الحقيبة النووية.. هل يمكن للعالم أن ينتهي بضغطة زر؟
يشهد العالم منذ مدة ليست بالقليلة العديد من التوترات السياسية، التي تنذر بقيام حرب عالمية ثالثة قد يفنى الكوكب بشكله الذي نعرفه بعدها، الحقيقة الوحيدة الثابتة هي أن الحرب القادمة ستشهد اقتحام الأسلحة النووية بشكل أكثر تطرفا، وليس على غرار ما حدث في الأربعينيات حين دكّت الولايات المتحدة الأمريكية «هيروشيما وناجازاكي» اليابانيتين، تكبدت الإنسانية على إثرها خسارة 120 ألف إنسان على أقل تقدير بشكل مباشر، ورقم مضاعف من الوفيات جرّاء توابع ذلك الانفجار النووي.
تمتلك حاليًا عدة بلدان حول العالم أسلحة نووية جاهزة للاستخدام، منها من أقر بذلك، ومنها من لم يعلن صراحةً، فمثلا، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، روسيا وفرنسا لا تجد حرجًا في الإعلان عن امتلاكهم وتطويرهم لأسلحة الدمار الشامل، وهي الدول التي وقعت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بينما توجد بلدان تعترف بامتلاكها لذات الأسلحة لكن دون أي نية في التوقُّف عن تطويرها مثل باكستان، كوريا الشمالية والهند، بينما لم يعترف الكيان الصهيوني بامتلاكه سلاحا نوويا حتى ومع وجود تأكيدات بأن ذلك الافتراض صحيحا. في حين تنازلت دول مثل أوكرانيا وجنوب إفريقيا وروسيا البيضاء وكازخستان عن ترسانتها النووية بصدر رحب.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف تبدأ الحرب النووية؟ لأنه إن كان لا بد وأن يفنى العالم، فعلى الأقل يتوجب علينا معرفة كيف سيحدث ذلك؟
كرة القدم
في العام 1962 شهدت الساحة العالمية توترا متصاعدا ما بين الجانبين الأمريكي والسوفييتي على إثر محاولات الولايات المتحدة غزو كوبا ‑المدعومة من السوفييت- بغية إسقاط نظامها. في حادثة عرفت بأزمة الصواريخ الكوبية والتي كادت لتنتهي إلى حرب نووية.
وصلت الأزمة إلى ذروتها في أكتوبر 1962، حين أظهرت صور وصلت للولايات المتحدة عن طريق طائرة التجسس الاستطلاعية «لوكهيد يو 2» تفيد بوجود قواعد سوفييتية نووية تحت الإنشاء بكوبا.
بعد محادثات بين رئيس أمريكا ‑وقتها- «جون كينيدي» ومعاونيه، تم الاستقرار على عدم مهاجمة كوبا بحرا أو جوًا، لكن عوضا عن ذلك تم فرض حظر عسكري عليها. وأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفييت بتفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء في كوبا وإزالة جميع الأسلحة الهجومية. ولم تكن إدارة كينيدي تتوقع أن يستجيب الكرملين لمطالبهم، وتوقعت حدوث مواجهة عسكرية بين الدولتين.
بنهاية المطاف انتهت الأزمة مع تعهد من جانب الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا وتعهد مماثل من الطرف الروسي بتفكيك كل القواعد النووية المملوكة لها.
«حظر الملاحة في المياه الدولية أو المجال الجوي يشكل عملاً من أعمال العدوان تدفع البشرية إلى هاوية حرب صواريخ نووية عالمية».
-رسالة نيكيتا خريتشوف، الزعيم الروسي لجون كينيدي.
لم يحمل ذلك التهديد الصريح وقعًا بسيطا على إدارة كينيدي، الذي أراد أن يصل إلى حل قاطع يمكنه من الوصول لآلية سريعة لإيصال قراره ببدء حرب نووية إذا اضطر لذلك، مع تمام الثقة بأن النظام المتبع أثناء عملية توصيل قراره تلك لا يتم اختراقها بأي طريقة كانت.
بحلول مايو من العام 1963، كان مسؤولو الولايات المتحدة العسكريين قد توصلّوا لحل مثالي، عبر اختراع حقيبة نووية تزن حوالي 35 باوندًا، تظل ملازمة للرئيس الأمريكي بأي مكان، والتي تم تصويرها فوتوغرافيا لأول مرة أثناء رحلته إلى ولاية «ماساشوستس»، وبما أن خطة الحرب النووية كانت تسمى في ذلك الوقت «ركلة» إذًا فالحقيبة النووية لا بد وأن تسمى «كرة القدم».
ماذا بعد؟
حقيقة لا يتم استخدام هذه الحقيبة إلا عندما يكون الرئيس الأمريكي خارج البيت الأبيض، أما إذا كان داخله فيتم اتخاذ القرار داخل غرفة العمليات. لكن ماذا يحدث إذا اضطر الرئيس لاستخدامها.
أوضح «بيل جيلي» مدير العمليات العسكرية الأسبق بالبيت الأبيض، في كتابه «Breaking Cover» الذي تم نشره بالعام 1980 ما يحدث حين يقرر الرئيس فتح الحقيبة النووية أو كرة القدم.
تحتوي الحقيبة على 4 مكونات وهي: «الكتاب الأسود» وهو قائمة للمواقع التي يمكن استهدافها بواسطة الصواريخ النووية الأمريكية كحل انتقامي، كتاب آخر يوضح المواقع السرية للصواريخ الأمريكية نفسها، «ملف مانيلا» الذي يتضمن من 8 لـ10 صفحات تشرح للرئيس استخدام نظام التواصل بالحالات الطارئة، وأخيرًا الكود الذهبي، وهو عبارة عن بطاقة التعريف الخاصة بالرئيس والتي يحملها منفصلة بعيدا عن الحقيبة، والتي لن يتمكن الرئيس من فعل أي شيء بخصوص الحقيبة من دونها.
لأنه لا يوجد أي زر
عكس الشائع لا تتضمن الحقيبة النووية أي زر يتيح للرئيس إطلاق رؤوس نووية، لكنه فقط يمكنه التواصل من خلالها مع المسؤولين العسكريين ودراسة الحلول المتاحة في أسرع وقت فقط.
على العموم، إذا ما حدث وقرر أحد الرؤساء الأمريكيين أو غيره- ممن يمتلكون حقيبة مشابهة- أن يتخذ قرارا ببدء حرب نووية، يتم التأكد من ذلك القرار داخل «البنتاجون» ‑وزارة الدفاع-، ثم يتم تمرير القرار إذا تمت الموافقة عليه عبر سلسلة من المحطات بموجب ما يعرف بـ«Two Man Rule» أي أن كل خطوة خلال السلسلة يتم التأكيد عليها من شخصين، لتجنب تحميل مسؤولية الخطأ ‑إن حدث- لشخص واحد فقط.
في النهاية وإذا كنت تريد معرفة كم ستستغرق هذه العملية قبل أن ينتهي العالم، فغالبًا سيبدأ القصف وفقًا للتقديرات بعد حوالي الـ30 دقيقة، وهي مدة كافية جدًا للصلاة والدعاء بحسن الخاتمة، لأن الحرب النووية المتوقع أن تنشب قادرة على تدمير الكوكب نفسه أكثر من مرة حسب تقديرات البعض.