الإيطاليون والبيتزا: غرام مستمر حتى في زمن كورونا
قبل عامين ونصف، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) فن صناعة البيتزا النابولية أو ما تعرف باسم "بيتزا نابوليتانا"، نسبة إلى مدينة نابولي الإيطالية، على قائمة التراث العالمي غير المادي، فصناعة البيتزا ليست مجرد حرفة، وإنما هي جزء من الثقافة والتاريخ في نابولي وعموم إيطاليا.
وتقدر الرابطة الوطنية للحرف والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في إيطاليا وجود نحو 76600 مطعم وخدمة توصيل بيتزا في البلاد. وترجح الرابطة أن حوالي 16 بالمائة من هذه المطاعم مقرها في منطقة كامبانيا (عاصمتها نابولي) جنوب غربي البلاد، وهو ما يعني أن صانعي البيتزا في هذه المنطقة بالأخص تعرضوا خلال أزمة كورونا إلى معاناة بسبب إغلاق محلاتهم.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
المعاناة لم تكن مادية فقط، فالوباء الناجم عن فيروس كورونا المستجد أدى إلى وفاة نحو 35 ألف شخص في إيطاليا منذ أول حالة تم تسجيلها في لومبارديا. وصارت لومبارديا، وبشكل عام شمال إيطاليا بعدها، بؤرة للوباء في إيطاليا وأوروبا. ويبدو أن المرض تحت السيطرة الآن في إيطاليا مع تسجيل بضع عشرات من الوفيات يومياً في المتوسط وتراجع عدد الإصابات بشكل ملحوظ. وكانت مناطق إيطاليا قد بدأت بالخروج تدريجيا من الحجر الصحي مع بداية مايو/ أيار.
خلال ذروة انتشار الوباء التي فرض فيها الحجر المنزلي، كان صانعو البيتزا يعانون نفسياً أيضاً، وقد وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي منفثاً لهم. فاستخدمها بعضهم للبحث عن الدعم النفسي أو للتعبير عن إحباطه، وقام آخرون بنشر مقاطع فيديو يشرحون فيها للمتابعين خطوات صنع البيتزا النابولية (بيتزا نابوليتانا) في منازلهم أينما كانوا.
صانع البيتزا، أريكو بورزيو، من مدينة نابولي يمتلك ستة مطاعم بيتزا ويعمل لديه أكثر من ستين موظفاً، وهو أيضاً أحد الذين شاركوا متابعيهم وصفات البيتزا النابولية. قام بورزيو بتوضيح خطوات صنع البيتزا عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، وحصد مقطع الفيديو تقريباً نصف مليون مشاهدة في أيام قليلة. وقال تعليقاً على ذلك: "هذا يعني أن الناس بالفعل يبقون في منازلهم ويبحثون عن طرق لعمل البيتزا".
لم يكتف بورزيو بمقطع الفيديو، بل بدأ مناقشات عبر وسائل التواصل مع صانعي البيتزا لتشجيع الآخرين وإعطائهم مساحة للحديث عن مخاوفهم من فقدان وظائفهم. وبالرغم من أن معظمهم كانوا يشجعون إجراءات الحجر المنزلي، إلا أن عددا منهم كان غاضبين أيضا من استمرار إغلاق مصادر رزقهم.
وقال بورزيو: "يوجد منهم من ادخر بعض النقود ويستطيع التحمل لشهر أو شهرين، أما من ليس لديه نقود فهو في ورطة حقيقية". وبالرغم من أن الحكومة أقرت حزمة اقتصادية لمساعدة أصحاب المتاجر والمطاعم المتضررين، إلا أن الأمر لا يتعلق فقط بالنقود: "أنا أفتقد عملي بالطبع..".
وشاركه الرأي إيجيديو دي سيتشو، وهو أيضاً صانع بيتزا من مدينة كوينديتشي الواقعة نحو 40 كيلومترا إلى الشرق من نابولي، وقال: "تقدمت بطلب للإعانة الحكومية، ولكني أفضل العودة للعمل. أكثر ما أفتقده هو التواصل مع الناس، فهم سبب حبك لعملك".
حنين للبيتزا
استمر إيجيديو في عمل البيتزا لأسرته في الحجر المنزلي وقال ضاحكاً: "في هذه الأيام يتمنى الجميع لو كان لديهم صانع بيتزا في البيت. أحد أصدقائي كان يريد الإقامة في منزلي أثناء الحجر".
لا تعد هذه مبالغة من قبل صديقه، فالذهاب لمطعم بيتزا مرة في الأسبوع على الأقل من تقاليد الأسر الإيطالية. وفي منطقة فيزوف على سبيل المثال يوجد مطعم بيتزا واحد لكل 335 شخص. لكن في ظل إغلاق جميع المطاعم اضطر السكان في هذه المنطقة للجوء إلى المطبخ المنزلي لصنع البيتزا. وقالت روبيرتا إسبوزيتو من مدينة بورتيشي القريبة من نابلي: "نفتقد البيتزا بشدة ونحاول صنعها في المنزل، ولكن بالطبع لا توجد مقارنة".
تعمل روبيرتا في دار رعاية للأطفال وهناك أخذوا يعلمون بعضهم صنع البيتزا. أما باولا دالا مونيكا فهي أيضاً كانت في العزل المنزلي بعد أن اضطرت إلى إغلاق مطعمها في مدينة نابلي الذي افتتحته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأكدت حينها دعمها لقرار رئيس المنطقة بإغلاق قطاع المطاعم.
كانت باولا تقضي وقتها في الطبخ بالمنزل، وتتبع وصفة جدتها في صنع البيتزا وكانت تقول: "صنع البيتزا بالطبع مسلٍ ولكن عندما يصنعها شخص محترف تكون أشهى كثيراً".
لكن مع اتجاه الناس لصنع البيتزا في منازلهم، شهدت المتاجر نقصاً متزايداً في منتجات الدقيق والخميرة. وقالت كلاوديا جويارديلو من مدينة بينيفينتو: "يتداول العديدون مقاطع فيديو عن كيفية صنع بديل للخميرة العادية في حال عدم وجودها في المتاجر"، وأضافت ضاحكة: "أعتقد أننا صرنا نأكل بيتزا ضعف ما كنا نأكله من قبل".
تبعات الأزمة على صناعة البيتزا
كانت صناعة البيتزا والتجارة المرتبطة بها تنمو بثبات في العقد الماضي، ومعها ترتفع الأرباح. أما بعد الأزمة الحالية لكورونا فقد يحتاج القطاع إلى الكثير من الوقت للتعافي.
ويقول بورزيو: "البيتزا في نابولي مثل القهوة، فهي عادة لن تتغير. لكن القيود التي ستوضع بعد إعادة فتح المطاعم ستجبرنا على تغيير النموذج التجاري الذي نعمل به تماماً. على سبيل المثال، سنضطر لزيادة توصيل الطلبات للمنازل والاعتماد على الحجوزات المسبقة للزبائن عند القدوم للمطعم. يجب أن نتكيف مع هذه التغييرات بدون إزعاج عملائنا."
أما إيجيديو، وهو صانع بيتزا منذ عشر سنوات، فيقول إنه يعيش اليوم بيومه: "رغم الإمكانيات البسيطة لدى الناس في منازلهم، يحاولون صنع البيتزا، وذلك دليل على حبهم لها. وهذا يجعلني فخوراً بمهنتي، وأنا أعلم أنه عندما تنتهي الأزمة، سيكون حب الناس للبيتزا أكبر من ذي قبل".
دانييلا دي لورينسو/ س.ح/ص.ش