الرغبة في الكمال.. عندما يتحول الأمل في النجاح إلى هوس بالمثالية
يعتقد البعض أن السعي الدائم للوصول إلى الكمال، له فوائد متعددة من أبرزها ضمان تحقيق النجاح عاجلا أم آجلا، إلا أن الرغبة الدائمة في الوصول إلى النتائج المثالية قد تصيب صاحبها بأزمات نفسية لا حصر لها، ما يكشف عن ضرورة التخلي عن الكمالية الزائدة عن الحد سريعا قبل أن تصبح هوسا لا مفر منه.
هوس المثالية
يعرف الكمال أو الهوس بالمثالية بأنه الرغبة الدائمة في الظهور أمام الآخرين في صورة الشخص الكامل، أو بأنه الشعور بأن الوصول إلى الكمالية أمر ممكن عند الوضع في الاعتبار بعض العوامل، وهو الأمر غير المنطقي دون شك.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
يرى خبراء علم النفس أن الإنسان عليه أن يفرق بين محاولة اتباع السلوكيات الإيجابية قدر الإمكان من أجل تحقيق النجاح، وبين حالة الهوس بالمثالية والتي قد تدفعه إلى بذل الجهود فقط من أجل تجنب أحكام الآخرين وكلمات اللوم منهم، أو خوفا من الشعور بالخجل.
علامات الهوس بالكمال
تتعدد العلامات التي تكشف لنا عن المعاناة من الهوس بالمثالية والسعي إلى الكمال بجنون، حيث نلاحظ من بينها الرغبة إما في تحقيق كل شيء أو لا شيء، ما يظهر جليا عند وضع الأهداف المستحيلة، وعدم الشعور بالسعادة أو الرضا لمجرد التقصير في جزء تافه من أمر عظيم قد تحقق بالفعل.
كذلك تبدو المعاناة من هوس الكمال المقلق واضحة، عندما نجد المرء دائم الانتقاد لذاته ولغيره بصورة مزعجة، فبينما يشعر الشخص الناجح بالفخر مما تحقق بجهده ليشارك الآخرين نجاحاتهم أيضا، فإن الهوس بالمثالية يدفع صاحبه إلى ملاحظة العيوب والنقاط السلبية فقط، ليطلق الأحكام بقسوة إن تحقق الفشل.
يبدو الشخص الذي يستهدف الكمال أيضا مندفعا تجاه تحقيق الأهداف ليس سعيا إلى النجاح بالدرجة الطبيعية، بل نتيجة لمعاناته من الخوف، إما الخوف من الفشل أو الإحساس بخيبة الأمل، ليشعر داخليا بالهزيمة عند الوصول لنتيجة ليست هي الأفضل في العمل أو المنزل، حتى وإن كانت رائعة بشكل عام.
من الوارد أن يعاني الشخص المصاب بهوس الكمال من أزمة التأجيل والتسويف، فبالرغم من أن الرغبة في النجاح تتطلب القيام بالمهام المطلوبة في التو واللحظة ودون أي تأجيل، فإن هاجس الخوف من الفشل المرتبط بالشخصية الكمالية يدفعه أحيانا إلى التسويف، باعتباره خيارا أفضل من القيام بالمهمة المطلوبة بجودة أقل من المتوقعة.
لا يعد من المستغرب إذن أن نلاحظ كره المصابين بهوس الكمالية للحظات التعرض للنقد، فبينما تساعد كلمات النقد أحيانا على اكتشاف الأخطاء وإصلاحها، فإن الأمر يختلف لدى الشخص الساعي إلى الكمال، حيث يقابل كلمات النقد دوما بالدفاع عن موقفه بأي شكل، ما يكشف عن معاناته من قلة الثقة بالنفس.
كيفية مواجهة هوس المثالية
تتطلب المعاناة من الهوس بالمثالية والرغبة الجنونية في الوصول إلى الكمال، زيارة الأطباء النفسيين المتخصصين، من أجل معرفة جذور الأزمة، والتي تتنوع بين التنشئة بمنزل لا يرضى فيه الأبوان بالنتائج العادية، أو بسبب المعاناة من اضطراب الوسواس القهري، أو حتى جراء عدم الشعور بالأمان أو التقبل من الآخرين.
يعتبر علاج الإنسان لنفسه من تلك المشكلة واردا في بعض الحالات، حينها ينصح بمواجهة الرغبة الداخلية التي تطالب صاحبها إما بتحقيق كل شيء أو لا شيء، عبر التأكد من أن القيام بخطوات كبيرة أو حتى بسيطة هو أفضل من عدم التحرك من الأساس.
كذلك ينصح بمراقبة الحديث الداخلي الدائر، وتعديل بعض الكلمات والعبارات، مثلا بدلا من استخدام كلمة مثل لا بد أو يجب، فإن الأفضل هو الاستعانة بكلمات مثل يفضل أو غيرها من المعاني التي تحقق الهدف نفسه دون تحميل النفس بالضغوط.
في كل الأحوال، لا يمكن لوم الإنسان عند رغبته في تحقيق النجاح مدعوما بالوصول لأفضل النتائج الممكنة، إلا أن الهوس بالمثالية والرغبة في الوصول إلى النتائج الكاملة غير المنقوصة هو ما يستحق الانتباه قبل أن يدفع ذلك صاحبه لحافة المرض النفسي.