الحمائية، الحماية التجارية (Protectionism)
This browser does not support the video element.
تعريف الحمائية أو الحماية التجارية
طرق تطبيق الحمائية على أرض الواقع
لطالما كان الاقتصاد مرتبطاً باحتياجات الإنسان للطعام والشراب والملبس والسكن وغير ذلك، وكل ذلك يحصل عليه من خلال إنتاج السلع والخدمات سواءً أنتجها هو أو غيره، فبعد إنتاج هذه السلع تُباع في السوق وهذا ما يشكل الاقتصاد.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
وعندما يكون مصدر السلع السوق المحلية يكون البلد مُنتِجاً، أما إذا كان مصدر السلع من الخارج فيكون البلد مُستوِرداً، أما إذا كان البلد لديه منتجات محلية وأخرى تشبهها مُستورَدة يبدأ التنافس بين هذه المنتجات.
لهذا السبب ابتدعت الدول الحماية التجارية (الحمائية)؛ بغية حماية منتجاتها المحلية من منافسة السلع الأخرى.. مفهوم الحمائية ومضمونها، أسبابها وأهدافها، سلبياتها وإيجابياتها نتعرف عليها في هذه المقالة.
تعريف الحمائية أو الحماية التجارية وأهدافها
الحمائية مثل الكثير من المصطلحات يحتاج لتوضيح وتعريف، لاسيما أنه تعبير شائع يُستخدم بكثرة لدى الاقتصاديين وقد لا يُدرك معناه غير المختصين، لهذا السبب ظهرت تعاريف عديدة لهذا المصطلح الذي تعود جذوره إلى الكلمة اللاتينية (Protegere) التي تعني الحماية، المأوى، الغطاء، الضمان، وفق ما جاء في القاموس السياسي الفرنسي، من بينها:
- موقع (Investopedia) يقول: "الحمائية هي إجراءات الحكومة وسياساتها التي تقيد التجارة الدولية، وغالباً ما يتم ذلك بقصد حماية الأعمال والوظائف والسلع التجارية المحلية من المنافسة الأجنبية، والأساليب النموذجية للحمائية هي التعريفات الجمركية والحصص على الواردات والإعانات أو التخفيضات الضريبية الممنوحة للشركات المحلية (وسنعرض تفاصيل هذه المفاهيم في سياق هذه المقالة)، الهدف الرئيسي للحمائية هو جعل الشركات أو الصناعات المحلية أكثر قدرة على المنافسة عن طريق زيادة السعر أو تقييد كمية الواردات التي تدخل إلى البلد".
- عرّف القاموس البريطاني الحمائية بأنها: "نظرية أو ممارسة أو نظام يقوم على تعزيز أو تطوير الصناعات المحلية من خلال حمايتها من المنافسة الأجنبية عن طريق الرسوم أو الحصص المفروضة على الواردات".
- عرّف موقع ماريم ويبستر مصطلح (Webster Merriam) الحمائية بأنها: "دعوة للحماية الاقتصادية الحكومية للمنتجين المحليين من خلال فرض قيود على المنافسين الأجانب".
- عرّف القاموس السياسي الفرنسي الحمائية بأنها: "سياسة وممارسات دولة ما عندما تتدخل في الاقتصاد بهدف الدفاع عن مصالحها ومصالح شركاتها التي تواجه المنافسة الأجنبية، والحفاظ على أو تطوير قوى الإنتاج الخاصة بها. الحمائية يمكن أن يحدد قطاعاً واحداً أو قطاعات معينة من الاقتصاد".
- عّرفت موسوعة لاروس الفرنسية الحماية بأنها: "نظام حماية اقتصاد البلاد ضد المنافسة الأجنبية من خلال تدابير الرسوم الجمركية وغير الجمركية (الحصص، المعايير، دعم الصادرات)".
أهداف الحمائية
تتبع الدول السياسات الحمائية لتحقيق الأهداف التالية:
- حماية التكنولوجيات وبراءات الاختراع والمعرفة التقنية والعلمية، ذلك من خلال منع نقلها إلى الخارج مما يؤدي إلى الحفاظ على تميز صناعة معينة في هذا البلد أو ذاك.
- منع المستثمرين الأجانب من السيطرة على السوق المحلية، وذلك من خلال حصر المستثمرين بالمواطنين؛ وذلك بغية الحفاظ على رؤوس الأموال وضمان عدم انتقال أسرار هذه الصناعة – إن صح التعبير – إلى دول أخرى.
طرق تطبيق الحمائية على أرض الواقع
توجد عدة أساليب لتطبيق الحمائية على أرض الواقع، وهذه الأساليب هي:
1. التعرفة الجمركية أو الرسوم على الواردات
تعرف باسم (التعرفة الجمركية)، حيث تفرض سياسة الدولة الحمائية هذه التعريفات على السلع المستوردة، هذا الأسلوب يستخدم في البلدان التي لديها الكثير من الواردات مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وتختلف معدلات التعريفات عادةً وفقاً لنوع البضائع المستوردة، يتسبب فرض التعريفات الجمركية بزيادة كلفة السلع والخدمات المُستوردة من الخارج على المُستورِدين؛ مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المُستَوردة في الأسواق المحلية.
الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تخفيض كمية السلع المستوردة لصالح المنتجين المحليين الذين يتشجعون بدورهم على إنتاج المزيد من السلع والخدمات لتلبية احتياجات السوق المحلية المُتزايدة.
فرض التعرفة الجمركية على الصادرات: التعرفة الجمركية قد تُفرَض أيضاً على الصادرات وذلك عند معاناة السوق المحلية من نقص في هذه السلع وبالتالي ارتفاع أسعار هذه السلع في السوق المحلية، نتيجة التصدير المُتزايد للخارج والذي غالباً يُعتبر مُربحاً أكثر من توجيه السلع للسوق المحلية.
ولفرض التعرفة على الصادرات؛ آثار مماثلة لفرض التعريفات الجمركية على الواردات (أي تزيد كلفة السلع المُصدَّرة على المُصدِّرين مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المُصدَّرة بالتالي انخفاض الطلب من الخارج على تلك السلع).
لذلك تضر التعريفات الجمركية للصادرات بالصناعات في حين التعريفات الجمركية على الواردات تفيد الصناعات المحلية وتشجعها، ومن الأمثلة على التعريفات الجمركية على الواردات قيام الأردن بفرض تعرفة جمركية على الواردات من الملابس مقدارها 20% وذلك في الثامن عشر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 2013.
المثال الأكثر شهرة هو تعرفة (سموت- هاولي) لعام 1930 في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تم تصميمها لحماية المزارعين من الواردات الزراعية من أوروبا التي كانت تكثف الزراعة بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى.
ولكن بحلول الوقت الذي قدم فيه مشروع القانون من خلال الكونغرس، كانت بلدان أخرى فرضت تعريفات على العديد من الواردات أيضاً. فكانت هذه الحرب التنافسية الناتجة إلى تقييد التجارة العالمية؛ أحد أسباب الكساد الكبير.
2. حصص الاستيراد
هذا الأسلوب الحمائي هو الحواجز غير الجمركية التي وضعت للحد من عدد المنتجات التي يمكن استيرادها على مدى فترة زمنية محددة، والغرض من الحصص هو الحد من توريد منتجات محددة؛ مما يرفع الأسعار عادة ويسمح للشركات المحلية بالاستفادة من الطلب غير الملبى.
وحظر استيراد المنتجات المعينة هو أشد أنواع الحصص، تلجأ الحكومات لهذا النوع من الحمائية عندما تكون السلع والخدمات المحلية لا تكفي السوق لذا يُسمح باستيراد الكمية اللازمة لسد حاجة السوق في هذا البلد أو ذاك.
وتتشابه الآثار الاقتصادية لحصة الاستيراد مع التعرفة الجمركية، إلا أن الأرباح الضريبية من هذه الأخيرة ستوزع بدلاً من ذلك على من يحصلون على تراخيص الاستيراد، وكثيراً ما يوصي الاقتصاديون بوضع مزادات للاستيراد، أو أن يتم استبدال حصص الاستيراد بتعريفة مكافئة (فرض ضريبة إضافية على الكميات التي تفيض عن حاجة السوق).
3. الحواجز الإدارية
تُتهم البلدان أحياناً باستخدام قواعدها الإدارية المختلفة (على سبيل المثال فيما يتعلق بسلامة الأغذية، المعايير البيئية، السلامة الكهربائية، وما إلى ذلك) كوسيلة لإيجاد الحواجز أمام الواردات، بمعنى تفرض الحكومات شروطاً ومعايير على السلع والخدمات المُستوْردة، وكلما زادت هذه المعايير والشروط كلما قلت كمية الاستيراد.
4. تشريعات مكافحة الإغراق
يُقصد بالإغراق هو قيام شركة ببيع سلعها في الأسواق الخارجية بأقل من أسعار السلع المشابهة في تلك الأسواق؛ بهدف إغراق تلك السواق بهذه السلع مما يؤدي إلى زيادة الاستيراد من تلك السلع بالتالي انخفاض الطلب على السلع المُشابهة.
الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تراجع الصناعة المحلية لتلك السلع، ويدعي مؤيدو قوانين مكافحة الإغراق أنهم يمنعون استيراد السلع الأجنبية الرخيصة التي من شأنها أن تلغي الشركات المحلية، غير أن قوانين مكافحة الإغراق تستخدم عادة في فرض التعرفات التجارية (التعرفات الجمركية) على المُصدِّرين الأجانب.
5. الدعم المباشر
تُعطى أحياناً الإعانات الحكومية (في شكل مدفوعات مقطوعة أو قروض رخيصة أو إعفاءات ضريبية) للشركات المحلية التي لا تستطيع المنافسة بشكل جيد ضد الواردات.
وتهدف هذه الإعانات إلى "حماية" الوظائف المحلية، ومساعدة الشركات المحلية على التكيف مع الأسواق العالمية، فعندما تدعم الحكومة الصناعات المحلية، هذا يسمح للمنتجين بخفض أسعار السلع والخدمات المحلية.
فيجعل المنتجات أرخص حتى عندما يتم شحنها إلى الخارج، وهذا يعني أن العمل على الدعم المباشر) أفضل من التعريفات الجمركية، وهذه الطريقة هي الأفضل بالنسبة للبلدان التي تعتمد أساساً على الصادرات.
ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يكون للإعانات تأثير معاكس، ومن الأمثلة الجيدة على ذلك - مرة أخرى في الصناعة الزراعية بالولايات المتحدة الأمريكية - حيث أتاح قانون التكيف الزراعي لعام 1933 للحكومة دفع المزارعين لعدم زراعة المحاصيل أو تربية الماشية.
على اعتبار أن ذلك يسمح لحقولهم بالراحة واستعادة المواد المغذية، لكن هذا القانون أدى لانخفاض الإنتاج من المحاصيل وبالتالي ارتفاع الأسعار.
6. دعم الصادرات
غالباً ما تستخدم الحكومات دعم الصادرات من أجل زيادتها، لكن لإعانات التصدير أثر معاكس للتعريفات الجمركية على الصادرات؛ لأن المصدرين يحصلون على المدفوعات (أموال تعادل نسبة مئوية أو نسبة من قيمة الصادرات).
وتزيد إعانات التصدير من حجم التبادل التجاري، وفي البلدان ذات أسعار الصرف العائمة (أي يُترك سعر الصرف لقوانين العرض والطلب فيما يعرف بتعويم العملة وله ميزاته وعيوبه)، لها آثار مماثلة لدعم الواردات.
7. مراقبة سعر الصرف
يمكن للحكومة أن تت��خل في سوق الصرف الأجنبي (في حالة التضخم) لتخفيض قيمة عملتها من خلال بيع عملتها في سوق الصرف الأجنبي، وسيؤدي ذلك إلى رفع تكلفة الواردات وخفض تكلفة الصادرات.
مما يؤدي إلى تحسن في ميزانها التجاري، بيد أن هذه السياسة لا تكون فعالة إلا على المدى القصير، حيث أنها ستؤدي إلى ارتفاع التضخم في البلد على المدى الطويل، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى رفع التكلفة الحقيقية للصادرات وتخفيض السعر النسبي للواردات.
هذا الأسلوب يمكن أن يؤدي إلى الانتقام وبدء حرب العملة، ومن الطرق التي يمكن للبلدان أن تخفض بها قيمة عملتها من خلال سعر صرف ثابت، مثل يوان الصين. وهناك طريقة أخرى تتمثل في خلق الكثير من الديون الوطنية التي لها نفس التأثير، مثل انخفاض الدولار الأمريكي.
كالعقوبات التي فرضتها تركيا على روسيا رداً على عقوبات اقتصادية مماثلة فرضتها موسكو على أنقرة بعد إسقاط تركيا طائرة سوخوي روسية على الحدود السورية التركية في عام 2015.
8. أنظمة البراءات الدولية
هناك حجة للنظر إلى أنظمة البراءات الوطنية باعتبارها عباءة للسياسات التجارية الحمائية على المستوى الوطني، وهناك شقان من هذه الحجة:
- أحدهما عندما تكون البراءات التي ينظمها بلد ما جزءاً من نظام ميزة نسبية قابلة للاستغلال في المفاوضات التجارية ضد دولة أخرى (براءة اختراع في مجال محدد يمكن مقايضتها كالسماح للدولة الأخرى باستخدامها شرط تخفيض السياسة الحمائية).
- والثانية حيث أن الانضمام إلى نظام عالمي للبراءات يمنح وضع "المواطنة الصالحة" على الرغم من "الحمائية".
ويوضح بيتر دراهوس Peter Drahos (أكاديمي وباحث أسترالي في مجال الملكية الفكرية وتنظيم الأعمال التجارية) في الكتاب الذي ألّفه مع جون بريثوايت (John Braithwaite) والذي حمل عنوان: (المعلومات الإقطاعية: من يملك اقتصاد المعرفة؟) (nformation Feudalism: Who Owns the Knowledge Economy?) أن:
"الدول أدركت أن نظم البراءات يمكن أن تستخدم لتخفيف الاستراتيجيات الحمائية، كما أن هناك مزايا تتعلق بالسمعة بالنسبة للدول التي ترى أنها تلتزم بنظم الملكية الفكرية، ويمكن للمرء أن يحضر مختلف تنقيحات اتفاقيتي باريس المتعلقة بحماية الملكية الصناعية وبرن المتعلقة بحماية المصنفات الأدبية والفنية في الحوار الأخلاقي العالمي حول الحاجة إلى حماية ثمار العمل التأليفي والعبقرية الابتكارية... مع العلم أن نظام الملكية الفكرية المحلي كان سلاحاً حمائياً فعالاً ".
9. الحملات السياسية
التي تدعو إلى الاستهلاك المحلي مثل حملة "شراء أمريكا" (أي تشجيع الأمريكيين على شراء المنتجات الأمريكية عوضاً عن شراء المنتجات المستوردة) في الولايات المتحدة، التي يمكن اعتبارها تعزيزاً خارجياً للحمائية).
10. الإنفاق الحكومي التفضيلي
مثل قانون الشراء الأمريكي، التشريع الاتحادي الذي دعا حكومة الولايات المتحدة إلى تفضيل المنتجات الأمريكية الصنع في مشترياتها.
ظهور الحمائية وتطورها عبر التاريخ الاقتصادي العالمي
ارتبطت الحمائية تاريخياً مع النظريات الاقتصادية مثل (النظرية التجارية أو الميركنتالية) (التي تركز على تحقيق التوازن التجاري الإيجابي -أي ميزانها التجاري رابح- كذلك تراكم الذهب، واستبدال الواردات).
وفي القرن الثامن عشر حذر الاقتصادي آدم سميث من الاهتمام الزائد بالصناعة وحمايتها (تطبيق الحمائية) على حساب المستهلكين (بمعنى دعم السلع الرديئة على سبيل المثال سيجعل المستهلك يحصل على هذه السلعة على الرغم من أنها لا تملك الجودة وذلك لعجزه عن شراء سلعة بمواصفات جيدة ولكنها مُستَوردة).
ويقول المؤرخ الاقتصادي بول بايروش أن: "التجارة الحرة هي تاريخياً كانت الاستثناء والحماية كانت القاعدة".
أسباب اللجوء للحمائية
وفقاً للمؤرخين الاقتصاديين دوغلاس إيروين وكيفن أورورك هناك أسباب عديدة للحمائية، منها:
- الأزمات المالية الطويلة كالأزمة المالية في أوائل عقد 1890، وأزمة الثلاثينات من القرن الماضي، حيث يصبح التركيز على تحفيز الاقتصاد من خلال تشجيع الإنتاج وضمان تسويقه وحمايته من منافسة السلع الأجنبية.
- الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ففي العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، أدى الارتفاع السريع في اليابان إلى الاحتكاك التجاري مع البلدان الأخرى، ورافق انتعاش اليابان زيادة حادة في صادراتها من بعض فئات المنتجات: المنسوجات القطنية في عقد الخمسينات، الصلب في عقد الستينات، السيارات في عقد السبعينات، الإلكترونيات في 1980s وفي كل حالة أدى التوسع السريع في صادرات اليابان إلى خلق صعوبات لشركائها التجاريين واستخدام الحمائية من قبل الدول المتضررة من اليابان باعتبارها امتصاص الصدمات.
- التحولات المفاجئة في الميزة النسبية لبلدان معينة (يُقصد بالميزة النسبية أي قدرة بلد على إنتاج سلعة بأعلى جودة وبأقل كلفة) قد دفعت البلدان إلى أن تصبح حمائية، فعلى سبيل المثال "أدى التحول في الميزة النسبية المرتبطة بفتح حدود العالم الجديد وما تلاه من" غزو الحبوب" في أوروبا، إلى ارتفاع التعريفات الزراعية من أواخر عام 1870 فصاعداً".
- مع ظهور الشركات متعددة الجنسيات في القرن التاسع عشر (وسنتحدث بالتفصيل عن الشركات المتعددة الجنسيات في مقالة منفصلة)؛ أصبحت الحمائية أقل تطبيقاً، وعندما تقوم دول يساهم رعاياها في شركات متعددة الجنسيات بفرض حمائية تصبح هذه الشركات مضطرة للاختيار بين الأسواق التي تنتمي إليها هذه الدول التي تفرض الحمائية لأنها تصبح غير قادرة على العمل في كل الأسواق نتيجة الحمائية.
الولايات المتحدة الأمريكية
وفقاً للخبير الاقتصادي الأمريكي بول بايروش، كانت الولايات المتحدة الأمريكية "وطناً ومعقلاً للحمائية الاقتصادية بشكلها الحديث" منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
حيث تم اعتماد سياسة حمائية جداً بمجرد تولي جورج واشنطن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتولي الكسندر هاميلتون وزارة الخزانة (وزارة المالية) من عام 1789 إلى عام 1795، ومؤلف النص "تقرير عن المصنوعات، 1792" الذي دعا إلى الحواجز الجمركية للسماح للتنمية الصناعية الأمريكية.
هذا النص كان واحداً من مراجع الخبير الاقتصادي الألماني فريدريك ليست (1789- 1846)، وظلت هذه السياسة طوال القرن التاسع عشر، حيث كان المستوى العام للتعريفات مرتفعاً جداً (ما يقارب 50% في عام 1830).
وبعد انتصار الدول الشمالية الحمائية ضد دول التجارة الحرة في الجنوب مع نهاية الحرب الأهلية الأمريكية التي امتدت بين عامي 1861 و 1865 استمر هذا الاتجاه، حتى عندما طبقت أوروبا سياسة التجارة الحرة؛ إلغاء الحواجز الجمركية أي حرية انسياب السلع والخدمات بين الدول) في أوروبا بين عامي 1860 و 1880.
نماذج من أوروبا
أصبحت أوروبا أكثر حمائية خلال القرن الثامن عشر، حيث كانت "السياسات التجارية الأوروبية حمائية عموماً" بعد الحروب النابليونية مباشرة، باستثناء الدول الصغيرة مثل هولندا والدنمارك، وحررت أوروبا بشكل متزايد تجارتها خلال القرن التاسع عشر، في المقابل لم تحرر بعض القوى الأوروبية خلال القرن التاسع عشر، حيث ظلت الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية النمساوية المجرية شديدة الحمائية، وأصبحت الإمبراطورية العثمانية أكثر حمائية.
مزايا الحمائية وسلبياتها
مزايا الحمائية وإيجابياتها
- إذا حاول بلد ما أن ينمو بقوة في صناعة جديدة، فإن التعريفات ستحميه من المنافسين الأجانب، وهذا يعطي الوقت للشركات الجديدة في الصناعة لتطوير مزاياها التنافسية الخاصة.
- تؤدي الحمائية إلى خلق فرص عمل للعمال المنزليين (عمال النظافة والخدم في البيوت)، وتسمح حماية التعريفات الجمركية أو الحصص أو الإعانات للشركات المحلية بالتوظيف محلياً.
وتنتهي هذه المزايا عندما تنتقم البلدان الأخرى من خلال إقامة حمايتها الخاصة بها.
سلبيات الحمائية
- على المدى الطويل، تُضعف الحمائية التجارية الصناعة لغياب المنافسة، وتصبح الشركات في هذه الصناعة عديمة الحاجة إلى الابتكار، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض جودة المنتج المحلي، مقابل ارتفاع تكلفته مقارنةً بالمنتجات الأجنبية.
- تعزى الاستعانة بمصادر خارجية في الوظائف إلى انخفاض القدرة التنافسية للدول، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انخفضت المنافسة من عقود من الولايات الأمريكية التي لا تستثمر في التعليم، وينطبق هذا بشكل خاص على التكنولوجيا الفائقة والهندسة والعلوم، كما تؤدي زيادة التجارة إلى فتح أسواق جديدة للشركات لكي تبيع منتجاتها.
- زيادة الحمائية قد تؤدي إلى بطء النمو الاقتصادي، وهذا يسبب المزيد من تسريح العمال، فعلى سبيل المثال: إذا أغلقت الولايات المتحدة الأمريكية حدودها، فستفعل بلدان أخرى نفس الشيء، وقد يتسبب ذلك في تسريح العمال الأجانب من العمل.
- تشويه التقسيم الدولي للعمل، وتشجيع جماعات المصالح على حساب الصالح العام (كتوظيف أشخاص في وظائف غير مؤهلين لشغلها).
- الحمائية تسبب فقدان مستويات المعيشة، نتيجة اضطرار المستهلكين للحصول على سلع رديئة محلية مما يؤدي إلى استنزاف دخولهم ومدخراتهم.
تعقيب من الكاتب
قال لي دكتور متخصص في الاقتصاد في الجامعة عندما كنا في أحد المحاضرات:
"إن على الدول ترشيد الحمائية، بمعنى أن تقوم الحكومات بتشجيع الصناعات بنسب متفاوتة بحسب جودة المنتج المحلي، أي كلما كان المنتج جيداً كان الدعم أكبر، إضافةً إلى أن هذا الدعم يجب أن يتناقص بمرور الزمن، أي يجب أن يكون الدعم كبيراً عندما تكون الصناعة في بدايتها حتى يُفسح لها مجال للمنافسة في السوق، ومن ثم يتناقص هذا الدعم كي تحافظ الصناعة على جودتها وصولاً إلى إلغاء الدعم وذلك عندما تكون هذه الصناعة قد تمكنت من إنتاج سلع عالية الجودة منخفضة التكلفة قادرة على منافسة السلع الأجنبية، كما هي قادرة على الوصول للأسواق الخارجية".
في الختام.. تُعد الحرية التجارية الوجه الآخر المناقض للحمائية، فعلى الرغم من المزايا الكبيرة التي تحملها الحمائية للصناعة الوطنية في حمايتها والحفاظ عليها، إلا أن هذه السياسة الاقتصادية قد تدفع الصناعيين من حيث تدري الحكومات أو لا تدري؛ للاكتفاء بالمستوى الذي وصلوا له من الجودة وعدم السعي للتطوير والابتكار.
على اعتبار أن هذه الزيادة ستؤدي لزيادة الكلفة وبالتالي تقليل الأرباح، وهم قد يعتبرون أنفسهم غير مضطرين لذلك على اعتبار أن المستهلك ليس لديه خيار سوى بضاعتهم لشرائها، وهذا يؤدي إلى ضعف الصناعة المحلية بمرور الزمن.
إضافةً إلى أن الحمائية قد تدفع الدول الأخرى لانتهاج السياسة ذاتها وبالتالي يقل التبادل التجاري بين الدول، باختصار:
يجب عند اعتماد الحمائية توخي الحذر من السلبيات التي قد تطرأ نتيجة استخدامها، وأن تكون الحمائية سياسة قصيرة الأجل تدفع الصناعات الناشئة للنهوض وليست طويلة الأجل تدفع الصناعات المحلية للكسل والخمول.