"الإيجابية" ليست نصيحة جيدة للمُصابين بأمراض مزمنة. إليك السبب
"هل حاولت التفكير في كل الأشياء الإيجابية التي تحدث في حياتك؟" رُبما تحاول أن تُساعد بطرحك لهذا السؤال على أحد أصحاب الأمراض المُزمنة، رُبما تُحاول بهذه الطريقة أن تُحسن من حالته النفسية وتجعله يشعر بالإمتنان لوجود أشياء إيجابية في حياته، لكن ما لا تعرفه هنا أنك رُبما تُزيد بهذه الطريقة من ألمه، وتُشعره بأنه إنسان سيء عاجز عن الإمتنان ورؤية الخير الذي يُحيط به، يُمكنك خلال السطور التالية أن تتعرف على إنجي ورحلتها مع مرضها المزمن وإجبار الناس لها على التحلي بالإيجابية، دون أن يهمهم ما كانت تشعر به في حقيقة الأمر.
تقول إنجي واحدة من أصحاب الأمراض المُزمنة: "عندما طرح عليّ مُعالجي هذا السؤال شعرت أنه يتجاهل تعقيدات كل ما كنت أشعر به، كنت أتحدث معه عن الأمراض المزمنة التي أعاني منها والطريقة التي تؤثر بها على اكتئابي، وشعرت أن رده غير موفق، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يقترح فيها شخص ما الإيجابية كحل لألمي، ولكنني في كل مرة أشعر وكأنها ضربة مباشرة لروحي".
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
نحن نعيش في ثقافة غارقة في الإيجابية، هناك العديد من المحاضرات وكتب المساعدة الذاتية التي تمجد فضائل التفاؤل، نحن مُحاطون بكثير من الضغط الذي يدفعنا للتحلي بالإيجابية.
نحن مخلوقات عاطفية، قادرون على تجربة مجموعة واسعة من المشاعر. ومع ذلك، فإن المشاعر التي تعتبر مفضلة أو حتى مقبولة، هي مشاعر محدودة للغاية، إن ارتداء وجه سعيد وتقديم شخصية مبهجة للعالم، حتى عند المرور بأشياء صعبة حقًا، هو أمر يستحق الثناء. الأشخاص الذين يمرون بأوقات عصيبة بابتسامة يتم الإشادة بهم لشجاعتهم وقوة تحملّهم. وعلى العكس من ذلك، فإن الأشخاص الذين يُعبرون عن مشاعر الإحباط أو الحزن أو الاكتئاب أو الغضب، وكلها مشاعر طبيعية جدًا وتُمثل أجزاء من التجربة الإنسانية، غالبًا ما يُقابلون بتعليقات "قد يكون الأمر أسوأ" أو "ربما يساعد تحلّيك ببعض الإيجابية أو تنية شعورك بالإمتنان في تغيير موقفك."
تنتقل ثقافة الإيجابية هذه إلى افتراضات حول صحتنا أيضًا، فيُقال قيل أنه إذا كنا ننظر للأمور من وجهة إيجابية، فسوف نُشفى بشكل أسرع. أو، إذا كنا مرضى، فذلك حدث بسبب بعض السلبية التي نطلقها للعالم ونحتاج إلى أن نكون أكثر وعيًا بطاقتنا حتى لا نجتذب لأنفسنا أمورًا سيئة قد يكون المرض من بينها.
تُضيف إنجي: "تصبح مهمتنا، كأشخاص مرضى، أن نُحسّن من حالتنا من خلال إيجابيتنا، أو على الأقل أن يكون لدينا موقف جيد دائمًا بشأن الأشياء التي نمر بها، حتى لو كان ذلك يعني إخفاء ما نشعر به حقًا. أعترف أنني اشتريت الكثير من هذه الأفكار. لقد قرأت الكتب وتعرفت على كيفية إظهار الإمتنان في حياتي، وعدم التوقف أمام الأشياء الصغيرة، لقد حضرت محاضرات حول تصور كل ما أريده للوجود واستمعت إلى المدونات الصوتية التي تُخبرني ما هي السعادة.
كنت أحاول أن أرى الخير في الأشياء والأشخاص، ابحث عن البطانة الفضية في المواقف غير السارة، وأرى نصف الكوب الممتلئ. لكن على الرغم من كل ذلك، ما زلت مريضة."
لا يمكن دائمًا مواجهة المرض المزمن بابتسامة، ففي حين أن ثقافة الإيجابية تهدف إلى أن تكون مفيدة، إلا أنها يمكن أن تكون ضارة لأولئك الذين يعانون من الإعاقات والأمراض المزمنة، هذا ثقل إضافي عليهم، فهم يتصارعون مع كل من أعراض المرض المزمن، مُضافًا إليها الشعور بالذنب ومشاعر الفشل الناتجة عن عدم القدرة على التحلّي بالشعور والنظرة الإيجابية للأمور، فيُطلب منهم إنكار إنسانيتهم من خلال إخفاء آلامهم والتحلّي دومًا بابتسامة أيًّا ما كان ما يشعرون به.
تقول إنجي: "في مرات كثيرة كنت استجوب نفسي، هل جلبت هذا على نفسي؟ هل لدي فقط نظرة سيئة هي التي تسببت في كل آلامي ومرضي؟ إذا كنت قد تأملت أكثر، أو قلت المزيد من الأشياء اللطيفة والإيجابية لنفسي، أو فكرت في أفكار أكثر إيجابية، فهل سأظل هنا في هذا السرير الآن؟ هذه المشاعر من الشك الذاتي ولوم الذات عززت من ألمي وزادته فقط."
وتُضيف: "المرض المُزمن يُسبب العزلة للمُصابين به، لأن معظم الناس لا يفهمون ما تمر به، فهم لا يقضون كل الوقت في السرير أو في المنزل. والحقيقة أن ثقافة الإيجابية تزيد من عزلة المرض المزمن وتضخمه، غالبًا ما أشعر بالقلق من أنني إذا عبّرت عن حقيقة ما أعانيه، أو إذا تحدثت عن الشعور بالألم، أو إذا قلت مدى إحباطي من الاضطرار إلى البقاء في السرير، فسيتم الحكم عليّ بشكل سلبي، لقد قال لي الآخرون من قبل أنه "ليس من الممتع التحدث معك عندما تشكو دائمًا من صحتك"، بينما لاحظ الآخرون أنني ومرضي كان من الصعب التعامل معنا، في أسوأ أيام حياتي، بدأت في التراجع عن التعامل مع الناس. سألتزم الصمت ولن أسمح لأي شخص بمعرفة ما كنت أعاني منه، باستثناء أولئك الأقرب إليّ ، مثل شريكي وطفلي، حتى بالنسبة لهما، كنت أقول مازحة إنني لم أكن "لائقة للاستهلاك البشري"، محاولة الحفاظ على بعض الفكاهة مع إخبارهما أيضًا أنه قد يكون من الأفضل تركي وشأني."
شعرت إنجي بالخجل حيال الحالة العاطفية السلبية التي كانت فيها، وفي الأيام التي تكون فيها الأعراض شديدة بشكل خاص، كانت لا تملك القدرة على وضع "وجه سعيد" أو إخفاء المشاعر السلبية التي تعتريها، لكنها تعلمت بسبب الرسالة التي يُصدّرها لها الآخرون دائمًا إخفاء غضبها وحزمها ويأسها، وتأصلّت لديها فكرة أن "المشاعر السلبية" جعلتها عبئًا، وليس إنسانًا.