السلطانة المصرية شجرة الدر (Shajar al-Durr)
تميزت شجرة الدر بشخصيتها القوية، حيث حكمت مصر في أصعب لحظاتها عندما كانت تتعرض للحملة الصليبية السابعة، وتمكنت مصر بقيادة شجرة الدر من وقف هذه الحملة وإفشالها.. فمن هي شجرة الدر؟ وما هي أبرز محطات حياتها؟ كيف توفيت؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
شجرة الدر من جارية إلى سلطانة
شجرة الدر من أصل تركي، اشتراها السلطان الأيوبي صالح أيوب في بلاد الشام قبل أن يصبح سلطاناً، ورافقته والمملوك بيبرس خلال اعتقاله في الكرك (وسبب اعتقال الصالح أيوب كان أخاه حاكم مصر الملك العادل الذي علم بأن الأمراء الأيوبيون طلبوا من الصالح أيوب استلام العرش في مصر لأن الملك العادل كان منشغلاً باللهو عن أمور الدولة وفق ما ذكر المقريزي في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك" في عام 1239.
واستمرت فترة الاعتقال ثمانية أشهر ثم أطلق سراحه بعدما فشل الملك العادل في تحقيق وعده لصاحب الكرك الناصر داوود بالسيطرة على دمشق وتسليمها له)، وعندما أصبح الصالح أيوب السلطان في عام 1240 ذهبت شجرة الدر معه إلى مصر فتزوجها، حيث أنجبت ابنهما خليل الذي كان يسمى الملك المنصور.
شجرة الدر تُخفي خبر وفاة السلطان الصالح أيوب
غادر السلطان أيوب القاهرة لمحاربة حاكم دمشق الصالح اسماعيل الذي تحالف مع الصليبيين، وبعد الانتصار عليه عانى مرض السلطان الصالح أيوب، فعاد السلطان الصالح أيوب إلى مصر في شهر نيسان/ أبريل عام 1249، بعد أخبار أن الملك الفرنسي لويس التاسع قد جمع جيشاً صليبياً في قبرص وكان على وشك شن هجوم ضد مصر.
فقاد الجيش المصري وعسكر به قرب دمياط لمواجهة الحملة الصليبية المحتملة، وفي شهر حزيران/ يونيو عام 1249، هاجم الصليبيون دمياط عند مصب نهر النيل وتمكنوا من احتلالها، وكان السلطان الصالح أيوب قد ساءت حالته الصحية فنقل على نقالة إلى قصره في مدينة المنصورة المحمية بشكل أفضل حيث توفي في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1249 بعد أن حكم مصر ما يقارب عشر سنوات.
فأبلغت زوجته شجرة الدر قائد الجيش المصري الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ بوفاة السلطان، لكن البلاد كانت تتعرض للهجوم من قبل الصليبيين فقررت شجرة الدر والأمير فخر الدين يوسف بن شيخ إخفاء خبر وفاة السلطان، وتم نقل جثته سراً على متن قارب إلى القلعة على جزيرة الروضة في نهر النيل.
وقام الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ بإرسال فارس الدين أقطاي في طلب ابن الملك الصالح أيوب؛ وهو توران شاه (وهو ليس ابن شجرة الدر)، في هذه الأثناء حكمت السلطانة شجرة الدر عوضاً عن زوجها، وأصدرت الأوامر بختمه وفق ما ورد في كتاب "شجرة الدر" للكاتب جرجي زيدان.
هزيمة الحملة الصليبية السابعة
وصلت أخبار وفاة الصالح أيوب إلى الصليبيين في دمياط، ومع وصول التعزيزات بقيادة ألفونسو كونت بويتو شقيق الملك لويس التاسع، قرروا السير إلى القاهرة، حيث عبرت قوة صليبية بقيادة لويس الثاني روبرت الأول من أرتواز قناة أشموم (المعروفة اليوم باسم البحر الصغير قرب المنصورة)، وهاجمت المعسكر المصري في جيديلا على بعد ثلاثة كيلومترات من المنصورة، حيث قُتل قائد الجيش المصري الأمير فخر الدين يوسف خلال الهجوم المفاجئ.
وتقدمت القوات الصليبية باتجاه مدينة المنصورة، ووافقت شجرة الدر على خطة لحصار القوة الصليبية داخل بلدة المنصورة وتم القضاء عليها، وفي شهر شباط/ فبراير عام 1250، وصل ابن سلطان الصالح أيوب توران شاه إلى مصر حيث كان غائباً عنها عند وفاة والده، وتم إيقافه في الصالحية، حيث لم يكن لديه الوقت للذهاب إلى القاهرة.
ومع وصوله أعلنت شجر الدر (زوجة أبيه) وفاة الصالح أيوب، وذهب توران شاه مباشرة إلى المنصورة، وفي السادس من شهر نيسان/ أبريل عام 1250 هُزم الصليبيون تماماً في معركة فاريسكور قرب المنصورة، وتم أسر الملك الفرنسي لويس التاسع.
الصراع بين شجرة الدر والسلطان توران شاه
بعد أن تمكن المصريون من هزيمة الحملة الصليبية السابعة وتم أسر الملك الفرنسي لويس التاسع، بدأت المشاكل بين السلطان توران شاه من جهة وشجرة الدر والمماليك من جهة أخرى، حيث أرسل السلطان توران شاه رسالة إلى شجر الدر (زوجة والده) عندما كانت في القدس يحذرها فيها، ويطالبها بتسليم ثروة والده الراحل.
فاشتكت شجرة الدر للمماليك وخاصة زعيمهم فارس الدين أقطاي، فغضبوا، لاسيما أن السلطان توران شاه كان يشرب الكحول، فاغتاله المماليك في الثاني من شهر أيار/ مايو عام 1250، وكان آخر السلاطين الأيوبيين الذين يحكمون مصر.
السلطانة شجرة الدر تقود مصر
بعد اغتيال توران شاه، التقى المماليك والأمراء وقرروا تنصيب شجرة الدر سلطانة جديدة لمصر، وتعيين عز الدين أيباك قائداً عاماً للجيش، وأبلغت شجرة الدر بهذا القرار عندما كانت في قلعة الجبل في القاهرة، ووافقت على ذلك، كما أصبحت تلقب باسم "الملكة عصمت الدين أم خليل؛ شجرة الدر"، وقد ذكرت في صلاة الجمعة في المساجد بأسماء من بينها أم الملك خليل و"زوجة السلطان صالح".
وتم صك عملات معدنية باسمها ووقعت على المراسيم باسم "وليد خليل"، ثم أرسلت السلطانة شجرة الدر الأمير حسام الدين إلى الملك الفرنسي لويس التاسع الذي كان ما يزال محتجزاً في المنصورة، وتم الاتفاق على أن يغادر الملك الفرنسي مصر بعد أن يدفع الفدية ويسلم دمياط التي احتلها الصليبيون، فنفَّذ الملك الفرنسي لويس التاسع الاتفاق، وأبحر إلى مدينة عكا في الثامن من شهر أيار/ مايو عام 1250 برفقة حوالي اثني عشر ألف سجين حرب محرر.
الصراع بين شجرة الدر و الأيوبيين
بعد وصول أخبار مقتل السلطان الأيوبي توران شاه، ووصول شجرة الدر إلى السلطة في مصر، رفض الأيوبيون حكم شجرة الدر لأنها امرأة، كما أعلن نائب سلطان الكرك تمرده على شجرة الدر في القاهرة، حيث سلم الأمراء السوريون في دمشق المدينة إلى الناصر يوسف الأمير الأيوبي في حلب.
الخليفة العباسي يرفض الاعتراف بشجرة الدر سلطانةً على مصر
بالإضافة إلى الأيوبيين في سوريا، رفض الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد أيضاً الحركة المملوكية في مصر والاعتراف بشجرة الدر سلطانةً على مصر، وقال في كتاب أرسله إلى مصر وفق ما ود في كتاب "شجرة الدر" للكاتب جرجي زيدان: "من أبي أحمد عبد الله المستعصم بالله بن المستنصر بالله أمير المؤمنين إلى أمراء الجند والوزراء في مصر، السلام عليكم. وبعد:
فقد بلغنا أنكم وليتم أمركم شجرة الدر، جارية الملك صالح، وقلدتموها أمور الدولة، وجعلتموها سلطانة عليكم، فإذا لم يكن عندكم رجال يصلحون للسلطنة فأخبرونا لنرسل لكم من يصلح لها، أما سمعتم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)".
فقالت شجرة الدر بعد تلاوة كتاب الخليفة: "يا معشر الأمراء.. قد سمعتم ما أمر به أمير المؤمنين، وطاعته فرض على كل مسلم، قد صدق -حفظه الله- فإن النساء لا يصلحن للسلطنة، وأنا لم أقبل هذا المنصب إلا عملاً برأيكم أيها الأمراء والقادة ورغبةً في استقرار الأوضاع بعد اضطرابها.
أما الآن فقد استقرت الأمور وسمعنا رأي مولانا الخليفة، فأنى أخلع نفسي وأطلب منكم من تختارونه ليتولى الأمر، وأنا أول من يخضع له"، تنازلت بعد أن حكمت مصر على أنها سلطانة لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، بذلك انتقل الحكم في مصر من الأيوبيين إلى المماليك.
السلطانة شجرة الدر تتنازل عن العرش لزوجها عز الدين إيبك
بعد رفض الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد، وتنازل شجرة الدر عن العرش، قرر المماليك تثبيت موسى بن صالح الدين بن أيوب، وكان صغير السن عمره ثماني سنوات، فتم تعيين عز الدين أيباك زوج شجرة الدر وصياً على السلطنة، حيث سكت النقود باسمها وباسم زوجها، كما كان يذكر اسمها إلى جانب زوجها في الصلاة وفق ما ورد في كتاب (السلطانات المنسيات نساء رئيسات دولة في الإسلام) للكاتبة فاطمة المرسيني.
يوجد حدثين مهمين في فترة حكم السلطانة شجرة الدر
على الرغم من أن فترة حكم شجرة الدر كسلطانة كانت قصيرة المدة، إلا أنها شهدت حدثين هامين في التاريخ:
- الأول، طرد الملك الفرنسي لويس التاسع من مصر، الذي شهد نهاية طموح الصليبيين للاستيلاء على حوض البحر الأبيض المتوسط.
- الثاني، انتهاء حكم السلالة الأيوبية، وولادة دولة المماليك التي هيمنت على جنوب البحر الأبيض المتوسط لعقود.
المماليك الموالين للسلطانة شجرة الدر يغادرون مصر
خشي عز الدين أيباك من تزايد قوة المماليك الذين قاموا بالتعاون مع السلطانة شجرة الدر لتعيينه كسلطان، وقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي؛ فخرج المماليك إلى سوريا حيث انضموا إلى الأيوبي الناصر يوسف، وكان من المماليك البارزين بيبرس وقلاوون الألفي، وأصبح السلطان عز الدين إيبك الحاكم الوحيد والمطلق لمصر بعدما غادر المماليك أنصار السلطانة شجرة الدر مصر وتحولوا ضده.
وفاة السلطانة شجرة الدر
بحلول عام 1257 أصبحت النزاعات والشكوك جزءاً من العلاقات بين عز الدين إيبك (وهو سلطان يبحث عن الأمن والسيادة) وزوجته شجرة الدر (السلطانة السابقة صاحبة الإرادة القوية، وأدارت بلد على حافة انهيار أثناء الغزو الخارجي)، حيث منعت السلطانة شجرة الدر السلطان عز الدين أيباك من لقاء زوجته الأخرى.
لذلك قرر أيباك أن يُطلّق السلطانة شجرة الدر، وبدلاً من ذلك قرر السلطان (الذي كان بحاجة إلى تشكيل تحالف مع أمير قوي يمكنه مساعدته ضد تهديد المماليك الذين فروا إلى سوريا) الزواج في عام 1257 من ابنة أمير الموصل بدر الدين لؤلؤ، فشعرت شجرة الدر بخيانة الرجل الذي كانت قد عينته سلطان، فأمرت الخدم بقتله عندما كان يأخذ حماماً.
وكان قد حكم مصر لمدة سبع سنوات. ادعت شجرة الدر أن السلطان عز الدين أيباك توفي فجأة خلال الليل، لكن المماليك الموالين للسلطان المقتول لم يصدقوا ذلك، فألقوا القبض على شجرة الدر وسلموها لزوجة عز الدين إيبك التي أمرت الجواري بضرب شجرة الدر بالقباقيب حتى ماتت ومن ثم ألقيت من فوق سور القلعة، وذلك في الثالث من شهر أيار/ مايو عام 1257.
ودفنت شجرة الدر في قبر داخل مدرسة بنتها وتعرف الآن باسم جامع شجرة الدر ليس بعيداً عن مسجد طولون في القاهرة.، وذلك وفق ما ورد في كتاب (السلطانات المنسيات- نساء رئيسات دولة في الإسلام) للكاتبة فاطمة المرنيسي.
عملات معدنية من شجرة الدر
أدرجت الأسماء والألقاب التالية على نقود شجرة الدر: المستعصمية الصالحية، ملكة المسلمين، شجرة الدر، كما أدرجت شجرة الدر اسم الخليفة العباسي عبد الله بن المستنصر بالله في عملاته، وكانت تلقب أيضاً بملكة المسلمين، نعمة الدين والدنيا، أم خليل المستعصمية، صاحبة الملك الصالح، وذلك وفق ما ورد في كتاب (المستظف من أخبار الجواري) للكاتب جلال الدين السيوطي.
شجرة الدر في المسلسلات والأفلام
- مسلسل شجرة الدر، عُرض في عام 1979، بطولة: نضال الأشقر (شجرة الدر)، حسن الجندي، أحمد مرعي، نبيل المشيني، أديب قدورة، عماد فريد، المسلسل من تأليف: وليد سيف، إخراج: صلاح أبو هنود.
- مسلسل الفرسان، عُرض في عام 1994، بطولة: نوال أبو الفتوح (شجرة الدر)، أحمد عبد العزيز، أحمد ماهر، مادلين طبر، شيرين، مشيرة إسماعيل، المسلسل من تأليف: سامي غنيم، إخراج: حسام الدين مصطفى.
- مسلسل على باب مصر، عُرض في عام 2006، بطولة: نهال عنبر (شجرة الدر)، يوسف شعبان، رغدة، نبيل الهجرسي، عفاف حمدي، عائشة الكيلاني، فهمي الخولي، دينا نديم، المسلسل من تأليف: محمد جلال عبد القوي، إخراج: هاني اسماعيل.
- مسلسل الظاهر بيبرس، عُرض في عام 2005، بطولة: سوزان نجم الدين (شجرة الدر)، عابد فهد، باسل خياط، رفيق علي أحمد، سعد مينا، الليث المفتي، المسلسل من تأليف: غسان زكريا، إخراج: محمد عزيزية.
- فيلم شجرة الدر، عُرض في عام 1935، بطولة: آسيا داغر (شجرة الدر)، ماري كويني، أحمد جلال، عبد الرحمن رشدي، ميخائيل عطا الله، مختار حسين، الفيلم من تأليف وإخراج: أحمد جلال.
- فيلم وا إسلاماه، عُرض في عام 1962، بطولة: أحمد مظهر، تحية كاريوكا (شجرة الدر)، لبنى عبدالعزيز، فريد شوقي، رشدي أباظة، عماد حمدي، محمود المليجي، قمر عمرايا، الفيلم من تأليف: علي أحمد باكثير، سيناريو: روبرت أندروز، إخراج: أندرو مارتون.
في الختام.. تميزت فترة حكم السلطانة شجرة الدر بالقضاء على الحملة الصليبية السابعة، وكانت مرحلة فاصلة بين حكم الأيوبيين وحكم المماليك، لاسيما بعد تنازلها عن العرش، ليستلم بعدها أول سلطان مملوكي.