الدين.. هل يساعد في تحقيق التنمية في إفريقيا أم يعيقها؟
تعد الدول الإفريقية الأكثر تدينا في العالم، وفقا لاستطلاع حديث أجرته مؤسسة غالوب فيما يبدو أن الاستطلاع يدعم المقولة السائدة من أن أكثر البلدان تدينا تميل لأن تكون الأقل تطورا وتنمية. لكن عالم التنمية جاريث جيه وول يشير إلى أنه يجب تحديد ما المقصود بـ "التنمية" قبل أن نأخذ الأديان في عين الاعتبار.
ويثير وول تساؤلات حيال هل التنمية تعني "تنمية اقتصادية" أو بالأحرى "منظور لتنمية بشرية" كما يحددها الخبير الاقتصادي والفيلسوف الهندي أمارتيا سين بأنها "القدرة على العيش في حياة تقدرها."
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ويعكف وول حاليا على دراسة الكيفية التي يمكن بها قياس "التنمية" في رسالته لنيل درجة الدكتوراة.
وفي مقابلة مع DW، قال وول إن الطرح القائل بأن الدول الغربية "أقل تدينا من الدول الإفريقية في حاجة إلى التدقيق". ويضيف "الولايات المتحدة تعد دولة متدينة بشكل لا يصدق.
والمملكة المتحدة ليست دولة علمانية فالملكة ترأس البلاد وفي الوقت نفسه ترأس كنيسة إنجلترا. وتعد المملكة المتحدة واحدة من ثلاث دول فقط في العالم (إيران وبليز) التي تمتلك زعماء دينيون ففي هذه الحالة فإن الأساقفة يمثلون السلطة التشريعية".
نهج جديد لتحديد مفهوم التنمية
يحدد أمارتيا سين مفهوم التنمية باعتباره طرحا للحرية التي تحل محل الأفكار التي يطرحها إلى حد ما خبراء التنمية في الغرب. ويقول سين – الحائز على جائزة نوبل – في كتاباته إن "الوكالة الفردية (وهي قدرة الفرد على التصرف بشكل مستقل) تعد مركزية في معالجة ..الحرمان" وهو التعريف الغربي للقارة الإفريقية باعتبارها مكانا للعوز.
ويقترح سين في كتابه "التنمية حرية" بان "التنمية يمكن رؤيتها ...كعملية ترمي إلى توسيع الحريات الحقيقة التي يحصل عليها الناس. وأن التركيز على الحريات البشرية يتعارض مع الأفكار الضيقة حيال التنمية مثل تحديد التنمية بمدى نمو الناتج القومي الإجمالي أو بالصناعة أو بالتقدم التكنولوجي أو بالحداثة الاجتماعية".
وأصبح هذا الكتاب – الذي نُشر أول مرة عام 1999، عنصرا أساسيا بين خبراء التنمية الذين يسعون إلى تقديم أطروحات لمساعدة الدول النامية. وتبعد أفكار سين، الدين عن لعب أي دور في التنمية سواء أكان للأفضل أم للأسوأ. لكن في إفريقيا لا يزال الجدل والنقاش قائما حيال هل يلعب الدين دورا في أفاق التنمية في القارة السمراء بأي مقياس أو معيار.
ولإيجاد إجابة، تم طرح أسئلة على العديد من الأشخاص الأفارقة الذين يمثلون وجهات نظر مختلفة حيال العلاقة بين الأديان والتنمية.
الدين.. حل إلهي أم سبب كل المشاكل؟
تؤمن سينثيا باندا من ملاوي بالمعجزات ولديها إيمان وقناعة بأن الحل النهائي في كافة المشاكل الاجتماعية في يد الله. وتضيف "المعجزات يمكن أن تحدث الآن.. إذا كنت مسيحيا فإن هذا سيساعدك في تنمية البلد".
ويشارك باندا في هذا الرأي تشارلز واهارا وهو أيضا من ملاوي إذ يقول في هذا الصدد "من المهم في عصرنا الحديث أن نؤمن بالمعجزات ونذهب إلى الكنائس... الدين يلعب دورا أفضل فيما يتعلق بتنمية إفريقيا". لكن في نيجيريا، البعض يتبنى أفكارا تنتقد دور الدين في الشؤون العامة مثل أشافا شيرو الذي يعمل مهندسا.
ويقول "الديانات الرئيسيتان في نيجيريا هما الإسلام والمسيحية ولم يقدما أي خطب دينية تتعلق بالفساد بأي شكل من الأشكال. كان ينبغي على الدين أن يساعد من يمارسونه إذا احترمت تعاليمه. هناك الكثير من النفاق في قلوب الناس فيما يتعلق بالتمسك بالعقيدة الدينية."
ويشاركه في هذا الرأي كالو ديمبيلي وهو موظف حكومي من نيجيريا أيضا إذ يقول "لم يساعد الدين نيجيريا بأي حال من الأحوال، بالعكس فقد ساهم بشكل كبير في تقسيمنا". ويتماشى هذا الاختلاف في الآراء حيال الدين في الطرح الذي يقدمه أمارتيا سين حيث تستند نظريته حول التنمية على المدى الذي يسمح به للأفراد "في ممارسة التقاليد أم عدم ممارستها بحرية".
منظور "المقدس"
وفي هذا الصدد، يتعين على رجال الدين أن يشقوا طريقهم خلال العقول والثقافات المتباينة والمتعارضة. من جانبه، يدافع القس جود ثاديوس لانجه وهو الرئيس الإقليمي لمبشرين كلاريتيين في الكاميرون، عن دور الدين في التنمية على سبيل المثال في التعليم، مؤكدا "لا يمكن الحديث عن التطور الفكري دون الحديث عن الرهبان".
وفي مقابلة مع DW، قال "يمكن أن نتذكر الماضي عندما كانت المدارس العريقة والمفتوحة فقط هي التي يملكها المبشرون؟ هذا يظهر بالفعل أحد الأجزاء الهامة من التنمية." وأشار إلى أن الطوائف الدينية خلال الحقبة الاستعمارية كانت تساعد الناس عندما يتخلى عنهم المستوطنون الأوروبيون.
وفي ملاوي، يعتقد برايت مانغو أنه عندما يتعلق الأمر بالخدمات التي تقدمها المؤسسات الدينية، فإن العلاقة بين الدين والتنمية تعد أمرا معقدا. وفي هذا السياق، يضيف "نعم لعب النظام الديني دورا في إنشاء المستشفيات والمدارس وإنهاء العبودية. لكن يوجد العديد من الناس باتوا متدنيين بسبب حالتهم اليائسة. إنهم فقراء لذا فهم يذهبون إلى الكنيسة بحثا عن الأمل".
ويتماشى هذا الرأي مع ما يقدمه أمارتيا سين إذ يؤكد أن التعليم ليس فقط المفتاح الوحيد لتطوير رأس المال البشري لكنه أيضا هاما مقارنة بالأشياء الأخرى التي يتم من خلالها الحكم على مستوى تنمية المجتمعات، إذ أن التعليم يلعب دورا في تمكين الأفراد.
ويوضح سين هذا في كتابه "التنمية حرية" بقوله "إذا استطاعت المرأة أن تكون أكثر إنتاجية في صناعة السلع من خلال تعليم أفضل وصحة أفضل فليس بالأمر غير الطبيعي أن نتوقع أنها من خلال هذه الوسائل أن تحقق المزيد بشكل مباشر وأن تمتلك الحرية لتحقيق المزيد في إدارة شؤونها".
وفي الوقت نفسه، يعتقد بعض رجال الدين الإسلامي أن الدين بالفعل يعد حافزا رئيسيا في التنمية وأنه يجب تفنيد آراء الأشخاص الذين يحاولون تشويه صورة الدين. وفي ذلك، يقول بخاري عربي – باحث مسلم من نيجيريا –"الدين دائما نعمة...علينا دائما التفريق بين الدين واتباعه السيئين".
نأي الكنيسة عن فساد الدولة
وفي الواقع، يمثل الفساد والصراعات المزمنة تناقضا جليا مع تعاليم الديانتين الرئيسيتين في إفريقيا وهما الإسلام والمسيحية حيث أنهما يدعوان إلى التمسك بالأخلاق والآداب لمن يعملون في المناصب العامة. ويساهم هذا التناقض في إبعاد بعض الناس عن الدين فيما يذهب البعض إلى القول بأن الجشع والفساد قد دفعهم إلى اتهام الدين بكونه متورطا في منع البلدان الإفريقية من الاستفادة من إمكانياتها وثرواتها الطبيعية.
وفي ذلك، يقول ديفيد موسى – وهو تاجر من نيجيريا – يوجد فساد حتى في الدين. هذا جزء من الإحصائيات. لا أستطيع أن أحدد إذا كان الدين قد ساعد أم لم يساعد بسبب أنه جزء من النظام .. النظام الفاسد".
من جانبه، يعترف الباحث الإسلامي عرابي بمشكلة الفساد المستوطن في المجتمعات الإفريقية لكنه يوضح أن هذا لا يتماشى مع تعاليم الدين الإسلامي. وسلط الضوء على أن الصفقات التجارية غير الصادقة أو المناقصات الحكومية المشكوك فيها أو حتى جرائم غسيل الأموال يمكن "اعتبارها مشروعة في مجتمعاتنا الإفريقية، لكن الإسلام يعتبرها فسادا وأعمالا غير مقبولة".
ويؤكد هذا الرأي القس جود ثاديوس لانجه الذي يضرب مثالا لتوضيح كيف يمكن إساءة استخدام الدين للوصول إلى أهداف غير مشروعة وأنانية. وفي ذلك يقول "قد يمنح السارق تبرعات كبيرة للكنيسة، هذا هو الاستخدام الخاطئ للدين".
لكنه في نفس الوقت يؤكد على حقيقة مفادها أن لا يعني إلغاء شرعية من يمارسون الدين بشكل صحيح ويساهمون في جهود دفع مجتمعاتهم إلى الأمام. ويضيف "إن هذا لا يلغي حقيقة أن الدين يساهم في تحقيق التنمية. فعلى سبيل المثال، أريد القول بأن الدين ساعد في تحقيق التنمية".
من جانبه، يقر سين في كتابه "التنمية حرية" بأن "التباين الديني والطائفي يكون عرضة للاستغلال من قبل السياسيين الطائفيين وهو ما تم استغلاله عدة مرات من قبل". لكنه يؤكد أن المحك في هذا الأمر يكمن في ما تقوم به الأطياف الرئيسية في الدولة من إدانة مثل هذه الأفعال وفي نهاية المطاف توفير الضمان الديمقراطي الرئيسي ضد الاستغلال الفئوي الضيق للطائفية".
نماذج دينية جيدة في تعزيز التنمية
أما رجال الدين فبقدر ما يرفضون التغاضي عن الفساد يواجهون أيضا صعوبات لإثبات أنهم ليسوا جزءا من المشكلة ويرجع هذا الأمر بشكل جزئي إلى الفشل في فصل الكنيسة عن الدولة في العديد من الدول الإفريقية.
ويرى العديد من الأشخاص المتدينين أن الدين يلعب دورا كبيرا في الإبلاغ عن القرارات الحكومية سواء أكانت ديانات رسمية للدولة أم غير ذلك. وفي هذا الصدد، يسلط بعض رجال الدين على فكرة مفادها أنه يمكن الربط بين الكنيسة والدول بطريقة إيجابية، وهو ما يوضحه القس جود ثاديوس لانجه.
ويقول " المهاتما غاندي لم يكن فقط زعيما سياسيا وإنما كان زعيما دينيا جمع بين قضية الشعائر الدينية والتنمية .. وكان أسلوبه القائم على نبذ العنف في الواقع يستند على القيم الهندوسية والمسيحية". ويضيف "الأم تيريزا جعلت من صلاتها في شوارع مدينة كلكتا الهندية تحفيزا لتحقيق التنمية البشرية الكاملة. وكان جوليوس نيريري (رئيس تنزانيا الأسبق) رجل دين حقيقي. هل يمكن الحديث عن التنمية في تنزانيا دون ذكر جهود جوليوس نيريري".
أما العالم الإسلامي عرابي فيذهب في طرحه إلى أبعد من هذا إذ يقول إن كل شخص يمتلك القوة لأن يكون نموذجا يحتذى به في عقيدته "وذلك إذا طبق الفرد مبادئ دينه بشكل سليم وبالطريقة التي ينص عليها عقيدته، وفي هذه الحالة سينتهي الأمر لأن يكون الدين نعمة وليس نقمة". ويشير إلى أن "أنه يجب توجيه اللوم على هؤلاء القادة السيئين بسبب أفعالهم وليس الدين".
تطبيق ما تُوعظ به
وفيما تختلف الآراء بين الشعوب الأفارقة حيال تأثير الدين ودوره في التنمية في القارة السمراء، إلا أن خلاصة القول تكمن فقط في تفسير الدين وتطبيقه وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى عواقب بأي شكل من الأشكال، لكن ليس الدين كممارسة في حد ذاته.
ويسلط هذا الأمر على أنه عندما يكون تفسير الدين ضارا لمبادئ هذا الدين فإنه من المحتمل أن يكون أيضا ضارا للمجتمع. وفي هذا الصدد، فإن قضية قياس التنمية والتطوير عن طريق معيار المال، قد تحتاج إلى المراجعة. لذا يمكن القول بانه مفهوم الدين وما تعنيه مقاصد التنمية في الواقع يمكنهم الاستفادة من المحاولات البناءة من أجل إعادة تحديد دور وقيم الدين والتنمية في المجتمع في الوقت الحالي - خاصة في إفريقيا التي لا تزال تعصف بها اضطرابات وصراعات.
ميمي ميفو تاكامبو / م ع