الحجاج بن يوسف الثقفي
الحجاج يقتل عبد الله بن الزبير
عبد الملك يولّي الحجاج على العراق
عرف بصلابته وتسلّطه، لكنه مكّن أركان الخلافة الأموية في فترتي عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، قيل أنه حمل راية الإسلام وحارب لإعلاء كلمة الله، لكنه كان أول من قتل أربعة من صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومثّل بجثة آخرهم عبد الله بن الزبير؛ لذلك أثارت شخصية القائد الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي جدل المؤرخين وعلماء الدين، فمن هو الحجاج؟ وما الذي يقف خلف تاريخ ذلك القائد الذي تمكن من الفوز بثقة أهم خلفاء بن أمية؟ وما أبرز النقاط المظلمة في تاريخه؟
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نسب الحجاج وعمله في شبابه
ولد الحجاج عام 661 ميلادي بمدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، تعود جذوره إلى أسرة فقيرة، حيث كان أسلافه يعملون في البناء.
والده يوسف بن الحكم بن أبي عقيل، أما والدته، فهي الفارعة بنت همام. أطلق على الحجاج لقب كليب في صباه، لكنه استبدله فيما بعد باسم الحجاج، في المراحل الأولى من شبابه، عمل الحجاج مدرساً يعلم الصبية مبادئ الإسلام وآيات القرآن الكريم، وفي عام 682 ميلادي.
شهد أحداث الفتنة الثانية (الاضطرابات السياسة والعسكرية في الدولة الأموية، التي بدأت بموت معاوية بن أبي سفيان وتولي ولده يزيد خلافة المسلمين سنة 680، حتى مقتل عبد الله بن الزبير سنة 72 هـ عام 692)، إذ شارك فيها، لا سيما في المعارك التي وقعت في حارة قرب المدينة المنورة، حيث لم يكن له أي منصب حينها.
ويعود نسب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى قبيلة ثقيف وهي إحدى القبائل العربية؛ تنتسب إلى ثقيف وهو قسى بن منبه بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهذه القبيلة آخر قبيلة عربية دخلت الإسلام في العام التاسع للهجرة الموافق لعام 631 للميلاد على زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك وفق ما ورد في كتاب (الكامل في التاريخ) للكاتب ابن الأثير.
الحجاج وبداية طموحه السياسي في دمشق
انتقل الحجاج بن يوسف الثقفي إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية في عام 685 ميلادي (نفس الفترة التي تولى فيها عبد الملك بن مروان خلافة الدولة الأموية)، وهناك عمل الحجاج في شرطة العاصمة، وكان لذكائه وصلابته وقدرته على ضبط قوات الشرطة دوراً في إعجاب عبد الملك به، ومن ثم اختاره لقيادة الجناح الخلفي من الجيش الأموي المتجه إلى العراق للقضاء على تمرد مصعب بن الزبير ضد الخليفة، فأبدى الحجاج نجاحاً عسكرياً، إذ انتهت المعركة بالانتصار على جيش مصعب وقتله.
الحجاج يقتل عبد الله بن الزبير وينهي تمرده
أعلن عبد الله بن الزبير (أصغر صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الرافضين لتولي يزيد بن معاوية الخلافة بعد موت أبيه) نفسه خليفةً على المسلمين سنة ٦٨٣ ميلادي بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودانت له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، لم يبق حينها سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، الذي نجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركاً لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق.
لم يكن في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز، فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماماً، بعدما رأى قدرة الحجاج على القيادة في حربه ضد مصعب بن زبير، وفي أواخر 691 ميلادي أرسل الحجاج على رأس جيش يتكون من 2000 جندي، استولى على الطائف، ثم تلقى تعزيزاتٍ من الخليفة الأموي واتجه نحو مكة -مكان عبدلله بن الزبير- وحاصرها، وعن ذلك يقول ابن كثير: "استهلت وأهل الشام محاصرون أهل مكة.
قد نصب الحجاج المنجنيق على مكة ليحصر أهلها، حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة لعبد الملك. وكان مع الحجاج خلق قد قدموا عليه من أرض الحبشة، فجعلوا يرمون بالمنجنيق فقتلوا خلقاً كثيراً، وكان معه خمسة مجانيق، فألحّ عليها بالرمي من كل مكان وحبس عنهم الميرة، فجاعوا، وكانوا يشربون من ماء زمزم".
وهناك اختلاف حول إذا ما رمى الحجاج بالمنجنيق أم لا، وبشكل كبير لأن للكعبة مكانة، فلم يكن له أن يرميها بالمنجنيقات، وبعد حصارٍ دام سبعة أشهر، تداعى جيش الزبير وانشق عنه أكثر أتباعه، ومنهم ولداه، وبعدها قتل عبد الله بن الزبير في عام 691 وكمكافأة، ولى عبد الملك الحجاج على الحجاز واليمن واليمامة. بصفته حاكماً قاد الحجاج الحج شخصياً في (693 و 694 م)، وأعاد الكعبة إلى الشكل والأبعاد التي كانت لها في الأصل رافضاً التعديلات التي قام بها ابن الزبير.
الحجاج يضرب الكعبة المشرفة
وفق ما ورد في كتاب (الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية) للكاتب منصور عبد الحكيم؛ بعد أن نجح الحجاج بن يوسف الثقفي بجمع جيش كبير من المسلمين ولاه الخليفة عبد الملك بن مروان قيادة الجيش الذي توجه إلى مكة المكرمة للقضاء على عبد الله بن الزبير بن العوام، فقام الحجاج بحصار مكة ومنع دخول الطعام والشراب إلى الأهالي مما أدى إلى نزوح عدد كبير من الأهالي إلى خارج مكة والانضمام لجيش الحجاج.
وعندما شعر عبد الله بن الزبير بن العوام بقرب هزيمته التجأ إلى الكعبة المشرفة فقام الحجاج بن يوسف الثقفي بضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق (آلة تشبه المدفع لكنها تختلف عنه بأنها تستخدم الحجارة في الضرب وليس القذائف)، مما أدى إلى وفاة عدد كبير من المسلمين الذين كانوا يطوفون حول الكعبة في موسم الحج، فكتب عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى الحجاج يقول له:
"اتق الله فإنك في شهر حرام وبلد حرام، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيراً".
فقام الحجاج بإيقاف ضرب الكعبة بالمنجنيق حتى ينتهي الحجاج من الطواف، وبعد ذلك استأنف ابن الثقفي ضرب الكعبة بالمنجنيق مما أدى إلى نزول الصواعق والرعود على جيشه، حيث احترق منجنيق من الخمسة التي كانت تضرب الكعبة، فضعفت همّة الجنود فقال لهم الحجاج:
"ويحَكم ألم تعلموا أن النار كانت تنزل على من قبلنا فتأكل قربانهم إذا كان مقبولاً، فلولا أن عملكم مقبولاً ما نزلت النار وأكلته"، فاستأنف الجند ضرب الكعبة، قام عبد الله بن الزبير بن العوام بمحاربة الحجاج مما أدى إلى وفاته وانتصار الحجاج عليه وذلك في عام 73 للهجرة الموافق لعام 693 للميلاد، وصلب الحجاج جثة عبد الله بن الزبير بن العوام في مدينة مكة المكرمة.
ماذا قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للحجاج بن يوسف الثقفي؟
قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق ووالدة عبد الله بن الزبير الملقبة بذات النطاقين (النطاق الأول كانت تقدم به الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولوالدها أبي بكر الصديق والثاني تضعه المرأة على خصرها)؛ للحجاج بن يوسف الثقفي عندما جاءها معزياً بوفاة ابنها عبد الله بن الزبير بن العوام: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من ثقيف رجلان، مبير وكذاب، فأما الكذاب فابن أبي عبيد، وأما المبير (مبير: أ من يمثل بالجثث) فهو أنت"، فخرج الحجاج من عندها ولم يعد، وفق ما ورد في كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير.
ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي على مكة المكرمة
بعد نجاح الحجاج بن يوسف الثقفي في القضاء على عبد الله بن الزبير بن العوام في مكة المكرمة، عيّنه الخليفة عبد الملك بن مروان والياً على مكة في عام 73 للهجرة الموافق لعام 693 للميلاد، وفي العام التالي، عزل الخليفة عبد الملك بن مروان والي المدينة المنورة طارق بن عمر لأنه امتدح عبد الله بن الزبير بن العوام، وضم المدينة المنورة إلى ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي، حيث بنى مسجداً في بني سلمة في المدينة المنورة في عام 74 للهجرة الموافق لعام 694 للميلاد.
لكنه في الوقت ذاته سمح بحمل السلاح في مكة المكرمة، وهو أمر لم يكن مسموح به قبل تولي الحجاج بن يوسف الثقفي مكة المكرمة، حيث أُصيب عبد الله بن عمر بن الخطاب برمح في قدمه عندما كان في منى أثناء تأدية مناسك الحج، فذهب الحجاج بن يوسف الثقفي لزيارته، وقال لعبد الله بن عمر بن الخطاب: "من أصابك؟"، فقال له عبد الله بن عمر بن الخطاب: "أنت أصبتني"، فقال الحجاج: "كيف"، فرد عبد الله بن عمر بن الخطاب: "حملت السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم"، وذلك وفق ما ورد في كتاب (الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية) للكاتب منصور عبد الحكيم.
عبد الملك يولّي الحجاج على العراق
في أوائل عام 694 ميلادي، أُرسل الحجاج من قبل الخليفة عبد الملك إلى العراق ليحكمها إذ كان يريد أن يوحد الكوفة والبصرة تحت حكمٍ واحدٍ، وهو ما لم يحدث منذ أيام زياد بن أبي سفيان (من القادة الذين اشتهروا زمن الخلافة الراشدية، وأوائل الخلافة الأموية) قبل عشرين عاماً.
وفي السابق عين الخليفة شقيقه بشر بن مروان حاكماً على الكوفة، لكنه توفي في أوائل عام 694، كما أن تجربة استخدام أفراد الأسرة في الحكم لم تكن ناجحة، في حين تمكن الحجاج من إثبات ولائه للخليفة أكثر من أقربائه، فوقع عليه الاختيار لتولي حكم العراق، كانت تشمل إمارة العراق الكوفة والبصرة، بالإضافة إلى خراسان وغيرها من المدن الشرقية، لذلك كان حاكم العراق مسؤولاً عن مقاطعة كبيرة ونفوذ ضخم يمتد من بلاد ما بين النهرين إلى الحدود الآخذة في الاتساع في آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية (التي تضم نصف أراضي الخلافة وتنتج أكثر من نصف دخل الدولة).
بالإضافة إلى ذلك، كانت الوظيفة ذات حساسية سياسية بسبب التاريخ الطويل للخوارج والمعارضة السياسية في العراق، لا سيما في الكوفة.
ماذا قال الحجاج بن يوسف الثقفي لأهالي العراق؟
بعد وفاة أخ الخليفة عبد الملك بن مروان ووالي العراق بشر بن مروان في عام 75 للهجرة الموافق لعام 695 للميلاد، قام الخليفة عبد الملك بن مروان بتعيين الحجاج بن يوسف الثقفي والياً على العراق، وعندما وصل إلى الكوفة دخل مسجد الجامع في الكوفة وقال للمصلين وفق ما ورد في كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير: "يا أهل العراق، يا أهل الشقق والنفاق ومساوئ الأخلاق، والله إن أمركم ليهمني قبل أن آتي إليكم، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي، ولقد سقطت مني سوطي الذي أؤدبكم به، فاتخذت هذا مكانه – وأشار إلى سيفه – ثم قال: "والله لآخذن صغيركم بكبيركم، وحركم بعبدكم، ثم لأرصعنكم رصع الحداد للحديدة، والخباز العجينة".
الحجاج القائد المقرب لعبد الملك وأبنائه
تمكن الحجاج من كسب ثقة الخليفة عبد الملك بن مروان، فمنذ أن دخل الشام تمكن من إثبات ولائه للخليفة الأموي، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل وطد العلاقة من خلال المصاهرة، إذ زوج ابنتيه لأولاد عبد الملك (الوليد ويزيد الثاني)، فازدادت أواصر المودة بين الرجلين، ولم تكن المراسلات بينهما ذات طابع رسمي، إنما تعدت ذلك لتعكس مدى قرب الحجاج وخصوصيته لدى عبد الملك، بينما كانت علاقته مع الوليد ذات صفة رسمية.
إلا أن الحجاج تمكن من إمساك ناصية الأمور من خلال ما قدمه للوليد عندما دافع عن خلافته أمام شقيق عبد الملك (عبد العزير بن مروان)، فأصبح لدى الوليد شعورٌ بأنه مدين للحجاج، فأطلق يده في شؤون البلاد، وأخذ يجني الضرائب ويتسلط في الحصول عليها.
كما سفك الكثير من الدماء، وهو الأمر الذي لم يستطع فعله في عهد عبد الملك، كان لهذا التدخل غير المحدود للحجاج في شؤون الخلافة نتائجاً تمثلت بالعداء بين الوليد وأخيه سليمان، الذي بدأ يدعم يزيد بن المهلب (كان والياً على خرسان، اتصف ببأسه، الأمر الذي جعل الحجاج يخشاه، فعمل على إبعاده عن طريقه بجعل عبد الملك يسجنه ويعزله عن منصبه)، وكان هدف سليمان من وراء ذلك إقصاء الحجاج عن ولاية العراق ومن خراسان.
كيف التقى الحجاج بالخليفة عبد الملك بن مروان؟
كان روح بن زنباغ وزير الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي كان يشكو لوزيره عدم طاعة الجيش له، فنصحه الوزير بتعيين الحجاج بن يوسف الثقفي قائداً للجيش، فقام بتأديب الجند، وفي مقدمتهم جنود الوزير الذي رفضوا طاعة الحجاج فقام بحبسهم وإحراق مقراتهم؛ فاشتكى الوزير أفعال الحجاج للخليفة عبد الملك بن مروان الذي استدعى الحجاج الذي رد على الشكوى فقال له: "أنا يدك وسوطك فلا تكسرني"، فطالب الخليفة بتعويض الوزير روح بن زنباغ عن جنده الذين خسرهم بجند آخرين، وفق ما ورد في كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير.
الحجاج يجبر أهل الشام على التطوع في الجيش
أعلن الحجاج بن يوسف الثقفي أن أي رجل من أهل الشام لا يحمل السلاح وينضم للجيش المعد لمحاربة عبد الله بن الزبير بن العوام سيقوم بقتله وإحراق بيته، مما اضطر الرجال للالتحاق بالجيش الأموي الذي حارب عبد الله بن الزبير بن العوام في عام 73 للهجرة الموافق لعام 693 للميلاد، وذلك وفق ما ورد في كتاب (الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية) للكاتب منصور عبد الحكيم.
حروب الخوارج والخطبة الأشهر في تاريخ الحجاج
وصل الحجاج إلى الكوفة وألقى خطبته فيها، كان الهدف منها دفع أهلها إلى القتال بصفه في حروبه مع الخوارج، ومن أشهر ما قاله في خطبته تلك: "أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى".
ثم قال: "والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مسكاً، فوجهني إليكم، ورماكم بي"، وهذا الأمر كان له دورٌ في استياء علاقته مع أهل العراق.
هدد الحجاج كل من لا يشارك في القتال بالموت وأخذ كل ممتلكاته، ومارس الكثير من الظلم على أهل العراق، كما خفض أجور المقاتلين، ما زاد الأمر سوءاً، على الرغم من ذلك، تمكن الحجاج من حشد قوات كبيرة لأحد قادته وهو المهلب بن صفرة، فتمكن من الانتصار على الأزارقة (فرقة من فرق الخوارج، سميت باسم زعيمها نافع بن الأزرق)، كان ذلك في عام 696 ميلادي، وفي عام 697 ميلادي، تمكن الحجاج من هزيمة شبيب بن يزيد أحد أبرز الزعماء الخوارج، بذلك تمكن الحجاج من الانتصار على الخوارج، وإنهاء الحروب معهم.
معركة دير الجماجم وإنهاء تمرد ابن الأشعث
قاد عبد الرحمن ابن الأشعث جيشه إلى سيستان (تقع شرق إيران، ويقع قسم منها جنوب أفغانستان) بأمرٍ من الحجاج، وفي البداية قام بحملته بعناية وطبقاً للأوامر، وتمكن من غزو كل الأراضي، ثم أرسل إليه الحجاج يطالبه بالهجوم الفوري على روتبيبل (كان من المتمردين على الخلافة الأموية، وهو تركي كان حاكماً على إقليم زبلستان)، كانت لهجة رسائل الحجاج شديدة، وهدد بتعيين أخيه إسحاق لقيادة الحملة بدلاً منه.
تسببت لهجة الحجاج القاسية ومطالبه، فضلاً عن تردد الجيش الواضح في مواصلة هذه الحملة المطولة والشاقة؛ بتمرد واسع النطاق بقيادة ابن الأشعث، فسار جيش المتمردين مرة أخرى إلى العراق، وتزايد إلى أكثر من 100000 جندي، واستحال الأمر من تمرد ضد الحجاج إلى حركة مناهضة للخلافة الأموية. حاول الحجاج إيقافهم.
لكن جيش الأشعث تمكن من الانتصار في البدايات، ومن ثم ترك الحجاج البصرة له، ودخل ابن الأشعث المدينة منتصراً، بعدها تمكن الحجاج من تعزيز القوات السورية وحقق انتصاراً صغيراً، بعد ذلك غادر معظم جيش الأشعث إلى معقلهم في الكوفة. استعاد الحجاج البصرة، بينما عسكر ابن الأشعث بالقرب من الكوفة. أثار تقدم ابن الأشعث قلق الخليفة الأموي الذي سعى إلى التوصل لتسوية عن طريق التفاوض.
على الرغم من أنه ظل يرسل تعزيزاته إلى الحجاج. عرض عبد الملك إقالة الحجاج وتعيين ابن الأشعث حاكماً على إحدى المدن العراقية، كما رفع أجور العراقيين بحيث حصلوا على نفس المبلغ الذي يحصل عليه السوريون، كان ابن الأشعث يميل إلى القبول.
لكن أكثر اتباعه رفضوا معتقدين أن الشروط المعروضة تكشف عن ضعف الخلافة، ثم اجتمع الجيشان في نهاية المطاف بمعركة دير الجماجم في نيسان/ أبريل من عام 701 ميلادي، فمكن الحجاج من الانتصار وإعادة السيطرة على الكوفة مع قبول استسلام أتباع الأشعث مقابل حياتهم.
فتوحات الحجاج بن يوسف
عاود الحجاج إرسال الجيوش المتتابعة، بعد اختيار القادة الأكفاء مثل قتيبة بن مسلم الباهلي (الذي ولاه الحجاج خراسان سنة ٧٠٤ ميلادي، وعهد إليه بمواصلة الفتح)، فتمكن من فتح العديد من المدن الحصينة، مثل: بلخ (في أفغانستان)، بيكند وبخارى (في أوزباكستان)، بالإضافة إلى مدينة كاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر.
انتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير منها مراكز هامة للحضارة الإسلامية وبشكل خاص بخارى وسمرقند. ثم أرسل الحجاج جيشاً لفتح بلاد السند، بقيادة ابن عمه محمد بن القاسم الثقفي الذي كان شابا لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه قائد حازم؛ تمكن خلال ما لا يزيد عن خمس سنوات من فتح مدن وادي السند، حيث كان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، حتى أوصل رايات الإسلام ونفوذ الدولة الأموية إلى حدود الصين والهند.
إصلاحات الحجاج وأعماله
قام الحجاج ببناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة سنة 702 ميلادي واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، حيث اتخذها مقراً له. كان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، فيختارهم من ذوي القدرة والكفاءة ويراقب أعمالهم، كما لاحق اللصوص وقطاع الطرق آنذاك، ويذكر للحجاج أنه ساعد في: تعريب الدواوين، الإصلاح النقدي للعملة وضبطها، وقام بأعمال الإصلاح الزراعي في العراق من خلال حفر الآبار والقنوات، إحياء الأرض الزراعية، وقدم القروض للفلاحين ليعينهم على الاستمرار في عملهم بالزراعة.
الحجاج وتنقيط المصحف الشريف
اهتم الحجاج بتنقيط حروف المصحف، وذلك بعد أن انتشر التصحيف، فقام نصر بن عاصم (أحد علماء اللغة والنحو، ومن أشهر تلاميذ أبو الأسود الدؤلي) بهذه المهمة ونسب لنفسه تجزئة القرآن، حيث وضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، وشجع على أن يعتمد الناس على قراءة واحدة للقرآن الكريم.
كما قام الحجاج بن يوسف الثقفي بالعديد من الأعمال في مجلات مختلفة، فإضافة للفتوحات قام بما يلي وفق ما ورد في كتاب (الحجاج بن يوسف الثقفي مواقف من حياته (دماء وعطاء) للكاتب أمير بن محمد المدري:
- شجع الإصلاح الزراعي ونتيجة قلة الحيوانات أمر بمنع ذبح البقار لمدة محددة كي يمكن الاستفادة منها في حرث الأرض، وكذلك زيادة الثروة الحيوانية، كما قام باستيراد الجاموس من الهند لتامين الاحتياجات المحلية من اللحوم.
- بنى صهاريج بالقرب من البصرة لحفظ مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب في موسم الجفاف.
- أمر بحفر الآبار لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
- اهتم بالفلاحين واقرضهم المال كي يزرعوا ووفر لهم الحيوانات كي يحرثوا أرضهم.
- منع النوح على الموتى في البيوت.
- منع بيع الخمر.
النقاط المظلمة في تاريخ الحجاج
يؤخذ على الحجاج - إضافة إلى صلابته وتسلطه على أهل العراق - قتله لأربعة من صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن الزبير، جابر بن عبد الله، كميل بن زياد، كما يؤخذ عليه صلبه لجثة عبد الله بن زبير أثناء حصاره لمكة، وقال الحجاج عندها، إنه لن ينزل جثته حتى تأتي أسماء بنت الخليفة الراشدي أبو بكر، وتطلب منه ذلك، كما صنفه الثعالبي (هو عبد الرحمن الثعالبي، مفكر ورجل دين جزائري) ضمن أشهر القتلة عبر التاريخ، حيث بلغ عدد الذين قتلهم 10000 شخص بحسب الثعالبي؛ وذلك لكثرة الحروب التي قادها ضد المعارضين للخلافة الأموية.
ومن النقاط المظلمة في تاريخ الحجاج أنه أرسل خلال حكمه العراق منادي ينذر الناس: "أن من يخرج من منزله بعد العشاء فسيقتل"، فجاء الجنود برجل، فقال له الحجاج: "ما أخرجك من بيتك في هذه الساعة من بعد ما سمعت المنادي؟"، فقال له الرجل: "إن أمي مريضة، وأنا عندها منذ ثلاثة أيام، فأفاقت بعد العشاء، فطلبت مني أن أذهب إلى زوجتي وأولادي، فخرجت"، فقال له الحجاج: "ننهاكم وتعصوننا، فأمر بضرب عنقه".
الثورات ضد الحجاج بن يوسف الثقفي
ثورة البصرة، في عام 695 للميلاد، بعد استقرار الوضع في الكوفة، ذهب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى البصرة، فقام جند الحجاج باعتقال رجل من بني شكر لأنه لم يلتحق بجيش المهلب بن أبي صفرة، فسأله لماذا لم يفعل، فقال له الرجل: إني مريض وقد عذرني بشر بن مروان (الوالي السابق للعراق)، لكن الحجاج قام بقطع رأسه، لهذا السبب ولسبب آخر هو قوله للناس: "إن الزيادة التي منحها إياكم عبد الله بن الزبير بن العوام زيادة فاسق منافق ولست أجيزها".
فرد عليه عبد الله بن الجارود العبدي (أحد أهالي البصرة الذي تزعم الثورة ضد الحجاج) بالقول: "إنها ليست زيادة فاسق منافق بل زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد ثبتها لنا"، لهذين السببين قامت ثورة ضد الحجاج بن يوسف الثقفي بقيادة عبد الله بن الجارود العبدي، فقمعها الحجاج بشدة، وقطع رؤوس الثائرين وعلق رؤوسهم على مدينة رامهرمز في البصرة لإرهاب الناس.
ثورة مطرف بن المغيرة بن شعبة، في عام 697 ميلادي، كان مطرف بن المغيرة بن شعبة نائباً للحجاج بن يوسف الثقفي في المدائن؛ (تقع جنوب شرق العاصمة العراقية بغداد)، حيث قامت في عهده ثورة شبيب بن يزيد الذي أراد الدخول إلى المدائن فقام مطرف بن المغيرة بن شعبة بمنعه، ثم قاوم بمناقشة شبيب بن يزيد في أسباب الثورة على الحجاج بن يوسف الثقفي والخليفة عبد الملك بن مروان وكان أبرز هذه الأسباب لجوء بني أمية لمبدأ التوريث في الخلافة عوضاً عن مبدأ الشورى؛ (بدأ التوريث في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان الذي أوصى بالخلافة لابنه يزيد وعينه ولياً للعهد في عام 51 للهجرة الموافق لعام 671 للميلاد وفق ما ورد في كتاب (الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية) للكاتب منصور عبد الحكيم).
فاقتنع مطرف بن المغيرة بن شعبة بوجهة نظر شبيب وانضم للثوار، وكانت هذه المناقشات سرية، لكن أحد رجال مطرف بن المغيرة بن شعبة وهو يزيد مولى المغيرة بن شعبة؛ نصحه بالهرب لأن الحجاج سيعرف عاجلاً أو آجلاً بتأييد مطرف بن المغيرة بن شعبة للثوار، فهرب مطرف من المدائن، ثم إلى أصفهان (في إيران حالياً)، ولأن نائب الحجاج في أصفهان البراء بن قبيصة؛ كان يخشى من توسع نفوذ مطرف بن المغيرة بن شعبة فقام نائب أصفهان بإخبار الحجاج بمكان ابن المغيرة بن شعبة، طالباً منه إرسال جيش كبير لمساعدته في القضاء على مطرف بن المغيرة بن شعبة وهو ما حصل وانتهت الثورة بقتل ابن المغيرة وذلك في عام 77 للهجرة الموافق لعام 697 للميلاد.
وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي
مرض الحجاج في آخر حياته، وهناك اختلاف على طبيعة المرض الذي أصابه، في حين يشار إلى أن مرضه كان سرطاناً في المعدة، يقول ابن خلكان (هو شمس الدين بن خلكان، كان أديباً وقاضياً ومؤرخاً، عاش بين عامي 1211 و 1282 ميلادي): "كان مرضه بالأكلة وقعت في بطنه" وساء حاله كثيراً، ثم قضى على إثر ذلك عام 714 ميلادي.
كان الحجاج بن يوسف الثقفي متزوجاً من أربعة نساء، ولديه عدة أولاد
كان الحجاج بن يوسف الثقفي متزوجاً من أربع زوجات، هن:
- هند بنت المهلب، طلقها بعدما حزنت على قيام الحجاج بن يوسف الثقفي بعزل أخيه يزيد عن ولاية خراسان.
- هند بنت أسماء بن خارجة، طلقها بسبب حبها لزوجها الأول عبيد الله بن زياد الذي قتل في عام 67 للهجرة الموافق لعام 687 للميلاد.
- أم الجلاس بنت عبد الرحمن.
- أمة الله بنت عبد الرحمن بن جرير.
وكان للحجاج بن يوسف الثقفي ولدان، هما:
- محمد بن الحجاج.
- عبد الله بن الحجاج.
مسلسل الحجاج مسلسل تلفزيوني يوثق حياة الحجاج
عُرض مسلسل الحجاج في عام 2003، حيث رصد هذا المسلسل حياة الحجاج بن يوسف الثقفي، حيث أدى دور الحجاج الممثل السوري عابد فهد، كما شارك في بطولة المسلسل كل من: (سوزان نجم الدين، غسان مسعود، فايز قزق، ناصر عبد الرضا، إياد ناصر، عمار شلق)، وهو من تأليف: جمال أبو حمدان، إخراج: محمد عزيزية.
أخيراً... كان الحجاج بن يوسف الثقفي من أشهر القادة في العصر الأموي، وثار حوله اختلاف كبير، فبنظر البعض، هو قائد دمويٌ لا يعرف الرحمة، نكل بالناس في فترتي عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، بينما يراه البعض الآخر مثالاً للقائد الذي أعلى راية الإسلام وأخلص للدولة الأموية، وكان ذو فضل كبير في بسط نفوذها وتمكين أركانها.