الاحتراق الذاتي: ظاهرة مرعبة تحصد الأرواح منذ عقود..ما حقيقتها؟
يمكن أن تكون مسترخيا في كرسيك وتشتعل النيران في جسدك فجأة وتحترق حتى الموت وتتحول إلى جثة متفحمة، هذا لم يكن كابوسا أو ضربا من الخيال، وإنما حوادث مرعبة وقعت لأشخاص بالفعل في ظاهرة عُرفت بـ"الاحتراق الذاتي".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
والاحتراق الذاتي هو واحدة من الظواهر الغامضة التي حيرت العلماء وبذلوا ما في وسعهم لمعرفة تفاصيلها وتفسير حدوثها، بعدما حصدت في حوادث مفاجأة مرعبة أرواح الكثيرين منذ عقود طويلة دون تفسير واضح، ما أثارت تساؤلات عديدة حول حقيقة هذه الظاهرة من عدمها.
هل الاحتراق الذاتي حقيقة؟
أمضى العلماء عقودا في الجدال حول ما إذا كانت ظاهرة الاحتراق الذاتي البشري أمرا حقيقيا أم أسطورة، إذ تم الإبلاغ عن أكثر من 200 حالة في جميع أنحاء العالم، وتحول الضحايا إلى رماد من لا شيء.
ويظن البعض أن الاحتراق الذاتي ما هو إلا أسطورة أو ضربا من خيال مؤلف، ولكنها حقيقة وظاهرة تعود إلى قرون عديدة مضت، واعتبرها العلماء لغزًا يواجه الجنس البشري، حسبما ذكر "لاري أرنود" مؤلف كتاب المشتعل، بأن ظاهرة الاحتراق الذاتي عند البشر غريبة ومن الواضح أنها تحدث لأي إنسان وفي أي وقت.
وعن ظاهرة الاحتراق الذاتي قال العالم آرثر كلارك إن هناك لغزًا واحدًا يُسأل عنه أكثر من أي شيء آخر وهو الاحتراق الذاتي، الذي تبدو بعض الحالات تتحدى الواقع وتفسيره، وتترك شعورًا مخيفا وغير منطقي.
ووفقا للدكتور، ستيفن نوفيلا، عالم الدماغ في جامعة ييل، فإن معظم حالات الاحتراق الذاتي يمكن تفسيرها منطقيا، فالعديد من الحالات تتضمن مصادر خارجية واضحة للنار، وكانت السجائر الأكثر شيوعا، وكذكلك المواقد والشموع.
ما هو الاحتراق الذاتي؟
والاحتراق الذاتي هو عبارة عن حدوث حريق يشب تلقائيًا في جسد الشخص بدون أي مسبب خارجي معروف أو محدد، وقد ينتج عن هذا الاشتعال بعض الحروق البسيطة في الجلد أو الدخان، وقد يشمل كامل الجسم وهو ما يميز ظاهرة الاشتعال البشري الذاتي.
ويحدث الاحتراق الذاتي لأي جسم بدون أي مصدر خارجي ودون اتصاله بأي مصدر حراري آخر، أي أنه يحدث ذاتيا وغالبا تبقى الأطراف سليمة لم تمسها نيران الاحتراق، أما العظام فتذوب من شدة الحرارة والتي قد تصل إلى أكثر من 2500- 3000 درجة مئوية.
وعن سبب عدم احتراق اليدين والساقين، ذهب أحد العلماء إلى أن هناك ما يُطلق عليه اسم تأثير الفتيل، بمعنى أن ملابس الضحايا يمكن أن تكون بمثابة الفتيل، في حين أن دهون الجسم تكون بمثابة مصدر للوقود، ويتم الحفاظ على حرق الملابس من قبل الدهون السائلة الضارة التي يفرزها جسم الضحية، ما تسبب في حروق بطيئة تلتهم الضحية، ما يؤدي إلى ظهور مادة زيتية بنّية غالبا ما تغطي الجدران القريبة.
ويقول بريان فورد، المؤلف والبيولوجي والأستاذ في جامعة ليسيستر، وفقا لصحيفة "ذي صن" في تفسيره لظاهرة الاحتراق الذاتي، إن "الانفجار يحدث فجأة مشكلا لهبا حارقا، فيحترق الجسم بشدة حتى لا يبقى سوى الرماد الحار، رغم أن اليدين والساقين تبقى سليمة".
أول حالة احتراق ذاتي للإنسان
شُخصت حالة الاحتراق الذي بشكل رسمي في بداية القرن السابع عشر، والتي وصل عدد ضحايها مع نهاية القرن العشرين إلى 250 حالة احتراق ذاتي مؤكدة.
أما حالة ظهور للاحتراق الذاتي فكانت في عام 1637، عندما نشر العالم الفرنسي يوناس دوبونت في كتابه الذي تضمن دراسات عن الاحتراق الذاتي بعد قراءته لسجلات قضية أول ضحية لهذه الظاهرة والتي كان زوجها متهم بقتلها وحرق جثتها، وهو لم يكن لديه مبررًا لقتلها ولكن في النهاية اقتنعت المحكمة أن ما أصاب الزوجة هو احتراق ذاتي.
ما هي أسباب الاحتراق الذاتي؟
وفي حين يرى البعض أن ظاهرة الاحتراق الذاتي غامضة ليس لها تفسير واضح، إلا أنه هناك علماء بذلوا جهدهم في محاولة تفسير حدوث هذه الظاهرة من خلال عدة نظريات، منها:
شرب الكحول:
وقد تبين من تجربة العالم جوستس فون أن تناول الإنسان للكحول قد يعرضه للاحتراق من الداخل.
نظرية الجسيمة الصغيرة "البايروترون"
ويرى العالم لاري ارنود أن السبب الوحيد وراء ظاهرة الاحتراق الذاتي يكمن في الفيزياء، موضحا أن كمية الطاقة المطلوبة من أجل أن يجف الجسد من الماء بشكل كامل ليصبح رمادًا يتطلب وجود جسيمة تكون أصغر من حجم الذرة تدعى بايروترون، وهي تنطلق دون أن ترى لصغر حجمها وتأثير هذه الجسيمة على جسم الإنسان يقابل بردود أفعال من خلالها يتم إطلاق كميات كبيرة من الطاقة المختزنة في الجسم بشكل فوري ينتج عن ذلك حصول جفاف في الجسد وجعله ينكسر ويضعف، وهو ما يقف وراء حوادث الاحتراق الذاتي.
التفاعلات النووية
وذهب عدد من العلماء إلى أن مصدر الطاقة في الجسم هو سلسلة من التفاعلات النووية داخل الخلايا، ويمكن لهذه التفاعلات الخروج عن السيطرة، ومن ثم يحدث احتراق الجسم ذاتيًا .
وهناك نظريات أخرى أرجعت الاحتراق الذاتي إلى مفعول القتيل، بعد إجراء عدة اختبارات باستخدام أجزاء من جسم "الخنزير" وتبين أن هذا المفعول يظهر لنا أن الجسم البشري يتمتع بمصدر طاقة خاصه به، وفي الظروف الخاصة ممكن أن يدمر نفسه بنفسه .
قصص عن الاحتراق الذاتي
ومن أبرز حالات الاحتراق الذاتي:
في 18 مايو 1958 تم العثور على الجسد المتحلل لـ أنا مارتن البالغة من العمر 68 عاماً من غرب فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا، ولم يتبق سوى حذائها وجزء من جذعها، تقرير الطب الشرعي تحدث عن حرقها في درجة حرارة تتراوح من 1700 إلى 2000 درجة مئوية.
وفي 5 ديسمبر1966 وجد رماد الدكتور ج. ايرفينغ بنتلي، البالغ من العمر 92 عامًا، ملقيًا على أرض الحمام ومتفحماً بنسبة الثلثين ووجدت ساقه منفصلة عن بقية جسده فيما لم يتأثر الدهان على جدار الحمام.
ومن أبرز حالات الاحتراق الذاتي، حادث ماري هاردي ريسير البالغة من العمر 67 عاما الأكثر شهرة، في ولاية فلوريدا، حيث اشتعل جسدها فيما كانت تجلس على الكرسي في صباح 1 يوليو 1951، ولاحظت جارتها التي تسكن بجوار منزلها مقبض الباب الخارجي شديد السخونة ثم انطلقت لطب المساعدة ورجعت لتجد السيدة ريسير أو ما تبقى منها بشكل دائرة مفحمة يبلغ قطرها أربعة أقدام.
وكان كل ما تبقى من جسم هاردي ذات الـ 79 كغ وكرسيها هو، بطانة الكرسي من النوابض المسودة وجزء من عظام ظهرها وبقايا جمجمتها التي تبلغ حجم كرة البيسبول وإحدى قدميها و5 كغ من الرماد المحترق.
الاحتراق الذاتي النفسي
ومن أشكال الاحتراق الذاتي ما يُعرف بـ"الاحتراق الذاتي النفسي"، والذي يرجع إلى ضغوط العمل النفسية نتيجة تضارب الأدوار وضغوط العمل التي لا تنتهي، كما أنه يحدث للأشخاص الذين يتسمون بالمثالية ويتوقعون مستويات مرتفعة من نتائج العمل.
ويرى بعض العلماء أن الاحتراق الذاتى النفسي هو نتيجة مأساوية للضغوط، أى أنه من أعراض الضغوط النفسية، ويحدث الإحتراق الذاتي عندما لا يكون هناك توافق بين طبيعة الشخص وطبيعة العمل.
وأرجع العلماء الاحتراق الذاتي النفسي إلى مجموعة من العوامل، منها:
ضغط العمل: بحيث يشعر الموظف بوجود الأعباء الكثيرة المطلوب منه تحقيقها في وقت قصير.
محدودية صلاحيات العمل: ويقصد بها عدم وجود صلاحيات لاتخاذ القرارات اللازمة لحل مشكلات العمل.
قلة التعزيز الإيجابي: أي عدم الحصول على أى تعزيزات إيجابية سواء معنوية أو مادية رغم كثرة العمل.
انعدام الإجتماعية: وذلك في حالة غياب من يشارك الموظف في همومه دون تنفيس.
عدم الإنصاف والعدل: وذلك عند تحمل الموظف مسئوليات لا تكون في قدرة الموظف.
صراع القيم: حيث يوضع الموظف أمام أمام خيارات لا تتوافق مع مبادئه وقيمه التي يتبناها.