الرئيس الكوبي فيدل كاسترو
توفي الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو صباح يوم السبت الواقع في السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016 عن عمر ناهز التسعين عاماً، تاركاً خلفه إرثاً مهماً وشعباً أحبه وحزن عليه، ليتصدّر خبر وفاته وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، مات زعيم الثورة الكوبية.. فمن هو هذا الزعيم؟ وما أهم المحطات في حياته؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
عمل والد كاسترو في زراعة قصب السكر
ولد فيدل كاستر و في مدينة بيران بمقاطعة أورينت الكوبية في الثالث عشر من شهر آب/أغسطس عام 1926، والداه كوبيان من أصول إسبانية، والده أليخاندرو كاسترو كوبي عمل في زراعة قصب السكر، كانت والدة كاسترو واسمها لينا روز غونزاليس؛ الزوجة الثانية لأليخاندرو تزوجها بعد فشل زواجه الأول، وأنجب منها سبعة أطفال، منهم فيدل، توفيت في عام 1963، تعمد كاسترو في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في سانتياغو، ثم درس في مدرسة دولوريس اليسوعية، ثم تخرج منها في عام 1945.
تزوج فيدل كاسترو مرتين
- الأولى من ميرتا دياز بالارت، تزوجها في عام 1948، وذهب العروسان إلى نيويورك لقضاء شهر عسل امتد لثلاثة أشهر، وفي شهر أيلول/سبتمبر من عام 1949 أنجبت ميرتا الولد الأولى لفيدل كارسترو وأسموه فيدليتو. انتقل الزوجان إلى العاصمة هافانا، وبعد اعتقال كاسترو بعام واحد أي في شهر شباط/فبراير عام 1954، حصلت زوجة فيدل كاسترو على وظيفة في وزارة الداخلية، فكان ذلك سبباً في طلاق الزوجين حيث حصلت بالارت على حضانة ابنهما فيدليتو ما أثار غضب كاسترو، الذي رفض أن يعيش ابنه في بيئة بورجوازية.
- الثانية من داليا سوتو ديل فالي، تزوجها في الخمسينات من القرن الماضي، وأنجب منها خمسة أطفال هم: (أنطونيو، أليخاندرو، ألكسيس، ألكسندر، أليكس، أنخيل).
هرب كاسترو إلى الريف الكوبي ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية
بعد إنهاء دراسته الثانوية دخل فيدل كاسترو جامعة هافانا وتخصص بدراسة القانون، وبدأ يعبر عن آرائه السياسية حيث أعلن معاداته للولايات المتحدة الأمريكية؛ لأنها تتدخل بشؤون دول منطقة الكاريبي ومنها كوبا، كما انتقد كاسترو الفساد والعنف الذي تمارسه حكومة الرئيس رامون غراو، وألقى خطاباً حول هذا الموضوع في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1946، وفي عام 1947 انضم لحزب الشعب الكوبي، ورشح نفسه لرئاسة اتحاد الطلبة في الجامعة ولكن الحظ لم يحالفه بالفوز.
وفي شهر شباط/فبراير من عام 1948 قاد فيدل كاسترو الاحتجاجات الطلابية ضد حكومة الرئيس رامون غراو؛ احتجاجاً على قيام عناصر تابعة لهم بقتل طالب في الثانوية، مما أدى لحصول اشتباكات مع الشرطة، ومن هنا بدأ ميله اليساري، حيث أدان عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية في كوبا، بعد أن تركزت انتقاداته على الفساد والإمبريالية الأمريكية، وفي عام 1948 قاد الاحتجاجات ضد حكومة الرئيس رامون غراو التي كانت تحاول رفع أسعار الحافلات.
في تلك السنة نفسها، قرر الرئيس غراو ألا يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية والتي فاز فيها كارلوس بيرو مواجهاً احتجاجات واسعة، لاسيما عندما قتلت الشرطة الكوبية الاشتراكي خوستو فوينتيس، صديق كاسترو، في هذه المرحلة أصبح كاسترو يسارياً، تأثر بالماركسية حيث قرأ لكارل ماركس، فردريك أنغلز، فلاديمير لينين، وفسر فيدل كاسترو مشاكل كوبا باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المجتمع الرأسمالي، واعتمدت النظرة الماركسية على فكرة مفادها: "أن أي تغيير سياسي ذي مغزى لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق ثورة البروليتارية"، وفي عام 1949 انضم فيدل كاسترو إلى حركة الثلاثين من أيلول/سبتمبر لمواجهة عصابات العنف في الجامعة، وألقى خطاباً للحركة في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1949 فضح فيه صفقات سرية للحكومة مع العصابات، مما أغضب رجال العصابات، فهرب كاسترو إلى الريف الكوبي ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليعود إلى هافانا بعد عدة أسابيع، حيث تفرغ للدراسة فحصل على البكالوريوس في القانون وتخرج من الجامعة في عام 1950.
ألقت الشرطة القبض على كاسترو بتهمة العنف
عمل فيدل كاسترو في المحاماة منذ تخرجه في عام 1950، وركز على الدفاع عن الفقراء الكوبيين، لكنه أصيب بعجز مالي، وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1950 شارك كاسترو مع المدرسة الثانوية في سيينفويغوس، في احتجاج على حظر وزارة التربية والتعليم الاتحادات الطلابية، فألقت الشرطة القبض عليه بتهمة العنف لكن المحكمة برّأته، وفي عام 1952 أراد كاسترو الترشح للانتخابات البرلمانية المقررة في شهر حزيران/يونيو عام 1952، لكن وصول الجنرال باتيستا إلى السلطة في شهر آذار/مارس عام 1952 حال دون ذلك، حيث ألغى باتيستا الانتخابات النيابية، وقمع النقابات والجماعات الاشتراكية الكوبية، وفي السياسة الخارجية قطع العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ووطد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقرر فيدل كاسترو الوقوف ضد باتيستا.
فيدل كاسترو زعيماً للثورة الكوبية
شكل كاسترو مجموعة تسمى (الحركة) في شهر تموز/يوليو من عام 1952 عملت على تسليح وتدريب المجندين ضد حكومة الرئيس باتيستا، وعندما أصبح عدد أعضاء الحركة ألفاً ومئتي شخص، هاجم فيدل كاسترو ومجموعته (الحركة) ثكنة عسكرية خارج سانتياغو مرتدين الزي الرسمي للجيش في السادس والعشرين من شهر تموز/يوليو عام 1952، وكان الهدف منها تشجيع الجنود على الانتفاضة في وجه حكومة باتيستا، فاندلعت اشتباكات بين المهاجمين بزعامة كاسترو وعناصر الثكنة مما أدى إلى مقتل ستة وإصابة خمسة عشر من العناصر التابعة لكاسترو.
في المقابل قتل تسعة عشر وأصيب سبعة وعشرون من عناصر الثكنة، فاقتحمت جنود تابعون لحكومة باتيستا الثكنة وألقوا القبض على المتمردين فعذبوا وأعدموا اثنين وعشرين شخصاً من دون محكمة، واستقر كاسترو مع مجموعته في منطقة وعرة من جبال سييرا مايسترا لتكون قاعدة لحرب العصابات، ورداً على الهجوم، أعلنت الحكومة الأحكام العرفية، وشنت حملة قمع عنيفة ضد المعارضة، وفرضت الرقابة الصارمة على وسائل الإعلام، حيث ادعت الحكومة أن المتمردين كانوا شيوعيين قتلوا المرضى في المستشفيات، لكن انتشار الأخبار والصور عن تعذيب الجيش للمتمردين جعلت الناس يقفون ضد باتيستا.
وبعد أيام ألقت الشرطة القبض على فيدل كاسترو ونقلته إلى سجن في شمال سانتياغو، إذ حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً وذلك في السادس عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1952، وأطلق كاسترو على حركته اسم (حركة السادس والعشرين من تموز/يوليو)؛ نسبة لتاريخ الهجوم على الثكنة العسكرية،
وفي عام 1954، أجرت حكومة باتيستا الانتخابات الرئاسية، حيث فاز باتيستا، وهو ما دفع الشعب للاعتقاد بأن الانتخابات مزورة، فقامت الحكومة لتهدئة الشارع بالعفو عن المعتقلين ومن بينهم فيدل كاسترو في الخامس عشر من شهر أيار/مايو عام 1955.
عمت المظاهرات كوبا في عام 1955 فانتقل كاسترو إلى المكسيك وأرسل رسالة للشعب الكوبي مفادها: "تركتُ كوبا لأن جميع أبواب النضال السلمي قد أغلقت بالنسبة لي... وأعتقد أن الساعة قد حانت لأخذ حقوقنا بالقوة"، وفي المكسيك التقى فيدل كاسترو بأرنستو تشي غيفارا، وتعلم منه حرب العصابات، ثم عاد كاسترو إلى كوبا في عام 1956 وبدأ هذه الحرب ضد حكومة باتيستا في الثلاثين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته، واستمرت حتى عام 1958 حيث هرب باتيستا خارج كوبا، فأعلن كاسترو في الأول من شهر كانون الثاني/يناير عام 1959 انتهاء عهد باتيستا.
فيدل كاسترو رئيساً
أدى فيدل كاسترو اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في السادس عشر من شهر شباط/فبراير عام 1959، ثم زار الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نيسان/فبراير والتقى بمستشار الرئيس الأمريكي نيكسون. حضر فيدل مؤتمراً اقتصادياً في العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيرس اقترح خلالها أن تمول الولايات المتحدة الأمريكية؛ دول أمريكا اللاتينية بثلاثين مليار دولار للنهوض باقتصاداتها لكن واشنطن رفضت، وفي عام 1976 انتخبته الجمعية الوطنية رئيساً لكوبا.
سياسة كاسترو الداخلية
عمل فيدل كاسترو على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، من خلال:
- إقرار قانون الإصلاح الزراعي الأول في شهر أيار/مايو عام 1959، الذي وضع حداً أقصى لملكية الأراضي بـ (402 هكتار)، كما منع هذا القانون الأجانب من تملك الأراضي الزراعية في كوبا، كما منح كاسترو صكوك ملكية أراضي لمئتي ألف فلاح كوبي.
- ركز على التعليم، وبنى المدارس في أنحاء كوبا.
- أمّم الرعاية الصحية بحيث توسعت لتشمل المناطق الريفية.
- شق طرق جديدة بين المدن الكوبية.
- بناء المساكن.
- افتتاح مراكز للمسنين وأخرى لذوي الاحتياجات الخاصة.
- تأميم شركات النفط.
- أصدر الدستور الكوبي في عام 1975 الذي تبنى الاشتراكية كنظام اقتصادي.
سياسة كاسترو الخارجية
اتبع فيدل كاسترو سياسة خارجية فاعلة، ومن أبرز مواقفه:
- أعلن الرئيس فيدل كاسترو تأييده للاتحاد السوفيتي في عام 1960، حيث التقى كاسترو بالنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء أنستاس ميكويان واتفقا على أن تزود كوبا الاتحاد السوفيتي بالسكر والفواكه والألياف، والجلود، مقابل النفط الخام والأسمدة والمنتجات الصناعية، وقرض بقيمة 100 مليون $.
- توترت العلاقات الأمريكية الكوبية نتيجة توجه كاسترو الشيوعي، حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية للإطاحة بحكم كاسترو، وفي عام 1960 حظرت الولايات المتحدة الأمريكية تصدير السلع والخدمات إلى كوبا، وفرضت حصاراً على البلاد، وفي شهر كانون الثاني/يناير عام 1961 طالب الرئيس كاسترو السفارة الأمريكية بتخفيض أعداد موظفيها، فردت واشنطن بقطع العلاقات الدبلوماسية، وزيادة تمويل معارضي كاسترو في المنفى، حيث قام هؤلاء بمهاجمة السفن التجارية المتوجهة إلى كوبا، كذلك قصف المصانع والمحلات التجارية ومصانع السكر، فيما سمي بغزو خليج الخنازير في شهر نيسان/أبريل عام 1961، وفي عام 1962 وافق الرئيس الكوبي فيدل كاسترو على نشر صواريخ روسية مجهزة برؤوس نووية في أراضيه، فيما عرف بـ (أزمة الصواريخ الكوبية) التي هددت بحرب نووية بين الولايات المتحدة الأمريكية الرافضة لوجود هذه الصواريخ وبين الاتحاد السوفيتي المصر على بقائها، وحلت الأزمة في نفس العام، حيث اتفق الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية على سحب الاتحاد السوفيتي لصواريخه من كوبا مقابل إعلان الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن تغزو كوبا.
- أعلن قطع علاقاته مع إسرائيل في شهر أيلول/سبتمبر عام 1973، وشارك في قمة دول عدم الانحياز في الجزائر في العام ذاته.
- دعم سوريا ومصر في حرب تشرين التحريرية (حرب أكتوبر) في السادس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1973.
- دعم الحركات اليسارية في دول أمريكا اللاتينية كفنزويلا.
- وقف إلى جانب الأرجنتين في حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية حول جزر الفوكلاند في سبعينات القرن الماضي.
"لستُ في حالة بدنية تسمح لي بتولي مسؤولية الدولة"
خضع فيدل كاسترو لجراحة لوقف نزيف معوي في عام 2006، وفي الحادي والثلاثين من شهر تموز/يوليو عام 2006 قرر تفويض مهامه الرئاسية لشقيقه راؤول كاسترو، وفي شهر شباط/فبراير عام 2007 تحسنت صحة فيدل كاسترو.
كاسترو خارج السلطة
أعلن فيدل كاسترو في شهر شباط/فبراير عام 2008 نيته عدم الترشح للانتخابات الرئاسية، وقال: "لستُ في حالة بدنية تسمح لي بتولي مسؤولية الدولة"، فانتخبت الجمعية الوطنية الكوبية شقيقه راؤول كاسترو رئيساً للبلاد، الذي اقترح أن يستمر فيدل كاسترو كمستشار له في القضايا الهامة، فوافقت الجمعية الوطنية بالإجماع، وفي التاسع عشر من شهر نيسان/أبريل عام 2011 استقال كاسترو من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، واختير شقيقه راؤول كاسترو مكانه.
تكريم كاسترو
حصل الرئيس فيدل كاسترو على العديد من الجوائز
- جائزة لينين للسلام في عام 1961.
- وسام لينين وشهادة ودكتوراه فخرية من جامعة موسكو في عام 1963.
- وسام الإخلاص للشعب وحده، حصل عليه من رئيس غينيا سيكو توري في عام 1973.
- وسام الوحدة اليمينة في عام 2000.
- جائزة نوبل للسلام في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2014.
عودة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في شهر كانون الثاني/يناير عام 2015 عودة العلاقات مع كوبا، حيث رأى كاسترو في الخطوة الأمريكية خطوة إيجابية لتحقيق السلام في المنطقة.
تأملات فيدل
سلسلة مقالات نشرها فيدل كاسترو بمختلف لغات العالم؛ من خلال المواقع الإلكترونية التابعة للسفارات الكوبية.
وفاة كاسترو
أعلن التلفزيون الحكومي الكوبي في صباح السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016، وفاة الرئيس السابق فيدل كاسترو.
في الختام.. شكل الرئيس الكوبي السابق مثالاً حياً لشخص طامح للسلطة، خدم شعبه وحسّن أوضاعه الاقتصادية، وعندما مرض تنحى عن السلطة باختياره، وعلى الرغم من ذلك أصبح فيدل كاسترو رمزاً من رموز البلاد.