الذكورية.. مشكلة في الرياضة الألمانية
تشهد جميع أشكال العنف ضد النساء ارتفاعاً في ألمانيا، حيث تُقتل امرأة على يد شريكها الحالي أو السابق تقريباً كل يومين في البلاد.
"هيئة الأمم المتحدة للمرأة في ألمانيا"، هي واحدة من 13 لجنة وطنية تابعة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة حول العالم، وكل منها منظمة مستقلة غير ربحية وغير حكومية تلتزم بالمساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات. حملتهم الحالية "لونوا العالم باللون البرتقالي" أو بالإنجليزية (Orange The World) انطلقت بداية من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي وافق 25 نوفمبر/ تشرين الثاني وتستمر حتى 10 ديسمبر/ كانون الأول، وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان. والحملة مصممة من أجل زيادة الوعي حول العنف ضد النساء في ألمانيا وكذلك على مستوى العالم.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
"خلال هذه الأيام الستة عشر من النشاط، يمكننا تقديم الكثير من المعلومات. ويمكن للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي معرفة أماكن الحصول على الدعم وتذكيرهن بأنهن لسن المسؤولات عما حدث لهن"، حسبما قالت رئيسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في ألمانيا، السياسية والناشطة منذ فترة طويلة في مجال حقوق المرأة، إلكه فرنر، في حديثها مع DW وأضافت: "النقاش مفيد، وهو فرصة لتغيير الوعي حول هذا الموضوع."
وقد انضم المنتخب الوطني الألماني لكرة القدم للسيدات إلى الحملة، ونشر فيديو مؤثراً يظهر اللاعبات وهن يكشفن حقيقة بعض التصريحات عن طريق شطب كلمات معينة. وقالت قائدة الفريق غيوليا غفين: "الأرقام المتعلقة بالعنف ضد النساء والفتيات صادمة كل عام. لهذا السبب، من المهم بالنسبة لنا أن نرسل معا كفريق وطني للسيدات رسالة واضحة هذا العام وندعم حملة "لونوا العالم باللون البرتقالي".
تعتقد إلكه فرنر أن العمل مع النماذج القدوة له دور محوري وأن الحملة لها تأثير قوي، خاصة في سياق كرة القدم. إذ كشفت دراسة أجرتها كلية وارويك للأعمال (Warwick Business School) في المملكة المتحدة عام 2022 أن العنف المنزلي يرتفع بنسبة 50٪ تقريبًا بعد فوز فريق كرة القدم للرجال في إنجلترا بمباراة في بطولة كأس العالم، ناهيك عن الخسارة. حاليًا، لا توجد بيانات عن العنف المنزلي أثناء مباريات ألمانيا.
وتشعر فرنر بالتشجيع لأن الرياضة أدركت أهمية القضية، وأن اللجنة الأولمبية الألمانية (DOSB) والأندية الرياضية الأخرى تساعد في المضي قدما في النقاش. ففي الرياضة، هذا مهم بشكل خاص نظرًا للطبيعة الإشكالية لعلاقات التبعية التي توجد غالبًا في بيئات الأداء العالي. لكن في الواقع، العنف ضد المرأة هو قضية مجتمعية لا تقتصر على الطبقة أو الأصل أو الدين أو الفضاء المجتمعي، مثل الرياضة.
وقالت فرنر: "العنف ضد المرأة له جذور هيكلية ولتغيير ذلك تحتاج إلى تغيير الهياكل. وما عليك سوى القيام بذلك. أقول دائمًا، الأمر لا يتعلق بنقص المعرفة بل بنقص العمل".
الأداء جزء أساسي من الرياضة، لكن فهمه بطريقة متعددة الأبعاد قد يساعد في تغيير النظرة في بلد ما زال مدفوعاً بثقافة الأداء.
تسأل فرنر: "ما هو الأداء؟ هل هو الأعلى، الأسرع أو الأبعد؟ أم أنه القدرة على رعاية أسرة مكونة من ثلاثة أفراد؟" وتضيف: "لماذا يكسب الأشخاص الذين يصلحون الغسالات أكثر من الذين يعتنون بأطفالك في الحضانة؟ الأمر يتعلق بتغيير ثقافة العمل، ولكنه أيضاً يرتبط بالوعي بالدور الذي يلعبه الرجال في المنزل وفي الأسرة."
وتابعت فرنر: "الصورة التي يرسمها الأولاد والشباب عن الفتيات والنساء في المدرسة تمثل مشكلة تحتاج إلى معالجة. لا يمكننا انتظار التغيير عبر الأجيال". وأضافت: "الأمر يتعلق بإنقاذ الأرواح. نحن بحاجة إلى تغيير الهياكل المجتمعية".
هياكل السلطة الذكورية مشكلة قائمة
هياكل الرياضة بحاجة ماسة إلى الإصلاح. تقدم منظمة "SafeSport" أو "الرياضة الآمنة" غير الربحية دعماً مستقلاً للأشخاص المتضررين من العنف الجنسي والجسدي والنفسي في الرياضة، سواء في مجال رياضة الهواة أو الرياضة الاحترافية في ألمانيا. وهي المنظمة الوحيدة التي تركز بشكل خاص على العنف في الرياضات الشعبية في ألمانيا، وواحدة من منظمتين فقط تعملان في مجال الرياضة الاحترافية في البلاد. علاوة على ذلك، تواجه المنظمة التحديات التي تفرضها الهياكل، في السياق الرياضي، التي تجعل المساحات أقل أماناً للنساء.
مديرة منظمة SafeSport أو "الرياضة الآمنة" إينا لامبرت، قالت في حديثها مع DW:" لقد أصبحت الأدوار الجندرية أكثر مرونة في السنوات الأخيرة، لكن في الجمعيات والأندية، ما زالت المناصب الإدارية يشغلها الرجال، بغض النظر عن نوع الرياضة". وأضافت: "في الرياضة الاحترافية، يوجد عدد أقل بكثير من النساء المشاركات في التدريب، مما يجعل المجال يظل تحت سيطرة الرجال، وبالتالي تبقى هياكل السلطة ذكورية كذلك".
"لدينا أشخاص يبحثون عن المشورة، بما في ذلك الرجال، الذين يرون المشاكل ويريدون فرض التغيير، ونحن نقدم لهم الدعم حتى لا يكونوا وحدهم"، تقول لامبرت، وتضيف: "لكن سواء في جمعية كبيرة أو نادٍ صغير، يتم حماية الجناة بشكل متكرر، ويتم تجاهل الحوادث وبالتالي غالبًا ما يتم منع الأشخاص الذين يريدون فرض التغيير من القيام بذلك".
تقدم منظمة SportSafe أو"الرياضة الآمنة" دعماً نفسياً وقانونياً مجانياً، وقد بدأت عملها في يوليو/ تموز 2023 فقط، ومع ذلك يستمر عدد طلبات الدعم التي تتلقاها في النمو. وتُعد حالات العنف النفسي في الرياضة الألمانية الأكثر شيوعاً بين القضايا التي تواجهها المنظمة، لكن العنف الجنسي يمثل أيضًا مشكلة كبيرة، حيث تقع حوالي 60٪ من الحالات في SafeSport ضمن هذه الفئة.
وتابعت لامبرت حديثها: "أخيرًا، هناك اعتراف بالمشكلة وهناك جدية في التعامل معها". وأضافت: "هناك الكثير من الجهد الجيد في الاتجاه الصحيح، مع وجود العديد من المفاهيم الجيدة للوقاية والتدخل ومعالجة العنف، بالإضافة إلى زيادة التوعية، والتدريب الشامل، والتركيز على دورات الحيض لدى النساء".
دعم شامل في الطريق
تقود وزارة الداخلية الألمانية عملية تشمل مشاركين من الولايات الاتحادية والرياضة المنظمة والأطراف المتضررة والأوساط الأكاديمية لإنشاء مركز مركزي بحلول عام 2026 على أقصى تقدير. تشارك منظمة "الرياضة الآمنة" أيضًا في هذه العملية، مع أمل بأن يُرافق الدعم الذي تقدمه المنظمة قريبًا هياكل شاملة تسمح بالتحقيق في القضايا وحتى فرض العقوبات المحتملة.
الدعم من الشخصيات القيادية يحدث فرقًا كبيرًا، ولكن من الواضح أن هناك حاجة لمزيد من البيانات. كما يتضح أن معالجة القضايا الجذرية، مثل الأعراف الاجتماعية والقوالب النمطية الجندرية، أمر لا غنى عنه. وفي النهاية، حسبما قالت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما باهوس "لم يتمكن أي بلد حتى الآن من القضاء على العنف ضد النساء. والقضاء على هذه الظاهرة يتطلب إجراءات تحوّلية واستثمارًا أكبر، وابتكارًا، وإرادة سياسية راسخة."
تحرير: مارك ميدوز
أعده للعربية: صلاح شرارة