي في جامعة الكويت الدكتور أحمد الهواري بعد جهود حثيثة، تمكن من جمعها في سلسلة.
- رواية لادياس أو آخر الفراعنة: كتبها عام 1898، استلهم فيها تاريخ الفراعنة، حيث دارت أحداثها زمن الملك (أبرياس) فصورت العنصر المصري في البلاد الأجنبية.
- رواية دل وتيمان أو آخر الفراعنة: وهي تتمة لرواية لادياس، وقد تولت نشرها وطبعها مجلة الموسوعات في عام 1899 م، حيث كتبها متأثرا برواية العالم (جورج ايبرس)، وأوضح فيها حالة مصر في عهد الملك (أمازيس)، كما نوه فيها باستبداد اليونان بشؤون مصر.
- رواية شيطان بنتاءور أو لبد لقمان وهدهد سليمان: صدرت عام 1901، وهي مختلفة عن سابقاتها في كونها حواراً على أسلوب مقامات الهمذاني والحريري، دار هذا الحوار بين طائر الهدهد الذي يرمز إلى شوقي ذاته وطائر النسر الذي يرمز إلى بنتاءور شاعر مصر الفرعونية القديمة، تناول فيه حال مصر السياسية والأخلاقية والاجتماعية والأدبية.
- رواية ورقة الآس: وهي الرواية العربية الوحيدة من بين رواياته الفرعونية، ترجع أحداثها إلى العام 272 م كتبها عام 1905م.
3- مسرحيات أحمد شوقي
كان أحمد شوقي أول من كتب مسرحيات شعرية من رواد الأدب العربي الحديث، منها خمس مسرحيات تراجيدية:
- مجنون ليلى.
- مقتل كليوبترا.
- عنترة.
- علي بك الكبير.
- قمبيز الثاني.
- كذلك كتب مسرحيتين كوميديتين: (الست هدى)، (البخيلة).
لم يكتب شوقي سوى مسرحية نثرية واحدة هي (أميرة الأندلس) كتبها أثناء نفيه إلى إسبانيا، وهي مشحونة بالرسائل السياسية للاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 م كمسرحياته الشعرية الأخرى، تمثل هذه المسرحية احتلال الأندلس العربية أولاً على يد الإسبان ثم على يد المرابطين من المغرب، إذ كان للمسرحية رسالة سياسية كما كان لتلك المسرحيات، وهذه الرسالة كانت تؤدي إلى شيء من المشاركة الوجدانية بين الجمهور المصري المشاهد للمسرحية في تلك الفترة.
4- أدب الرحلة لدى أحمد شوقي
تجسد أدب الحلات في أعمال شوقي من خلال كتابه (بضعة أيام في عاصمة الإسلام)، حيث كتبه مصوراً رحلة إلى الأستانة برفقة الخديوي عباس حلمي الثاني، حيث يعد هذا الكتاب سجلاً لرحلة واقعية، إلا أنه أضاف إليه جواً خيالياً.
كما ضمنه نقداً سياسياً واجتماعياً في تأملاته التاريخية للبحر الأبيض المتوسط، ومن بعض سطوره: "وكان الوقت صحواً، وفضاء البحر زهواً، والسفر لهواً ولعباً، فحينما ذهبنا تنحى التيار، وعبر البخار، وأّلف الله بين الماء والنار، نسير في لجة لا ساكنة ولا مرتجة، تتلألأ رونقاً وبهجة، ولدى فضاء مائج بالأصيل وضّاء، فقد توحّد أديمه الأزرق، وتمهد من كل الجهات وتأنق، كأنه حوض من زئبق، أو بساط من استبرق، أو معادن العسجد، اختلط بها الزبرجد".
وفاة الشاعر أحمد شوقي
أصيب شوقي بتصلب في شرايينه لإدمانه وإسرافه الكبير في شرب الكحول، واضطر سنة 1932 إلى ملازمة الفراش مدة أربعة أشهر بسبب مرض مفاجئ أوهن عزيمته وأضعف قواه، لكن رغم ذلك ورغم المآخذ التي تدار حوله؛ وُصف بأنه رجل صالح على خلق عظيم، صان أدبه وفنه عن الهجاء وقدح الآخرين، إلا أنه أولع بالخمرة والملذات والسهرات التي أودت بحياته.
وقال البعض أن حياة شوقي الخاصة المترعة بالخمرة والسهر والإسراف في المأكل والملذات أدت به إلى دفع حياته ثمناً لذلك، هذا وأسمى بيته (كرمة بن هاني) لشدّة ولعه بالخمرة.
التزم شوقي في آخر أيامه منزله وفراشه منكباً على المطالعة والأدب، حيث كتب أروع أعماله خلال هذه الفترة العصيبة من حياته عّلها أنسته آلامه وأوجاعه، كما أكثر من رحلاته وطلعاته الترفيهية يرافقه فيها سكرتيره الخاص أحمد عبد الوهاب، الذي كان كظله لا يفارقه.
عندما كان شوقي في زيارة خاصة لجريدة (الجهاد)، انتابته نوبة سعال شديد فعاد إلى بيته يستريح، لكن السعال هاجمه مع ضيق شديد، وسرعان ما فارق الحياة عند الساعة الثانية في الليلة الرابعة عشرة من تشرين الأول/أكتوبر عام 1932.
لقد أوصى شوقي قبل مماته أن يُكَتبَ على قبره بيتان من نظمه مأخوذان من قصيدة (نهج البردة)، والبيتان هما:
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي ... وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل ... في الله يجعلني في خير معتصم
أحمد شوقي في أفواه الشعراء
نشر خبر وفاته الحزن في البلاد العربية، وأخذ الشعراء يرثون أمير الشعراء، وقد نعاه الأستاذ توفيق دياب قائلاً: "إنّ الذي سيهم الوارثين لآثار شوقي من عشاق الأدب في الأمم العربية هو نفاسة ما ترك من كنوز عبقريته، وذخائر أدبه، فهذه هي الباقية، أما ما عداها مما كان لشوقي أو عليه في أيام العمر الفانية فقد انقضى بانقضاء الأجل، لقد مات أمير الشعراء غير منازع، لقد مات شوقي فليبكه المصريون، وليبكه العرب في كل بلد عربي أو يقطنه عربي، ويبكه المسلمون في هذه المعمورة"، كذلك رثاه شكيب أرسلان برائعة من روائعه حينما قال:
هيهات يوجد في البرية منهم ... كفؤ ليرثيه بمثل لغاته
يبكي بك الإسلام خير جنوده ... أبدا ويرثي الشرق رب حماته
وعند تأبينه حضر عددٌ من شعراء فلسطين الذين رثوا أميرهم بمراثي حزينة، ومنهم محمد خورشيد، إذ قال:
يا نفس ذوبي أسىً ... على فقيد النظيم
شوقي طواه الردى ... فراح يبغي النعيم
ومنهم أيضاً عبد الكريم الكرمي، الذي رثاه بقصيدة عنوانها (ليلى على جبل التوباد باكية) ويقول فيها:
تحير الدمع في أرجاء وادينا ... وجيرة الأيك ناحت في روابينا
يا شاعر العرب والإسلام معذرة ... جل المصاب وما جلت مراثينا
في النهاية.. تلك مسيرة شعرية فيها من الحس الشعري ما يكفي ليعكس خيال الفقراء وشعر الأمراء، فيها عاطفة المشتاق ولوعة المتألم، فيها بلاغة المثقف وبراعة الأديب، فيها شعر معاصر منسوبٌ لأحمد شوقي، فلا بد للشعر أن يكون له مكانة خاصة في قلوب ذواقي الشعر، وإن كان من هذا الشاعر؛ فطوبى النكهة والمذاق.