الرقص للتغيير الاجتماعي في الأردن
"الكلّ يجيد الرقص بالفطرة،" يقول أنس نحلة، 23 عاماً.
لطالما تشارك أنس مع أخيه عبد الهادي نحلة، 25 عاماً، الشغف بالرقص لأكثر من عشرة أعوام. وما كان إلاّ أن قادهما ذلك إلى افتتاح "استوديو 8" Studio8 منذ عام، في منطقة جبل اللويبدة في عمّان. وبخبرتهما الواسعة في أنواع متعدّدة من الرقص على الصعيدَين المحلّي والدولي، تمكنا من إنشاء مركزٍ حيويٍّ يعلّم الفنون المسرحية وقادر على أن يكون أداةً فعّالةً لإحداث التغيير الاجتماعي.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
تحقيق الحلم
لم يتعلّم الأخَوان الفنون بأيّ شكلٍ رسمي، إلاّ أنّهما علّما سابقاً في استوديوهات رقصٍ أخرى حيث اكتسبا أتباعاً من بين تلامذتهم قبل أن ينطلقا للعمل بمفردهما. وإدراكاً منهما أنّه في عمّان لا يوجد كثيرٌ من الاستوديوهات معقولة التكلفة، عمدا إلى التركيز على الناس الذين يملكون رغبةً كبيرةً في الرقص لكنّهم غير قادرين على تحمّل التكاليف التي تفرضها المؤسَّسات الأخرى. وبالفعل، مع انضمام البعض من أصدقائهما لتعليم الصفوف معهما، تمكّنا من القيام بذلك.
ومن بين الأمور الاجتماعية الجيّدة الأخرى، معالجة اللاجئين السوريين. فأنس الذي غالباً ما يمارس فنّه في المساحات العامّة، التقى بالكثير من الأشخاص من خلال رقصه، وبلاجئين خصوصاً. وقد شكّل ذلك فرصةً جيّدةً له كي يشارك الجميع الفنّ الذي يقدّمه "استوديو 8"، وقد انضمّ الكثيرون إلى صفوفه نتيجة ذلك.
وعن هذا الأمر يقول أنس: "نحن نعتقد أنّ اللاجئين قد شهدوا على أمور لا يسعنا تخيّلها حتّى، لذا بإمكان الرقص أن يكون له تأثير علاجي وأن يسمح لهم بالتعبير عن معاناتهم وعن قصصهم."
أمّا "استوديو 8" فهو يقدّم مجموعةً متنوّعةً من الدروس، بما فيها رقصات البريك دانس والهيب هوب، والرقص الشرقي ورقص الشوارع popping، والتانجو والزومبا والسالسا، والرقص الأفريقي والدبكة والرقص النقري بالحذاء tap، ورقص السيرك والرقص المعاصر، كما وجلسات اليوجا والتأمّل. وبينما يعمل الأخَوان في المركز بدوامٍ كامل، لديهما مدرّسو رقصٍ كثر يعملون بدوامٍ جزئي. وفي حين أنّهما يفرضان رسماً على حضور الصفوف، إلاّ أنّهما يقدمان بعض ورش العمل مجاناً، كما يقدّمان ورش عمل بالتعاون مع منظّمات أخرى في عمّان.
وإلى جانب التشديد على استخدام التقنيات الصحيحة، يعلّم مدرسو "استوديو 8" أيضاً تاريخ الموسيقى وأزياء الرقص.
التغيير الاجتماعي: الرقص للفقراء
يقول عبد الهادي إنّ لدى الرقص قدرةً على هدم الحواجز وتوحيد أناسٍ من خلفيّاتٍ وعقائد مختلفة، فالراقصون يتحلّون بطبيعتهم بحسٍّ تعاوني، حيث يتعلّمون الرقص ويتمرّنون عليه ويؤدّونه معاً ضمن مجموعات. ويشير إلى أنّ الجماعات الراقصة هذه شائعة في لبنان ورام الله وسوريا (قبل الحرب).
ولكنّه يضيف أنّ الفنون والرقص لا يلقيان التقدير اللازم في الأردن، ولذلك يحتاج الناس إلى وقتٍ أطول لترسيخ عقليّةٍ تقدّر الدور الهام الذي بإمكان الرقص أن يؤدّيه.
وبالفعل، لا أحد يفهم لوعة أن يُساء فهم اختيارهما لمهنتهما بقدر أنس وعبد الهادي اللذين ترعرعا في جبل النزهة، وهو حيّ تقليدي محافظ في عمّان.
ويقول عبد الهادي بهذا الشأن: "هناك، لا أحد يتلقّى الدعم أو التعليم [في هذا المجال]. لقد اضطررنا إلى إخفاء ولعنا بالرقص لسنواتٍ طويلة، ولكنّنا الآن نحاول استهداف المجتمعات الفقيرة لأنّنا ندرك قدرة الرقص على تغيير الناس، ونعتبر أنفسنا قدوةً يُحتذى بها في هذا الإطار."
ويضيف أنّه في بعض المجتمعات التقليدية، يهاب الكثيرون التغيير الاجتماعي والمجازفة. ويُتوقع من الشبّان اليافعين، بشكلٍ خاصّ، أن يختاروا مهناً تحافظ على شرف عائلتهم في المقام الأوّل، بدلاً من التركيز على الرغبات الشخصية.
يشرح عبد الهادي قائلاً إنّه في المجتمعات المحلّيّة "يعتقدون أنّنا نقوم بشيءٍ مخالف للقانون والدين والتقاليد، ويرون أنّ علينا العمل في مصرف أو في الجيش مجرَّدين من أيّ حسّ إبداع أو ابتكار. ويظنون أنّنا نلعب ونظراً إلى عمرن، يظنّون أنّنا نهدر الوقت بما نفعله."
وبدوره يشير أنس إلى أنّ "الفنون والرقص من أفضل أدوات إحداث التغيير الاجتماعي بشكلٍ عام، ولذلك تهابها المجتمعات المحافظة. فالفنّ قادرٌ أن يكون سلاحاً، لكنّه يعكس نيّة من يؤدّيه، وإذا استخدمته بالشكل الصحيح يمكنك القيام بالكثير من الأمور الجيّدة."
في الوقت الحاليّ، يقوم الأخَوان اللذان يمتلكان خططاً كبيرةً للمستقبل باستخدام مدّخراتهما الخاصّة وأيّ عائداتٍ يدرّها الاستوديو عليهما لتمويل المشروع، على أنّ أداة التسويق الرئيسة التي يستخدمانها هي وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالإضافة إلى ذلك، فهما يهدفان إلى إنشاء مساحة أكبر، ولو كان الأمر سيتطلّب دعماً من جهاتٍ مانحةٍ على الأرجح. هذا لأنّه من شأن ذلك أن يسمح لهما باستضافة راقصين يزورون الأردن، تماماً كما استضافتهما مهرجانات الرقص في دبي ومصر ولبنان وتركيا وكولورادو.
يأمل عبد الهادي وأنس تقديم الدعم للمهرجانات العامّة، وتقديم المزيد من الصفوف في العام المقبل، وإطلاق برنامج إقامةٍ للفنّانين من شأنه أن يجتذب ذوي المواهب من الخارج. والهدف من كلّ ذلك تعزيز حركةٍ مجتمعيّةٍ ترمي إلى إحداث التغيير الاجتماعي من خلال الفن، والسماح لمجتمع الأردن الراقص بتحقيق كامل إمكاناته.