التاريخ المدهش لتتابع الشعلة الأولمبية
لم تنشأ طقوس تتابع الشعلة الأولمبية في اليونان القديمة، بل في ألمانيا النازية.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
في 20 يوليو 1936، وفي احتفال مهيب في أولمبيا باليونان، أشعلت أشعة شمس الظهيرة الحارقة مركزة بواسطة مرآة مكافئة الشعلة الأولمبية. محاطة بالآثار القديمة وعشرات النساء اللواتي يرتدين سترات بيضاء، غمس العداء اليوناني عاري القميص "كونستانتينوس كونديليس" شعلة في مرجل محترق، ورفع النار في يده اليمنى، وهرول الخطوات الأولى لما سيكون ملحمة تتابع لمدة 12 يومًا من اليونان إلى برلين، وهي المدينة التي سوف تستضيف دورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 1936.
استخدام الأولمبياد للدعاية السياسية
بينما بدا أن المهرجان يعيد تقليدًا من التقاليد اليونانية القديمة المقدسة، كان تتابع الشعلة الأولمبية في الواقع جزءً من الدعاية السياسية الحديثة التي تمت كتابتها بعناية ودفع ثمنها بالكامل من قبل ألمانيا النازية. استخدم اليونانيون نارًا طقوسية في الألعاب الأولمبية القديمة، لكنهم لم ينظموا مطلقًا تتابعًا لحمل الشعلة حتى مكان افتتاح ألعابهم. كان تتابع الشعلة الأولمبية من بنات أفكار كارل ديم، المنظم الرئيسي لألعاب برلين، الذي تصور تعاقبًا غير مسبوق لأكثر من 3000 عداء ينقلون الشعلة من مهد الألعاب الأولمبية القديمة إلى الإستاد الأولمبي في برلين، حيث سيضاء المرجل خلال مراسم افتتاح الأولمبياد الحادي عشر.
كان لديم دور أساسي في إقناع اللجنة الأولمبية الدولية بمنح شرف استضافة الألعاب الصيفية لمدينة برلين في عام 1931، لكن مستقبلهم كان موضع شك كبير عندما أصبح أدولف هتلر مستشارًا لألمانيا في عام 1933. كان هتلر ينتقد الألعاب الأولمبية الحديثة، والتي رفضها ذات مرة باعتباره "اختراعًا من قبل اليهود والماسونيين"، لكن وزير الدعاية جوزيف جوبلز أقنع الفوهرر بأن الألعاب الصيفية ستكون مسرحًا دوليًا لعرض ألمانيا النازية، وسيكون تتابع الشعلة هو الافتتاح المثير. أعجب هتلر باليونانيين القدماء ورأى أن النازيين هم ورثتهم الشرعيين. في حين لك يكن ديم عضوًا في الحزب النازي، فإن فكرته في تتابع الشعلة سيستخدمها النازيون كأداة دعائية قوية ليس فقط لربط الأولمبياد القديم والحديث، ولكن أيضًا اليونان القديمة والرايخ الثالث.
مشاركة الشركات الألمانية
كان تتابع الشعلة بأكمله، بدءًا من الاحتفال في أولمبيا، إنتاجًا ألمانيًا تمامًا. صنعت شركة Krupp، وهي شركة ألمانية لتصنيع الأسلحة، المشاعل المكسوة بالفولاذ والتي تتميز بعنصر احتراق هو المغنيسيوم صممه الكيميائيون الألمان لتبقى الشعلة مشتعلة بغض النظر عن الظروف الجوية. صنعت شركة زايس للبصريات الألمانية المرآة المستخدمة لإضاءة الشعلة، وقامت سيارة أوبل بحمل شعلة أولمبية احتياطية مع حاملي الشعلة. ضمن جوبلز وجود تغطية إعلامية ألمانية واسعة النطاق للتتابع، بما في ذلك التقارير الإذاعية مباشرة من الطريق، وكلف المخرج ليني ريفنستال بتصويره كجزء من فيلم الدعاية النازية "أولمبيا" الذي صدر في عام 1938. محاطًا بالكثير من أساطير العصور القديمة اليونانية.
مسار الشعلة
من اليونان، قطعت الشعلة الأولمبية أكثر من 2000 ميل عبر بلغاريا ويوغوسلافيا والمجر والنمسا وتشيكوسلوفاكيا. وقد باركها كهنة الروم الأرثوذكس في بلغاريا وغنّى لها الموسيقيون الغجر في المجر.
عندما وصل التتابع إلى فيينا مساء يوم 29 يوليو 1936، قام النازيون النمساويون، الذين اغتالوا مستشار البلاد في محاولة انقلاب فاشلة عام 1934، بغناء نشيد الحزب النازي ورحبوا بالشعلة بالتحية النازية "تحية هتلر"، كما قاموا بتسمية أعضاء يهود من الفريق الأولمبي النمساوي بألقاب سيئة وانتقدوا الرئيس النمساوي وهتفوا ضده. وفي تصريح مثير للجدل، جاء في بيان صادر عن جوبلز أن "استخدام الشعلة الأولمبية لأغراض سياسية هو أمر مؤسف للغاية".
تم الترحيب بالشعلة الأولمبية من قبل 50 ألف مواطن ألماني على الحدود التشيكية صباح يوم الـ 31 من يوليو 1936، وفي اليوم التالي، حمل العداء الألماني فريتز شيلجن الشعلة عند دخوله الملعب الأولمبي في برلين أمام حشد كبير يضم أكثر من 100 ألف متفرج. تم اختيار شيلجن، من نخبة العدائين الأولمبيين ليكون حامل الشعلة الأخير بسبب مظهره الآري الشاب ومشيته الرشيقة. عندما ركض في الجزء الأخير من التتابع وقام بإشعال المرجل، أكمل الحلقة الأخيرة في سلسلة تربط الرايخ الثالث بجبل أوليمبوس.
بعد أقل من عامين، قام هتلر باحتلال النمسا وضمها إلى دولته، واستقبل النازيون في فيينا الفوهرر بنفس الترحيب الحماسي الذي استقبلوا فيه الشعلة الأولمبية. وبعد فترة وجيزة، رفع الألمان أذرعهم عالياً في التحية النازية بدلاً من إيماءات حسن النية، وحملوا رشاشات Krupp بدلاً من مشاعل Krupp على طول الطرق نفسها التي ضربها عدائي التتابع، لكن هذه المرة أثناء احتلالهم لأوروبا الشرقية. بسبب الحرب العالمية الثانية، لم تُقام الألعاب الصيفية مرة أخرى حتى أولمبياد لندن عام 1948. على الرغم من إنشاء عدوهم الأخير لتتابع الشعلة، فقد التزم المنظمون البريطانيون بهذه الطقوس. جرى "تتابع السلام" عبر أوروبا البائسة بعد الحرب، وبدأ مرة أخرى في أولمبيا القديمةكرمز للسلام، حيث ألقى العريف اليوناني كونستانتينوس ديميتريليس الذي حمل الشعلة أول المرة زيه العسكري قبل الإمساك بالعصا المشتعلة.